ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
الفقه التي استنبطها ذلك الإمام الجليل ، وكان لها مكان في تفكير أحمد. واسترعت نظره، وجعلته يعجب بعقل الشافعي، ويقول لصاحبه: إن فاتك عقل هذا الفتى لا تدركه، وجعلته يلتزم الشافعي مدة إقامته ببغداد، وقد قاربت أربع سنوات، وقد ذكرنا في دراستنا لشيوخه مقدار انتفاعه من الشافعي رضي الله عنه.
وعلى ذلك نقرر أن أحمد تلقى من عدة ثروات فقهية في ذلك العصر الذي نضج فيه كل شيء واستوى على ساقه - العلم في الدين وغيره، وانتفع به، وتغذى منه غذاء صالحًا، واستطاع أن يهضمه مع ما أمد به من عناصر علمية مختلفة تمثلت في نفسه، وكان منها ذلك المزيج العلمي، الذي كان سنة، وكان فقهًا.
١١٦ -- وقد نضج في عصر أحمد علم الحديث ، وذلك لأن دراسة السنة والآثار لم يتكامل نموها قبل عصر أحمد، فقد كانت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، ولكن لم توضع ضوابط لمعرفة صحيحها من غيره، وتمييز الصادق من غير الصادق، وهم عمر بن عبد العزيز بجمع السنة الصحيحة لينشرها بين الناس، ولكنه مات قبل أن يتم ما هم به، وسلك العلماء مسالك تدوين السنة، فجمع مالك موطأه، وجمع مسند الشافعي، وآثار أبي يوسف، وآثار محمد، وغيرهما من آثار فقهاء العراق، ولكن إلى الآن لم توجد الصحاح الجامعة. فموطأ مالك رضي الله عنه، فيه الآثار التي صحت عند مالك، وجملتها من آثار الصحابة الذين اتخذوا المدينة مقامًا. وآثار العراقيين جل أسانيدها ينتهي إلى الصحابة أو التابعين الذين اتخذوا العراق مقامًا، وكذلك الشاميون، حتى إذا جاء النصف الثاني من القرن الثاني كانت الهجرة، والرحلات المختلفة في طلب الحديث فكانت الرحلة إلى بلاد الحجاز، يستمعون فيها إلى حديث أهل الحجاز، فيستمعون إلى سفيان بن عيينة في مكة، وإلى مالك في المدينة، وكانت الرحلة إلى البصرة، وإلى الكوفة، لتلقي الآثار الصحاح التي تنتهي إلى الصحابة والتابعين، وكذلك كانت الرحلة إلى اليمن، وإلى الشام، لنقل الصحاح من الأحاديث التي أثرت عن الصحابة والتابعين الذين حلوا في هذه البلاد المختلفة.
ففي عصر أحمد كان الجمع بين أحاديث الأقطار المختلفة، وطبيعة ذلك الجمع الإحاطة
110