ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور))، وقال عز وجل: (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق ، فأخبر أنه قصص لأمور أحدثها بعدها ، وتلا به متقدمها، وقال: ((كتاب أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير)) وكل محكَم مفصَّل دخله محكم مفصّل، والله محكم كتابه ومفصّله، فهو خالقه، ومبتدعه.
ثم هم الذين جادلوا بالباطل ، فدعوا إلى قولهم ، ونسبوا أنفسهم إلى السنة، وفى كل فصل من كتاب الله قصص من تلاوته مبطل قولهم، ومكذب دعواهم، يرد عليهم قولهم ، ونحلتهم، ثم أظهروا مع ذلك أنهم أهل الحق، والدين، والجماعة ، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر والفرقة ، فاستطالوا بذلك على الناس، وغروا به الجهال، حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب ، والتخشع لغير الله، والتقشف لغير الدين إلى موافقتهم عليه، ومواطأتهم على سيء آرائهم ، تزينا بذلك عندهم ، وتصنعاً للرياسة والعدالة فيهم، فتركوا الحق إلى باطلهم ، واتخذوا دين الله وليجة إلى ضلالتهم، فقبلت بتزكيتهم لهم شهادتهم، ونفذت أحكام الكتاب بهم ، على دغل دينهم ، وثقل أديمهم، وفساد نياتهم، ويقينهم ، وكان ذلك غايتهم التى اليها جروا ، وإياها طلبوا فى متابعتهم، والكذب على مولاهم، وقد أخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق، ودرسوا ما فيه. أولئك الذين أصمهم الله، وأعمى أبصارهم، أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها، فرأى أمير المؤمنين أن أولئك شر الأمة، ورءوس الضلالة ، المنقوصون من التوحيد حظاً ، والمخوسون من الإيمان نصيبا، وأوعية الجهالة ، وأعلام الكذب ، لسان ابليس الناطق فى أوليائه ، والمائل عن أهوائه، من أهل دين الله، وأحق من يتهم فى صدقه ، وتطرح شهادته، ولا يوثق بقوله ،ولا عمله ، فأنه لا عمل إلا بعد يقين ، وإلا بعد استكمال حقيقة الاسلام وإخلاص التوحيد ، ومن عمى عن رشده وحظه من الإيمان به وتوحيده كان عما سوى ذلك من عمله، والقصد فى شهادته أعمى وأضل سبيلا، ولعمر أمير المؤمنين إن أحجى الناس بالكذب فى قوله ، وتخرص الباطل فى شهادته من كذب على الله ووحيه، ولم يعرف الله حقيقة معرفته، وإن أولاهم برد شهادته فى حكم الله ودينه
(٤)
49