(83) ثم في سائر الألسنة - مثل الفارسية والسريانية والسغدية - لفظة يستعملونها في الدلالة على الأشياء كلها، لا يخصون بها شيئا دون شيء.ويستعملونها في الدلالة على رباط الخبر بالمخبر عنه، وهو الذي يربط المحمول بالموضوع متى كان المحمول اسما أو أرادوا أن يكون المحمول مرتبطا بالموضوع ارتباطا بالإطلاق من غير ذكر زمان. وإذا أرادوا أن يجعله مرتبطا في زمان محصل ماض أو مستقبل استعملوا الكلم الوجودية، وهي كان أو يكون أو سيكون أو الآن. وإذا أرادوا أن يجعلوه مرتبطا به من غير تصريح بزمان أصلا نطقوا بتلك اللفظة، وهي بالفارسية " هست " وفي اليونانية " " استين " وفي السغدية " استي " وفي سائر الألسنة ألفاظا أخر مكان هذه. وهذه الألفاظ كما قلنا تستعمل في مكانين كما قلنا. وهذه كلها غير مشتقة في شيء من هذه الألسنة. بل هي مثالات أول وليست لها مصادر ولا تصاريف. ولكن إذا أرادوا أن يعملوها مصادر اشتقوا منها ألفاظا أخر مكان هذه، وهذه الألفاظ يستعملونها مصادر، مثل " الإنسان " الذي هو مثال أول في العربية ولا مصدر له ولا تصريف، ولكن إذا أرادوا أن يعملوا منها مصدرا قالوا " الإنسانية " مشتقا من " الإنسان " . وكذلك تعمل سائر الألسنة بتلك اللفظة؛ مثل ما في الفارسية، فإنهم إذا أرادوا أن يعملوا " هست " مصدراقالوا " هستي " ، فإن هذا الشكل يدل على مصادر ما ليس له تصاريف من الألفاظ عندهم، كما يقولون " مردم " - وهو الإنسان - و" مردمي " - وهو الإنسانية.
(83) وليس في العربية منذ أول وضعها لفظة تقوم مقام " هست " في الفارسية ولا مقام " استين " في اليونانية ولا مقام نظائر هاتين اللفظتين في سائر الألسنة. وهذه يحتاج إليها ضرورة في العلوم النظرية وفي صناعة المنطق. فلما انتقلت الفلسفة إلى العرب واحتاجت الفلاسفة الذين يتكلمون بالعربية ويجعلون عبارتهم عن المعاني التي في الفلسفة وفي المنطق بلسان العرب، ولم يجدون في لغة العرب منذ أول ما وضعت لفظة ينقلوا بها الأمكنة التي تستعمل فيها " استين " في اليونانية و" هست " بالفارسية فيجعلونها تقوم مقام هذه الألفاظ في الأمكنة التي يستعملها فيها سائر الأمم، فبعضهم رأى أن يستعمل لفظة " هو " مكان " هست " بالفارسية و" استين " باليونانية. فإن هذه اللفظة قد تستعمل في العربية كباية في مثل قولهم " هو يفعل " و" هو فعل " . وربما استعملوا " هو " في العربية في بعض الأمكنة التي يستعمل فيها سائر أهل الألسنة تلك اللفظة المذكورة. وذلك مثل قولنا " هذا هو زيد " ، فإن لفظة " هو " بعيد جدا في العربية أن يكونوا قد استعملوها ههنا كناية. كذلك " هذا هو ذاك الذي رأيته " و" هذا هو المتكلم يوم كذا وكذا " و" هذا هو الشاعر " ، وكذلك " زيد هو عادل " وأشباه ذلك. فاستعملوا " هو " في العربية مكان " هست " في الفارسية في جميع الأمكنة التي يستعمل الفرس فيها لفظة " هست " . وجعلوا المصدر منه " الهوية " ، فإن هذا الشكل في العربية هو شكل مصدر كل اسم كان مثالا أولا ولم يكن له تصريف، مثل " الإنسانية " من " الإنسان " و" الحمارية " من " الحمار " و" الرجولية " من " الرجل " . ورأى آخرون أن يستعملوا مكان تلك الألفاظ بدل الهو لفظة الموجود، وهو لفظة مشتقة ولها تصاريف. وجعلوا مكان الهوية لفظة الوجود، واستعملوا الكلم الكائنة منها كلما وجودية روابط في القضايا التي محمولاتها أسماء، مكان كان ويكون وسيكون. واستعملوا لفظة الموجود في المكانين، في الدلالة على الأشياء كلها وفي أن يربط الاسم المحمول بالموضوع حيث يقصد أن لايذكر في القضية زمان، وهذان المكانان هما اللذان فيهما " هست " بالفارسية و" استين " باليونانية. واستعملوا الوجود في العربية حيث تستعمل " هستي " بالفارسية، واستعملوا وجد ويوجد وسيوجد مكان كان ويكون وسيكون.
পৃষ্ঠা ২৬