(158) والألفاظ المنقولة عن المعاني العامية إلى المعاني الفلسفية فإن كثيرا منها يستعملها الجمهور مشتركة لمعان عامية كثيرة وتستعمل في الفلسفة أيضا مشتركة لمعان كثيرة. والمعاني التي تشترك في اسم واحد منها ما هي صفة في ذلك الاسم المشترك؛ ومنها ما لها نسب متشابهة إلى أشياء كثيرة؛ ومنها ما ينسب إلى أمر واحد على الترتيب، وذلك إما أن تكون رتبتها من ذلك الواحد رتبة واحدة وإما أن تكون رتبتها منه متفاضلة بأن يكون بعضها أقرب رتبة إليه وبعضها أبعد منه. وكل واحد من هذين إما أن تسمى هي باسم واحد غير اسم الأمر الواحد الذي إليه نسبتوإما أن تسمى هي وذلك الأمر معا باسم واحد بعينه. ويكون ذلك الأمر الواحد أشدها تقدما. وتقدمه قد يكون في الوجود وقد يكون في المعرفة. فالذي يرتب كل واحد منها إذا كان في المعرفة، وتقاس إلى الواحد الذي هو أعرف، فإذن أعرف كل اثنين منهما وأقربهما في المعرفة إلى ذلك الواحد الذي هو أعرفها كلها هو أشدهما تقدما، ولا سيما إذا كان مع أنه أعرف سببا أيضا لأنيعرف أو عرف به الآخر. وأحراها بذلك الاسم أو أحراها بأن يجعل له ذلك الاسم بإطلاق ذلك الواحد إذا كان أيضا سمي باسم تلك، ثم أولى الباقية ما كان أعرف أو كان أعرف وسببا لأن تعرف به الأخر، إلى أن يؤتى على جميع ما يسمى بذلك الاسم. وعلى هذا المثال إذا كان فيها واحد هو أقدمفي الوجود أو كان مع ذلك سببا لوجود الباقية فإنه أحق وأولى بذلك الاسم على الإطلاق، ثم كل ما كان أقرب في الوجود إلى ذلك الواحد، ثم الأقرب فالأقرب، أحق بذلك الاسم، ولا سيما إذا كان أكمل اثنين منهما سببا لوجود الآخر، فإنه أحق بذلك الاسم من الآخر. وقد يتفق في كثير من الأمور أن يكون الأقدم في المعرفة هو أشد تأخرا في الوجود والآخر منهما أشد تقدما في الوجود، فيكون اسما لها واحدا لأجل تشابه نسبها إلى أشياء كثيرة، أو لأجل على أنها تنسب إلى شيء واحد - إما بتساو أو بتفاضل، كان ذلك الواحد يسمى باسمها هي أو كان يسمى باسم غير اسمها. وهذه غير المتفقة أسماؤها وغير المتواطئة أسماؤها، وهي متوسطة بينهما، وقد تسمى المشككة أسماؤها.
الباب الثالث
حروف السؤال
الفصل السادس والعشرون
أنواع المخاطبات
(159) وكل مخاطبة وكل قول يخاطب به الإنسان غيره فهو إما يقتضي به شيئا ما وإما يعطيه به شيئا ما. والذي يعطي به الإنسان غيره شيئا ما فهو قول جازم إما إيجاب وإما سلب، حملي أو شرطي، ومنه التعجب، ومنه التمني، ومنه سائر الأقاويل التي تأليفها أو شكلها يدل على انفعال آخر مقرون به، إن كان في لسان من الألسنة تأليف أو بنية لقول يدل به على انفعال مقرون به. وقوم من الناس يمارون في التعجب والتمني. فبعضهم يجعلها نوعا آخر من الأقاويل سوى الجازم، وبعضهم يجعلها من الجازم ويجعل ما قرن به وما يخبر به في تأليفه أو في شكله جهة من الجهات. والقول الذي يقتضى به شيء ما فهو يقتضى به إما قول ما وإما فعل شيء ما. والذي يقتضى به فعل شيء ما فمنه نداء، ومنه تضرع، وطلبة، وإذن، ومنع، ومنه حث، وكف، وأمر، ونهي.
(160) فإن النداء يقتضى به أولا من الذي نودي الإقبال بسمعه وذهنه على الذي ناداه منتظرا لما يخاطبه به بعد النداء. وهو نفسه لفظة مفردة قرن بها حرف النداء. وإنما يكون حرفا من الحروف المصوتة التي يمكن أن يمد الصوت بها إذا احتيج به إلى ذلك لبعد المنادى أو لثقل في سمعه أو لشغل نفسه بما يذهله عن المنادي. فقوته قوة قول تام يقتضى به من الذي نودي الإصغاء بسمعه وذهنه، ثم الإقبال وجهة الذي ناداه الذي هو في المشهور دليل على الإصغاء التام. والنداء يتقدم بالزمان كل ما سواه من أنواع المخاطبة.
পৃষ্ঠা ৪৮