ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
الحياة، بل أساسه طلب الحلال، ولكن لا يطلبه من مال فيه شبهة، بل من مال يناله من غير أن تصاب النفس في نزاهتها أو عزتها، ومن غير أن يلجأ في ذلك إلى أحد من العباد.
وكان يرى أن الزهد الذي يلين القلوب، ويرفق النفوس ليس هو في الامتناع عن الحلال، ولكن في طلبه من غير أن يدنس النفس:
يروى في ذلك أن أبا حفص عمر بن صالح الطرسوسي قال: «ذهبت إلى أبي عبد الله فسألته، بم تلين القلوب، فأبصر إلى أصحابه، ثم أطرق ساعة، ثم رفع رأسه، فقال: يا بني، بأكل الحلال، فمررت إلى أبي نصر بشر بن الحارث، فقلت له: يا أبا نصر بم تلين القلوب؟ قال: ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) فقلت، فإني جئت من عند أبي عبد الله، فقال هيه أيش قال لك أبو عبد الله، قلت بأكل الحلال، فقال جاء بالأصل، فمررت إلى عبد الوهاب بن أبي الحسن، فقلت: بم تلين القلوب، فقال: ((ألا بذكر الله تطمئن القلوب))، قلت: فإني جئت من عند أبي عبد الله، فاحمرت وجنتاه من الفرح، وقال لي أيش قال أبو عبد الله، فقلت قال بأكل الحلال، فقال: جاءك بالجوهر، الأصل كما قال، الأصل كما قال))
وهذه القصة تعطيك منطق أحمد الدقيق في ورعه وزهده، فهو ما كان ينقطع عن الحياة وأسبابها، ومتعها، بل كان لا يمتنع عن متع الحياة على شرط الدين والخلق الفاضل، وهو ألا يأخذها من غير حلها، فهو يطلب الحلال، ولا يأكل إلا الحلال، وفي تحري الحلال، كانت نفسه معناة، يترك ما تشتبه فيه قل أو جل، ولا يأخذ إلا ما لا شبهة فيه، ويكتفي به، وإن قل، فمنطقه في هذه الحياة هو منطق الحي القانع الراضي، الزاهد في غير الحلال، مهما تكن حاجته إليه.
وفي دائرة الحلال الذي لا شبهة فيه يستطيب متع الحياة، ويستأنس بالصحاب وأهل المروءة، ويقول: ((يؤكل الطعام بثلاث، مع الإخوان بالسرور، ومع الفقراء بالإيثار، ومع أبناء الدنيا بالمروءة))
وكان يحب الصداقة والأصدقاء، ويفهم معناها الدقيق، ويعرف أن الحياة من غير أصدقاء حياة جافة ذليلة، ويقول ((إذا مات أصدقاء الرجل ذل))
87