أنا من أهوى ومن أهوى أنا
فهذا لسان الحب، ولسان الخيال لا الحقيقة، لسان المعنويات التي لا صور لها، وللمحبة لسان معذور؛ لأنه مقهور بحاله.
يروي محيي الدين في الفتوحات: «إن سليمان - صلوات الله عليه - كان في قبته يوما، وفي أعلاها عصفور يناجي عصفورة، فقال لها: أنا أحبك حبا لا أعصي لك معه أمرا، حتى لو قلت لي: حطم هذه القبة على رأس سليمان لحطمتها عليه، فأمره سليمان أن يهبط، فلما هبط قال له: ماذا تقول؟ قال: يا نبي الله، لقد تكلمت بلسان المحبة، وألسنة المحبين لا حساب عليها؛ فتبسم سليمان وعفا عنه ...»
ويقول محيي الدين في الباب الثاني والتسعين ومائتين: «من أعظم الأدلة على نفي الحلول والاتحاد، الذي يتوهمه بعضهم: أن تعلم عقلا أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء، وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها؛ وإنما كان القمر محلا لها ومشرقا بها؛ فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه.»
ثم يقول: «وهذا يدلك على أن العالم ما هو عين الحق، ولا حل فيه الحق؛ إذ لو كان عين الحق، أو حل فيه، لما كان - تعالى - قديما ولا بديعا.»
ثم يرد محيي الدين على هؤلاء الذين تنادوا بالترقي والفناء في الذات العلية، فيقول: «لو صح أن يرقى الإنسان عن إنسانيته، والملك عن ملكيته، ويتحد بخالقه - تعالى - لصح انقلاب الحقائق، وخرج الإله عن كونه إلها، وصار الحق خلقا، والخلق حقا! وما وثق أحد بعلم، وصار المحال واجبا؛ فلا سبيل إلى قلب الحقائق أبدا.»
ويقول في الباب الثامن والأربعين من الفتوحات: «لا يصح أن يكون الخلق في مرتبة الحق - تعالى - أبدا، كما لا يصح أن يكون المعلول في رتبة العلة.» ثم يقول: «وأين إذن تذهب التكاليف؟ ومن ترك التكاليف كان معاندا أو جاحدا؛ فمن كمال التخلق بأسماء الحق الاشتغال بالله وبالخلق.»
ويقول في لواقح الأنوار: «لا يقدر أحد ولو ارتفعت درجات مشاهدته أن يقول: إن العالم عين الحق أو اتحد به أبدا، ومن فهم ما أومأنا إليه، فهم معنى قوله - تعالى:
قل الروح من أمر ربي ، فلم يحدث بابتداعه العالم في ذاته حادث. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!»
ثم يأتي محيي الدين بكلمة الفصل فيقول: «وبالجملة فالقلوب به - تعالى - هائمة، والعقول فيه حائرة، يريد العارفون أن يفصلوه - تعالى - بالكلية عن العالم من شدة التنزيه فلا يقدرون، ويريدون أن يجعلوه عين العالم من شدة القرب، فلا يتحقق لهم؛ فهم على الدوام متحيرون: فتارة يقولون: هو، وتارة يقولون: ما هو، وتارة يقولون: هو ما هو! وبذلك ظهرت عظمته - تعالى.»
অজানা পৃষ্ঠা