ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
وأسند إلى أحمد أنه قال إن سفيان الثوري كان يقول: ((ما ازداد رجل علما، فازداد من الدنيا قربا، إلا ازداد من الله بعدا)) (١).
ولقد كان الخلال بعد أن جمع رواياته يدارسها تلاميذه في جامع المهدي ببغداد، ومن هذه الحلقة المباركة انتشر المذهب الحنبلي، وتناقله الناس مجموعة فقهية مدونة في نحو من عشرين مجلدا، بعد أن كانت روايات منثورة، ورسائل متفرقة في الأقاليم، وفي صدور الرجال، أو في خزائنهم الخاصة، ولا تنشر إلا لخاصة الناس.
٦٨ - قد اتفق الفقهاء على أنه جامع أشتات المسائل الفقهية المنسوبة لأحمد، ليس في ذلك من ريب، ولكن أهو كان صادق الرواية في نقله، فلا مجال للشك فيه؟ ونقول في الإجابة عن ذلك لقد قبل روايته الحديث كثيرون، فأولى أن يكون مقبول النقل في الفقه، ولقد تلقى علماء جيله نقله بالقبول، ولم يطعنوا في نقله، ولو كان نقله محل طعن لابتدأ ذلك الطعن بين معاصريه، وتوارثت الأجيال ذلك الطعن، حتى وصل إلينا، نعم إن بعض معاصريه كان ينفس عليه عمله، وما ناله من منزلة، وأي عالم مجد ليس له منافس، والحسد من قديم الزمان بين العلماء، وعلو المكانة يغري بالمنافسة فهذا أبو بكر الشيرجي الذي كان يعاصره يقول: ((الخلال قد صنف كتبه، ويريد أن نقعد بين يديه ونسمعها منه!! هذا بعيد)) (٣).
ولقد كان بعض الناس يثير النظر فيما كان يقول فيه عن شيوخه - أخبرنا، وأن بعض شيوخه قالوا إنما هي إجازة، ولكنه رد ذلك بأن كل ما رواه يصح أن يقال فيه حدثنا، ولم ينكر عليه أحد ذلك، وهذا نص ما جاء في تاريخ بغداد ((قد رسم في كتابه ومصنفاته، إذا حدث عن شيوخه يقول أخبرنا أخبرنا أخبرنا، فقيل له إنهم قد حكوا أنك لم تسمعها، وإنما هي إجازة. فقال سبحان الله، قولوا في كتبنا كلها حدثنا)).
وبهذا يتبين أن كل ما في كتبه أخذه بالسماع عمن التقى بهم من نقلة الفقه الحنبلي، وهبها كانت إجازة أو بعضها كان إجازة، ولم يكن كلها سماعا، فإن ذلك لا يقدح فى
(١) طبقات ابن أبي يعلى ص ٢٩٧
(٣) تاريخ بغداد ج ٥ ص ١١٣
183