ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون (7: 178)، وقال أيضا:
يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين (14: 27).
أجل، إن هاتين الآيتين موازيتان للسابقتين، غير أنهما تنطويان على تكملة، وهذا الفرق الدقيق مهم؛ وذلك أن من خلقهم الله لجهنم ليسوا من أي أناس كانوا؛ أي ممن اختيروا اختيارا مراديا، بل هم أولئك الذين يأبون أن يستمعوا إلى رسالة النبي، وأن من يضلهم ليسوا من أي أناس كانوا، بل هم الأشرار، والأبرار هم الذين يهديهم الله على هذا النحو؛ ولذا، فإن من الواضح من هذه الآيات وحدها أن الضلال وجهنم ليسا سوى عقاب ناشئ عن ذنب سابق اقترف اختيارا لا ريب.
وآي القرآن الأخرى التي تناسب عين المسألة كثيرة، وهي تؤيد هذا الوجه من الرأي، ونعتقد أن هذا أصلي، ويبدو لنا أن هذا التفسير - الذي أدرك إدراكا ناقصا حتى الآن - شديد الصلاح لسد باب النزاع الطويل حول جبرية القرآن؛ فالقرآن ليس جبريا، ولم يرد فيه أن الله يقدر الشر وهلاك أي إنسان بداهة، والواقع أن المذهب - الذي أريد إدراكه كما تقدم - يقوم على أن الله، بعد أول خطيئة - ولا سيما بعد الخطيئة الأولى حيال الإيمان - يضل المجرم ويعميه، ويقسيه مقدارا فمقدارا، فيسير نحو هلاكه مثل مكره، وإنما يبقى الكفر الأول طليقا، وليس هذا المذهب - من جهة أخرى - غير تعبير عن ملال النبي من المقاومة الطويلة التي لاقتها رسالته، وذلك أن الذين كانوا يسمعونه عدة مرات، وكانوا شاهدين لجميع آياته، إذا لم يذعنوا في آخر الأمر، عدوا - بالحقيقة - أناسا فقدوا عقلهم بقوة خارجية، أناسا غدوا أنعاما صما عميا، على حسب تعبير محمد، هدفا للعقاب الإلهي، فكانت جهنم تستحوذ على روحهم في أثناء حياتهم، فإذا ما طعنوا على هذا الوجه فلأنهم أبوا أن يؤمنوا في وقت كانوا فيه أحرارا في اختيارهم، مالكين لعقلهم.
وأصرح الآيات في هذا المعنى هي:
صم بكم عمي فهم لا يرجعون (2: 17). وهذه الآية الأخرى التي كنا قد استشهدنا بها، وهي:
ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون .
ومن المفيد أن يضاف إلى هذا البيان عن لاهوتية محمد بضع كلمات خاصة بنظرية الوحي ونظرية الملائكة: وذلك بما أن إله القرآن صعب الاقتراب من الإنسان إلى الغاية، فإن الوحي جعل ضروريا لهذا السبب:
وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب (42: 50). وقد تلقت هذه الآية الجافية - فيما بعد - كثيرا من مخالفة متصوفي الإسلام عمليا.
وقد تمثل محمد أمر الوحي نفسه على وجه مماثل للوجه الذي تمثل به إدارة العالم؛ فالفكرة في ذلك تتصل بفكرة الإله القادر، والوحي هو رسالة من الله، ويوجد مثال للكتاب الموحى به، يوجد نوع من القرآن السماوي المحفوظ لدى الله، ويقرأ الملك في هذا الكتاب، ويأتي ليبلغ النبي ما قرأ، وهذا جهاز بسيط جدا؛ أي خارجي تماما، فهنا نبتعد عن حماسة التنبؤ التورائي وهيامه اللذين ضيق مفهومهما وأنحل.
অজানা পৃষ্ঠা