وكانت توجد أربعة من المواهب تؤدي إلى نيل من ليسوا بمسلمين حظوة لدى الخلفاء، وهي: المواهب الفنية والمواهب الطبية والمواهب الإدارية والمواهب العلمية. وكان يثنى على حذق النصارى في الحرف، لما لا يوجد لدى المسلمين ما هو في درجته، وكان الخليفة عمر قد خالف تصرفا للنبي بسماحه في جزيرة العرب بوجود أبي لؤلؤة، الذي كان نصرانيا
23
صانعا بالغ المهارة في كثير من الحرف، وقد تحول هذا المقرب إلى قاتل له.
وكان الشعر والموسيقى من الفنون التي يتلذذ العرب بها كثيرا قبل زمن محمد، ولم يكن وعظ القرآن كثير الملاءمة لهما، بيد أن خلفاء بني أمية، الذين كانوا ذوي ارتياب غالبا، هاوين للملاذ، حبوهما بإحسانهم. وكان شاعر بني أمية المفضل نصرانيا اسمه الأخطل، وكان الأخطل من فطاحل شعراء العرب، وكان معاصرا لعبد الملك بن مروان، وكان - من جهة أبيه - ينتسب إلى قبيلة تغلب النصرانية، المستقرة بالكوفة وأذربيجان، وكان - من جهة أمه - ينتسب إلى قبيلة إياد النصرانية، التي استقرت بالعراق باكرا،
24
وكان الأخطل يظهر في بلاط الخليفة مختالا، حاملا صليبا ذهبيا حول عنقه، وفي ذلك الدور كان يتلهى في الكوفة بشرب الخمر على الرغم من تحريم النبي لها، كما كان يستمع إلى الأغاني.
وكان أخو عبد الملك يجلب إليه في هذه المدينة، من مدينة الحيرة المجاورة، الموسيقي النصراني حنينا، فيخلو إليه في أقاصي منازله، محاطا بعشرائه، متوج الجبين بالأزهار.
25
وكان الأطباء الذين يعتمد الخلفاء الأولون عليهم من السريان واليهود عادة؛ وذلك لأنه لم يكن لدى المسلمين من الوقت ما يتعلمون الطب فيه. فعند مروان بن الحكم الأموي نجد طبيبا يهوديا سرياني اللغة اسمه ماسرجويه، وقد ترجم هذا الطبيب رسالة الكاهن أهرن، وكان أهرن
26
অজানা পৃষ্ঠা