33

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

وعاينه، وليس عندنا دليل على نفي الخبر، وكل خبر راويه ثقة لا يرد إلا إذا قام الدليل على رده، ولا دليل.

وليس معنى علم أحمد بالفارسية أنه استعان بها في فقهه، ففقهه كما سنبين فقه أثري نقلي، ليس فيه اعتماد على الاستنباط الفلسفي، ومسائله المروية عنه ليس فيها ما يدل على تأثر بفكر فارسي، وإن كان فيها تأثر إقليمي أحيانًا إذا كان أساس الاستنباط قياسًا، أو مصلحة، أو سد ذريعة، وليس الأساس نصًا، وإنه من المؤكد أن أحمد كان يأخذ بالقياس بقدر قليل، وبالمصلحة على أساس أن الأصل في المصالح الإباحة، حتى يقوم الدليل على البطلان بنص على عدم اعتبارها، فما دام لم يقم هذا الدليل، فالمصلحة على أصل إباحتها، ولذلك فضل بيان في فقهه.

٣٣ - جلوسه للتحديث والفتوى: طلب أحمد الحديث من رجاله، واستمع إليهم، وكتب عنهم كل ما استمع، واحتفظ بكل ما كتب بعناية الحريص، واهتمام الراغب، ولم يقتصر على ربوع بغداد، ومساجدها يتلقى على علمائها، وهم العدد الكثير، وفيهم ذوو الحفظ، والوعي والتقى، بل طوف في الأقاليم الإسلامية فرحل إلى البصرة وإلى الكوفة، وإلى الحجاز، وما سمع بعالم إلا رحل إليه، إلا إن حالت المنية دون اللقاء، فلم يستطع الاستماع إلى مالك، إذ مات عند ابتدائه في طلب الحديث، والعود أخضر، ولم يتمكن من الاستماع إلى ابن المبارك، إذ أن آخر قدمة له ببغداد كانت في السنة التي اتجه فيها أحمد إلى طلب الحديث، ولم يظفر بلقائه، فقد رحل إلى طرطوس، ولم يعد بعدها إلى بغداد.

ولقد كان يحس بأن لقاء أولئك العلية من العلماء قد فاته، ولكن الله سبحانه وتعالى قد مكنه من درء هذا النقص، ولذلك كان يقول: ((فاتني مالك، فأخلف الله علي سفيان بن عيينة، وفاتني حماد بن زيد، فأخلف الله علي إسماعيل بن علية))(١).

طلب الحديث من كل مصادره التي كانت في عصره، واتصل بعضها اتصالًا

(١) المناقب لابن الجوزي ص ٣١

32