ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ورواية تلك المجموعات مع العناية بدراسة الفقه منها، يتكون منها الفقيه، وبذلك يلتقي الحديث والفقه في أحمد رضي الله عنه، وبذلك يكون أحمد المحدث والفقيه معًا، ولقد قال أبو حنيفة: مثل من يطلب الحديث، ولا يتفقه، مثل الصيدلاني يجمع الأدوية، ولا يعرف لأي داء هي، حتى يجيء الطبيب، هذا طالب الحديث لا يعرف وجه حديثه، حتى يجيء الفقيه(١)))
وأحمد في جمعه بين الفقه والحديث، والإمامة فيهما كان كمالك، بيد أن مالكًا كان أوضح فقهًا، ولذلك فضل بيان سنذكره عند الكلام في فقهه وحديثه، ونوازن بينه وبين مالك في ذلك.
٣١ - وهل اطلع أحمد على غير الفقه والحديث وعلوم العربية؟ يغلب على الظن أنه لم يطلب غير هذه العلوم، فلم يطلب علم الكلام، ولا العلوم الفلسفية التي كثرت ترجمتها في حياته لأنه لم يجد شيئًا من العلم جديرًا بالعناية غير الحديث والكتاب، وما هو كالآلة لفهم كل العلوم الدينية، وهو العلوم العربية.
ولكن لا نستطيع أن نقول إن أحمد لم يطلع على بعض آراء الفرق المختلفة، كالخوارج والشيعة، والجهمية، والمعتزلة، وغيرهم؛ بل إن الظن كل الظن أن يكون أحمد ألم بهذه الفرق، وحياته وأخباره تمهد لذلك، ولا تنافيه، ذلك لأنه رحل إلى البصرة خمس مرات لطلب الحديث، وكانت إقامته تمتد إلى ستة أشهر أو تزيد، والبصرة كانت موطن الاعتزال، وفي باديتها كان الخوارج يرابطون ويغيرون، وكان الجهمية والمرجئة لهم طوائف فيها وفي الكوفة، والعالم الباحث يصل إليه علم كثير من يحاورهم ويخالطهم، ويتصل بهم، وأحاديث أصحاب هذه الفرق كانت تسري في المجالس في مساق الاستحسان في بعضها، ومساق الاستهجان في بعضها، فكان أهل العلم يلمون بها مستنكرين أو مستحسنين، وأيضًا فإن أحمد قد كان يرمي أصحاب هذه الآراء بالابتداع، وأنهم كانوا بعيدين عن منهاج السلف وما كان لمثل أحمد فى
(١) كتاب أبو حنيفة للمؤلف ص ٧٦ الطبعة الثانية.
30