ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
القدم الثابتة فيه ، وإن كان مع ذلك قد اتصل بالمحدثين، وأيد رأيه الفقهي بالحديث، ثم اتجه إلى الحديث، ولما استكمل تكوينه العلمي درس فقه الرأي دراسة فاحص ناقد يوازن بين ما انتهى إليه من علم الحديث، وما وصل إليه أولئك الفقهاء من تفريع فقهي، فاختار طريق الصحابة والتابعين، وإن كان قد قبس قبسة من فقه الرأي، وبذلك يكون حفظه لكتب أهل الرأي على حد تعبير الخلال، أو معرفته لما وصل إليه أهل الرأي على حد التعبير العلمي الصحيح أمراً مقبولاً معقولاً.
٢٠- طلب أحمد رضي الله عنه في خير شبابه الحديث، وكان المحدثون في كل بقاع الأراضي الإسلامية، ففي البصرة محدثون وفي الكوفة مثلهم، وبغداد قصبة الدولة، فيها الكثير منهم، وبلاد الحجاز تزخر بهم، وقد التقت المدائن والأنصار التقاء علمياً في ذلك العصر، فلم تكن ثمة محاجزات إقليمية تجعل كل طائفة عاكفة على حديث بلدها، لا تقبل رواية غيره، بل كانت الرحلة العلمية المستمرة بين الربوع الإسلامية واصلة حبال العلم، وأرسانه النورانية.
وعندما اعتزم أحمد في مستهل شبابه طلب الحديث كان لا بد أن يأخذ عن كل علماء الحديث في العراق، والشام، والحجاز، ولعله أول محدث قد جمع الأحاديث من كل الأقاليم، ودونها، وإن مسنده لشاهد صادق الشهادة بذلك، فهو قد جمع الحديث الحجازي، والشامي، والبصري، والكوفي جمعاً متناسباً.
٢١- وإن المنطق كان يوجب أن يتلقى أولاً حديث بغداد، حتى إذا استحفظ من حديثها جله طلب غيره، وكذلك سار، فهو اتجه إلى الحديث من سنة ١٧٩، واستمر مقيماً ببغداد يأخذ من شيوخ الحديث فيها، ويكتب كل ما يسمع، حتى سنة ١٨٦(١). وابتدأ في هذه السنة رحلته إلى البصرة، وفي العام الذي يليه رحل إلى الحجاز، ثم توالت رحلاته بعد ذلك إلى البصرة، والحجاز، واليمن، وغيرها في طلب الحديث.
وإذا كان قد طلب الحديث سنة ١٧٩، ولم يرحل رحلة علمية قبل سنة ١٨٦
(١) راجع في هذا المناقب ص ٢٠
21