هل كان في وسعنا أن نفعل غير ما فعلناه؟
أليس هو الذي جنى هذا على نفسه؟
من كان يصدق أن هذا المخلوق الصغير، المغمض العينين، المرتعش الأطراف، سينقلب بين يوم وليلة طاغية مخيفا؟ إن أحدا منا لم يكن يتنبأ له بهذا المصير!
كان لا يزال في علم الغيب حين وصينا عليه الجيران؛ فالقطة الرومي التي نحسدهم عليها قد اختفت منذ أسبوع، لم تعد تقفز من على الساتر الخشبي إلى سطح بيتنا، أو تجلس كالراهب الوقور على السلم لتتشمس. إن بطنها كبرت، ونحن نعرف هذا، ولا بد أنها تلد الآن. في كل يوم أفوت على الجيران بعد عودتي من المدرسة لأسألهم عنها، ويخرج لي صاحب البيت بنفسه فيجيبني قبل أن أسأله: لا يا ابني، لسه ما ولدتش، سلم على الجماعة ... وأمي قد وصت جارتنا بنفسها؛ فحين طلعت على السطوح لتنشر الغسيل أطلت عليها من خلف الساتر وبعد السلامات والطيبات قالت لها: «الولد ميت على القطة، والنبي يا أختي تحجزي له واحدة.» ولم تتأخر جارتنا الطيبة: «حاضر يا حبيبتي، من عيني الاثنين.» وانتظرته على شوق. قط رومي يصبح ملكي، ينام في حضني وأبوسه من عينيه، وينط ويلعب معي، ويأكل من طبقي، ويقفز على مكتبي، ويذاكر معي، ما أجمل هذا! يوم يصل إلى بيتنا سيكون يوم عيد.
وحين عدت من المدرسة - وكان يوم خميس - وجدته قد سبقني إلى البيت. الخادمة أعلنت لي الخبر وهي تفتح الباب، كانت تصرخ وتكاد تبكي من الفرح، فرميت حقيبة الكتب وجريت والخادمة قدامي وأنا أصيح: فين! فين؟
وفي غرفة الفرن وجدت أمي تلاعبه. قط رومي أصيل، رومي بحق وحقيق، شعره أسود من الليل، ذيله مكور ومنفوش، عيناه - وإن لم يفتحهما بعد - لا بد أن تكونا خضراوين. والتففنا حوله، نتأمله ونراقب حركاته. كان جسده ينتفض من البرد، وأطرافه ترتعش، وكان من ضعفه يقوم ويقع ولا يستطيع أن يخطو خطوة على بعضها. ومددت يدي فسلمت عليه، إنه ضيف البيت، أعز من كل الضيوف.
وجرت الخادمة فأحضرت طبقا فيه لبن، ولكن القط لم يفتح عينيه. ولم يبد عليه أنه رأى شيئا. لا شيء إلا ناو، ناو، تخرج منه خافتة متقطعة كالكتكوت الصغير.
وقالت أمي: يا عيني! عاوز يروح لأمه.
وتنهدت الخادمة: يا ستي ده ها يموت من الجوع.
فقالت أمي: ما تخافيش عليه، القطط بسبع أرواح.
অজানা পৃষ্ঠা