(165) ونحن إذا تأملنا ما تدل عليه الألفاظ المشهورة فإنما نتأمل الأمكنة التي فيها يستعمل شيء شيء منها عند مخاطبة بعضنا بعضا في الدلالة على المعاني المشهورة التي للدلالة عليها أولا وضعت تلك الألفاظ. فإذا أخذنا منها الأسماء المنقولة إلى المعاني الفلسفية فإنا إنما نأخذ معانيها التي للدلالة عليها أولا نقلت لا التي استعملت بعد نقلهم إياها استعارة ومجازا واتساعا لتعلق كثير من المعاني وشبهها بالمعاني الفلسفية التي إليها أولا كانت نقلت. فإنه قد عرض ذلك لكثير من الألفاظ المشهورة التي كانت أولا دالة على معان عامية، ثم نقلت فجعلت مع ذلك لمعان فلسفية، ثم أخذها قوم من الخطباء والشعراء وسائر الناس فاستعملوها على معان أخر تشبه تلك الفلسفية أو تتعلق بها ضربا من التعلق على جهة الاستعارة والتجوز والمسامحة.
الفصل السابع والعشرون:
حرف ما
(166) فمن ذلك حرف " ما " الذي يستعمل في السؤال، فإنه وما قام مقامه في سائر الألسنة إنما وضع أولا للدلالة على السؤال عن شيء ما مفرد. وينبغي أن يتأمل الشيء الذي عنه يسأل بهذا الحرف - وهو الذي كان يجهله فطلب بهذا الحرف علمه - وأي طرف من العلوم طلبه - وهو بعينه نوع العلم الذي يستفيده من الطلب - فيحصي الأمكنة التي يستعمل فيها. وهذا الحرف قد يقرن باللفظ المفرد والذي للدلالة عليه أولا وضعنا اللفظ دالا عليه، وهو الشيء الذي جعل ذلك اللفظ دالا عليه، فإن " الشيء " هو أعم ما يمكن أن نعلمه. فإذا علم أنه دال على شيء ما، فإنما جهل الشيء الذي جعل ندا له، كقول القائل " ما معنى " ، إذا اتفق أن علم أنه اسم دال على شيء. وقد يقرن بمحسوس أدرك ما أحس فيه من الأحوال أو الأعراض في الجملة، وجهل منه شيء آخر، كقولنا " ما الذي نراه " و" ما الذي بين يديك " . وقد يقرن باسم معقول المعنى عرف ضربا من المعرفة، كقولنا " الإنسان ما هو " ، فيطلب معرفته وإقامة معناه في النفس وأن تحصل ذاته معقولة بضرب أزيد مما عرف به أولا. وينبغي أن نحصي الأمكنة التي فيها يستعمل هذا الحرف سؤالا ونعرف في كل واحد منها عماذا يسأل وأي علم يطلب فيه.
পৃষ্ঠা ৫০