وذكر المسعودي في مروجه (1) قال : ذكر ذوو الدراية أن عمر بن الخطاب (رض) حين فتح الله البلاد على المسلمين من العراق والشام ومصر وغير ذلك من الأرض ، كتب إلى حكيم من حكماء العصر : إنا أناس عرب ، وقد فتح الله علينا البلاد ، ونريد أن نتبوأ الأرض ، ونسكن البلاد والأمصار ، فصف لي المدن وأهويتها ومساكنها ، وما تؤثره الترب والأهوية في سكانها. فكتب إليه ذلك الحكيم عن وصف الأقطار ، وأعطى كل قطر صفته ، كالشام ومصر ، واليمن والحجاز ، والمغرب وخراسان ، وفارس والجبال ، وخوزستان والبر ، ووصف له العراق فقال : وأما العراق ، فمنار الشرق وسرة الأرض ، وقلبها إذا تحادرت المياه ، وبه اتصلت النضارة ، وعنه وقف الاعتدال ؛ فصفت أمزجة أهله ، ولطفت أذهانهم ، واحتدت خواطرهم ، واتصلت مسراتهم ؛ فظهر منهم الدهاء ، وقويت عقولهم ، وثبتت بصائرهم. وقلب الأرض العراق ، وهو المجتبى من قديم الزمان ، وهو مفتاح الشرق ، ومسلك النور ، ومسرح العينين ، ومدنه المدائن وما والاها ، ولأهله أعدل الألوان ، وأنقى الروائح ، وأفضل الأمزجة ، وأطوع القرائح ، وفيهم جوامع الفضائل ، وفوائد المبرات ، وفضائله كثيرة ؛ لصفاء جوه ، وطيب نسيمه ، واعتدال تربته ، وإغداق الماء عليه ، ورفاهية العيش به. وسأل عمر (رض) كعب الأحبار عن العراق ، فقال : إن الله لما خلق الأشياء ألحق كل شيء بشيء ، فقال العقل : أنا لاحق بالعراق ، فقال العلم : وأنا معك. فقال المال وأنا لاحق بالشام ، فقالت الفتن : وأنا معك. فقال الخصب : وأنا لاحق بمصر ، فقال الذل وأنا معك. فقال الفقر : وأنا لاحق بالحجاز ، فقالت القناعة : وأنا معك. فقال الشقاء : وأنا لاحق بالبوادي ، فقالت الصحة : وأنا معك. وقال المسعودي (2) أيضا : وأوسط الأقاليم إقليم بابل ، وقد كان هذا الإقليم عند ملوك الفرس جليلا ، وقدره عظيما ، وكانت عنايتهم إليه مصروفة ، وكانوا يشتون بالعراق ، وأكثرهم
পৃষ্ঠা ১৫