ইবনে ইনসান: একজন নবির জীবন
ابن الإنسان: حياة نبي
জনগুলি
انقضى دور الانقلاب الصيفي، وبدأت أوراق الكرمة تهتز، وجمعت الغلال وحب الزيتون، وأخذت حرارة الشمس تخف، وصار يفتر ما كان من الحماسة حينما لاقى يسوع المعمدان. أجل، إن عدد من يلتفون حوله يزيد، وإنه جاب جميع المدن والقرى القائمة على الشاطئ الغربي من بحر الجليل، وإنه قطع هذا البحر وأوغل في بعض أودية شاطئه الشرقي وضفة الأردن اليسرى، بيد أن مجال رسالته ظل ضيقا بعيدا من ولاية اليهودية التابعة لسلطان رومة، مقتصرا على إيالة هيرودس التي وجد فيها تسامحا من موظفين لم يروا في جمعه القليل الحمس، المؤلف من الفلاحين والصيادين والصناع، ما يزعج.
ويصبح شفاء المرضى أمرا مزعجا ليسوع، ويظهر أنه كان يخجل من قدرته على شفائهم بالتلقين، فيخشى أن يطفو ذلك على رسالته. ومن الناس من زعموا أنه ممسوس. وهو القائل بوجود صراع بين شيطانين عندما يطرد أحدهما من جسم الممسوس، فمما حدث أن أمسكت مريضة رداءه من الخلف ليشفيها، فلاح له أن قوة خرجت منه، وما أكثر ما يعود المرض إلى المرضى بعد أن يبتعد عنهم! وما أكثر ما سمع الممسوسين والعمي والمفلوجين يذكرون اسمه متحسرين في أثناء نزهه بين سنابل القمح وعلى شاطئ البحيرة! ويعترض هؤلاء في طريقه، ويكدرون مواعظه، وينغصون سروره، وإذا لم يسطع أن يبرئهم لعدم إيمانهم نظروا إليه بغيظ؛ لظنهم أنه يقودهم إلى جهنم. ومن الغريب ألا يغادر من يشفيهم بسلام، بل يأمرهم متوعدا بالصمت .
وبينما كان يسوع في سوق ازدحم القوم فيها فيبرئ ويعظ؛ إذ جاءه رسولا يوحنا، فدهشا حين رأيا يسوع جالسا هادئا، والناس حوله، فيغتاظان على ما يحتمل من أكثر النبيين هناء، ويفكران في أمر معلمهما المسجون في قبو رطيب محرق. ومن الجائز أن يكون يسوع قد قرأ ما في قلبيهما؛ لما رآه من تناقض بين مقتضى الحال ووضعهما، فحدق إليهما قائلا: «ماذا تودان أن تعلما؟» فسألاه باسم يوحنا: «أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟»
طار طائر يسوع كما لو هوى عليه شيء، فمن الذي يخامره هذا الرأي فيجرؤ على إبدائه؟ تلك مسألة عظيمة، تلك مسألة ربانية، تلك مسألة لا ينبغي لأحد أن يسأل عنها، تلك مسألة لا يجوز لغريب كيوحنا أن يطرحها، تلك أسرار بين الأب والابن، تلك أمور لا يعبر عنها فتمر كالضباب الخفيف الذي يغشى احمرار الشمس وقت الغروب، أو كالهواجس الأثيرية التي تساور الأفئدة في الليل البهيم، تلك معضلة تؤدي إلى أرق الاعترافات وأحلاها مع ما تتضمنه من خوف البت ... يرن جميع ذلك في أذني يسوع، ويسوع يفاجئه غريب في مكان عام بذلك السؤال، فيطلب منه أن يجيب ب «لا» أو «نعم»، وكيف استطاع ذلك النبي العابس أن يسأل من غياهب
16
السجن يسوع الحليم عن ذلك؟ وما هو الجواب الذي يأمله؟ وما هو الجواب الذي يسمح به؟ يواثب ذلك كله يسوع، وتتجاذبه الأجوبة، فيجيش فيه صوت فيسأل في نفسه: أتلك هي آية جديدة يأتيني بها المعمدان؟ أفيوحي إليه أبوه السماوي بأن يكون أصلب عودا مما كان عليه؟ أجل، قد تكون هذه آية جديدة كالتي تلقاها حينما عمده يوحنا قبيل سجنه.
تضطرب تلك الأفكار في يسوع، ولا يعرف يسوع أيبقى صامتا على تلك الحال طويل وقت قبل أن يعود إليه صحوه؟ يظهر أن شيئا من روح المعمدان تسرب فيه فيهزه، وإنه لكذلك إذ أخذته العزة كالتي أخذته نحو أمه في قانا، فانتحل بها أوضاع الملوك، فأشار إلى الجمع بذراعه، وقال لرسولي يوحنا: «اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران، العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون ، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشرون، وطوبى لمن لا يعثر في.»
وهل وجد بين الجم الغفير من أدرك ماذا حدث؟ إن المعلم الذي ما فتئ يترك أمكنة معجزاته وشفاءاته غير متخذ لها دليلا على عظم قدره، يفتخر بها اليوم أكثر من افتخاره بغيرها، فيرسل خبرها إلى يوحنا الذي لم يشف مريضا قط، فيقوم نفوذه على الكلام، ويظهر أن يسوع قال ذلك مهددا يوحنا؛ لما أبصره من معنى السخرية والغيرة في سؤاله، فترى من ذلك أنه أرسل إليه في سجنه وعيدا بدلا من السلوان والسلام!
ابتعد رسولا المعمدان، وظل يسوع مبلبلا بفعل ذلك السؤال وذلك الجواب وكل ما ساوره، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها عن يوحنا وعن جميع الذين ينبئون بدنو اليوم المنتظر، فينذر الجاحدين الذين عاملهم برفق حتى الآن، وذعر الجمع فور سماعه يسوع، الذي لم يبد منه غير الرفق فيما مضى، ينطق بالكلمات القاسية الآتية: «ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحركها الريح؟ ولكن ماذا خرجتم لتنظروا، إنسانا لابسا ثيابا ناعمة، هو ذا، الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك؛ لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبيا؟ نعم، أقول لكم، وأفضل من نبي، فإن هذا هو الذي كتب عنه. ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك أمامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان؛ ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه ... فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع.»
عجب الجميع من نبرات يسوع، بيد أن قليلا من المستمعين أدركوا ما يدور في خلده، فلم تتحول أنظارهم عنه مذعورين، فإذا كان يسوع يذكر إيليا ويصف يوحنا بالذي يمهد السبيل، فإنه يكون قد عنى بالمسيح نفسه وإن لم يقل ذلك، فاسمع قوله: «وبمن أشبه هذا الجيل؟ يشبه أولادا جالسين في الأسواق ينادون إلى أصحابهم ويقولون: زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لكم فلم تلطموا؛ لأنه جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب، فيقولون فيه شيطان، جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب، فيقولون: هو ذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطأة.» •••
অজানা পৃষ্ঠা