(202) ونقول " كيف بنى الحائط " و" كيف أشاده " و" كيف صاغ الخاتم " و" كيف نسج الديباج " ، ونقول أيضا " كيف نسج فلان الديباج " و" كيف صياغة زيد الخاتم " ، فنقرنه بجزئيات تلك، فيكون الجواب عن هذه الجزئيات المقرون بها حرف " كيف " على حسب ما في بادئ الرأي المشهور. وأول هذه عند السامع وما كان على حسب أشهر ما عنده أن يقول " جيد " أو " رديء " أو يقول " سريع " أو " بطيء " .
(203) وأما إذا قرن بنوع صياغة الخاتم وبنوع نساجة الديباج وبنوع بناء الحائط فإن الجواب عنه بحسب الأسبق إلى ذهن السامع وبحسب بادئ الرأي عند الجميع هو أن توصف للسائل الأجزاء التي بها تلتئم صيغة ذلك الشيء وتركيب تلك الأجزاء شيئا شيئا وترتيبها واحدابعد الآخر، إلى أن يؤتى على جميع ما يحصل به ذلك الشيء بالفعل مفروغا منه. فهذا الجواب أسبق إلى لسان المجيب من أن يقول - عندما يسأل " كيف يبنى الحائط " أو " كيف ينسج الديباج " - " سريعا " أو " بطيئا " ، " جيدا " أو " رديا " . وأما في الجزئيات إذا سئل " كيف ينسج فلان الديباج " أو " كيف يبني هذا البناء الحائط " فالأسبق إلى لسانه أن يقول " جيد " أو " رديء " ، " سريع " أو " بطيء " ، دون أن يقتص أجزاءه ودون أن يصف ترتيب أجزاء عمله وصيغته. وأما إذا كان المسؤول عنه نوع البناء والنساجة فإن الذي يليق في بادئ الرأي المشهور عند الجميع أن يجاب به، أن توصف وتقتص الأجزاء التي منها يلتئم الديباج، ويوصف تركيبها وترتيب شيء شيء منها على إثر شيء شيء، وما تستعمل من الآلات في تقريب شيء شيء منها إلى شيء شيء أو تبعيد شيء شيء عن شيء شيء، إلى أن يحصل الجسم المصوغ مفروغا منه. وهذا ليس شيئا إلا اقتصاص ما به قوام ذلك المصوغ شيئا شيئا والإخبار عن انضمام شيء منه إلى شيء، إلى أن يحصل المصوغ. فما هذا الذي أقتص وأخبر به إلا ماهية تكونه ثم ماهيته هو.
(204) ولما كانت ماهية كثير من الأجسام المصوغة هو تركيب أجزائها وترتيبها فقط، وماهية كثير منها تربيعها وتدويرها، وبالجملة أن تحصل بشكل ما في مادة يليق بها أن يصدر عن ذلك الشكل الفعل أو المنفعة المطلوبة بذلك الجسم الذي ماهيته بذلك الشكل - مثل ماهية السيف، فإنهاشكله وأنه من حديد، فإنه لو كان من شمع لما حصل عنه الفعل المطلوب به، فماهيته إذن شكله في مادة ما محصلة معاونة للشكل في الفعل الكائن عن ذلك الجسم، وكذلك السرير والباب والثوب وغير ذلك من الأجسام المصوغة - صار هذا الحرف كلما قرن بنوع صيغة ذلك الجسم - وقد تكون مادته وقد تكون صيغة ما في مادته - الملائمة له مثل تركيب أو ترتيب أو شكل ما من الأشكال، فإن الأسبق إلى لسان المجيب عند هذا السؤال أن يقتص ترتيب تلك الأجزاء أو المواد إلى أن يحصل شكله الذي هو خاص به، لا أن يقتصر على أجزائه ومادته، بل يكون غرضه اقتصاص ما به يلتئم شكلهأو ترتيبه الذي هو صيغته وبه يحصل بالفعل. فإذن إنما يجيب عند القصد الأول بما يلتئم به ذلك الجسم وتلك صيغته، إلا أن صيغته تلك - ترتيبا كانت أو شكلا من الأشكال - ليس يمكن أن تكون ماهية ذلك الجسم دون أن تكون في مادته ملائمة محدودة. فلذك احتاج أن يقتص أمر مادته ليحصل من ذلك علم ماهيته التي هي صيغته، وصيغته هي ترتيب أو تركيب أو شكل ما من الأشكال. فإذا كان كذلك فإنما يكون السؤال بحرف " كيف " على القصد الأول عن ماهية الشيء التي هي فيع كالصيغة والهيئة، لا التي هي كالمادة. والمادة يجاب بها على القصد الثاني وعلى أنه كالآلة والمعرف للهيئة والمعين على وجودها وعلى الفعل الكائن عنها.
পৃষ্ঠা ৬৫