يا لله، ما أشد هذا التعصب!
ونختم بذكر ابن خلدون في الفلسفة وكتبها والنظر فيها، وذلك إذ يعقد فصلا لإبطال الفلسفة وفساد أمر منتحليها، فيقول فيه: «إن هذا العلم كما رأيته غير واف بمقاصدهم التي حوموا عليها، مع ما فيه من مخالفة الشرائع وظواهرها.»
ثم يقول عن علومها الطبيعية وما يستعمله أصحابه من البراهين: «فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطبها، وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه، ولا يكبن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة، فقل أن يسلم لذلك من معاطبها.»
6
ونحن نعتقد أن ما ذهب إليه مؤسس علم الاجتماع من رأي، وما انتهى إليه من حكم، وما قدمه لنا من إرشاد وتوجيه، هو الحق كل الحق، وهو الذي يليق بالعلماء الباحثين غير المتعصبين. •••
هذا، وقد كان لما أجملناه من سمات هذا العصر وملامحه، أثر قوي في الشيخ ابن تيمية؛ فقد كان حربا على الجامدين والمقلدين بغير علم من الفقهاء، وعلى الجامدين على مذهب الأشاعرة في علم الكلام، وعلى المتصوفة والتصوف الذي دخله الكثير من مقالات غير المسلمين وآرائهم.
كما كان لذلك شديد الثورة على الفلسفة ورجالها الذين اعتنقوا كثيرا من نظريات الفلاسفة اليونان وأمثالهم بغير برهان صحيح.
وكل ذلك سنعرفه في الفصل الخاص بحياته ونشاطه بعد حين.
مراكز العلم في هذا العصر
كانت مصر والشام منذ قديم الزمان من مراكز العلم الكبيرة في العالم الإسلامي، ثم زاد خطرهما وأهميتهما في هذه الناحية بعد زوال الخلافة من بغداد سنة 656، وقيامها بعد ذلك في القاهرة، فقد كان هذا سببا طبيعيا لهجرة جمهرة العلماء - أو فرارهم - من بغداد إليها وإلى دمشق، أو إلى غيرهما من مدائن مصر والشام، واستقرارهم فيها، واتخاذها أوطانا لهم تكون مجال نشاطهم الفكري وإنتاجهم العلمي في ضروبه العديدة المختلفة.
অজানা পৃষ্ঠা