142

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه

الخلاف أن تطلق كلمة مخلوق على القرآن أو لا تطلق، ولذلك حرر الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده الكلام في ذلك المقام، فقال:

«قد ورد أن الله كلم بعض أنبيائه، ونطق القرآن بأنه كلام الله، فمصدر الكلام المسموع عنه سبحانه لا بد أن يكون شأنًا من شئونه قديمًا بقدمه. أما الكلام المسموع نفسه المعبر عن ذلك الوصف القديم، فلا خلاف في حدوثه، ولا أنه خلق من خلقه، وخصص بالإسناد لاختياره له سبحانه في الدلالة على ما أراد إبلاغه لخلقه، ولأنه صادر عن محض قدرته ظاهرًا وباطنًا، بحيث لا مدخل لوجود آخر فيه، بوجه من الوجوه سوى أن ما جاء على لسانه مظهر لصدوره، والقول بخلاف ذلك مصادرة للبداهة، وتجرؤ على مقام القدم بنسبة التغير والتبدل إليه، فإن الآيات التي يقرؤها القارئ تحدث، وتفنى بالبداهة كلما تليت، والقائل بقدم القرآن المقروء أشنع حالًا، وأضل اعتقادًا من كل ملة جاء القرآن نفسه بتضليلها، والدعوة إلى مخالفتها، وليس في القول بأن الله أوجد القرآن بدون دخل لكسب بشري في وجوده ما يمس شرف نسبته، بل ما دعا الدين إلى اعتقاده، فهو السنة، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكل ما خالفه فهو بدعة وضلالة»

«أما ما نقل إلينا من ذلك الخلاف الذي فرق الأمة، وأحدث فيها الأحداث، خصوصًا في أوائل القرن الثالث من الهجرة، وإباء بعض الأئمة أن ينطق بأن القرآن مخلوق، فقد كان منشؤه مجرد التحرج والمبالغة في التأدب من بعضهم، وإلا فإنه يجل مقام مثل الإمام ابن حنبل عن أن يعتقد أن القرآن المقروء قديم، وهو يتلوه كل ليلة بلسانه، ويكيفه بصوته»(١)

وهذا الجزء الأخير من قول الإمام صحيح لا شك فيه، فالإمام أحمد لم يقرر قط أن القراءة قديمة ولا غير مخلوقة، ولم يقرر قط أن القرآن قديم، إنما الذي قرره أن القرآن غير مخلوق، وقد خرج العلماء رأيه على أنه لا يعد ما كان صادرًا عن الله قائمًا بذاته، يقال عنه إنه مخلوق.

(١) رسالة التوحيد

141