70

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

প্রকাশক

دار الفكر العربي

ويفتي من يستفتيه، ونرى من هذا أنه لم ينزل به في هذه المرة محنة، بل لعل المحبس الرفيق الذي نزل فيه كان فيه صيانة من غوغاء الصوفية الذين كانوا يتربصون به الدوائر، ولعلهم يدسون عليه من يرميه رمية طائشة فتصيبه وسط الجموع الحاشدة التي تلتف حوله؛ ولعل هذا هو الذي أشار إليه قاضي القضاة ابن جماعة عندما قال: إن الحبس فيه مصلحة له.

ومن هذا نعلم أن خصومته في مصر قد انفرد بها في ذلك الوقت الصوفية الذين كانوا يتبعون آراء ابن عربي، والشيخ يبطلها، وينال من قائلها، وما كانت هذه إلا المعركة الأولى، وقد انهزم فيها الصوفية، وصان الله الشيخ وحفظه.

٧٤- وقد وقعت المعركة الثانية عندما عزل السلطان الناصر بن قلاوون نفسه وتولى الملك المظفر بيبرس الجاشنكير؛ وكان شيخه نصر المنبجي الذي كان من أتباع ابن عربي في آرائه ومنحاه الصوفي، وكانت هذه المعركة أشد من الأولى؛ لأن السلطان يناصر الخصوم علناً؛ ولأن ابن تيمية ينظر إليه على أنه من أنصار الناصر، ودبر السلطان وشيخه الأمر بعد تبادل الرأي، ووجدا أن أنجح السبل للتخلص من الشيخ أن ينفى من القاهرة إلى الإسكندرية، فإنه قد صار له في القاهرة أتباع يحمونه، والفقهاء فيها يناصرونه؛ أما الإسكندرية فليس له فيها ولي ولا نصير؛ وقد رجوا أن يقتل غيلة فيها ليتخلصوا منه بأيسر كلفة.

سافر إلى الإسكندرية، ويظهر أن أخباره قد سبقت إليها، وعندما وصل إليها أخذ يلقى دروسه فيها، ويعظ الناس بها، فهو حيثما حل كان النور الهادي، والسراج المنير؛ فالتف الناس حوله، وأحبوه وانتفعوا به.

وقد كان سفره إلى الإسكندرية سنة ٧٠٩، الليلة الأخيرة من شهر صفر، ومكث بها نحو سبعة أشهر، أي إلى الوقت الذي عاد الأمر فيه إلى الناصر بن قلاوون. وقد جاء تفصيل أعمال الشيخ في الإسكندرية في كتاب كتبه أخوه شرف الدين منها إلى أخيه بدر الدين بالشام، وهذا بعض ما جاء فيه: ((إن الأخ الكريم قد نزل بالثغر المحروس، على نية الرباط، فإن أعداء الله قصدوا بذلك أموراً يكيدونه بها،

69