قالت جولييت: «لا.» ثم نظرت مرة أخرى إلى الكتاب وهي تحاول جاهدة أن تطيل فترة الصمت، ولكن كان هناك شيء قوي - ربما نشأتها، شعورها بالإحراج، ربما رقتها - هو ما دفعها لكي تنطق باسم مدينتها، ثم تخبره بموقعها من خلال المسافة التي تبعدها عن بعض المدن الكبرى، ومكانها بالنسبة لبحيرة هورون وجورجيان باي. «لدي ابنة عم في كولينجوود، إنها مدينة جميلة هناك، لقد ذهبت لزيارتها هي وعائلتها مرتين. هل تسافرين بمفردك؟ مثلي؟»
وأخذ يلوح بيديه ويضرب برفق كفا بكف. «نعم.» وظنت في نفسها أنه يكفي ذلك، كفى عند هذا الحد. «هذه هي المرة الأولى التي أسافر فيها في رحلة طويلة لأي مكان. إنها رحلة طويلة بمفردك.»
ولم تنبس جولييت ببنت شفة. «لقد رأيتك وأنت تقرئين بمفردك، وحدثت نفسي قائلا بأنها ربما تسافر بمفردها، وعليها أن تقطع مسافة طويلة أيضا، فلم لا نتجاذب أطراف الحديث معا كأصدقاء؟»
سرت موجة من الاضطراب والارتباك بداخل جولييت عندما تفوه بتلك الكلمات: «التحدث كأصدقاء.»
ففهمت أنه لا يحاول أن يقيم معها علاقة؛ فمن بين الأشياء اللاأخلاقية التي قد تواجهها في بعض الأحيان هي التلميح الصريح من جانب بعض الرجال لإقامة علاقة معها، مشيرين إلى أنها بالقطع في نفس موقفهم وتواجه نفس ظروفهم؛ حيث دائما ما يكون هؤلاء الرجال غريبي الأطوار، يشعرون بالوحدة، ويفتقرون إلى أي نوع من أنواع الجاذبية. لكنه لم يفعل ذلك، لقد كان يريد رفيق درب لا صديقة.
وكانت جولييت تدرك ذلك؛ فهي تعلم أنها قد تبدو بالنسبة لكثيرين شخصية غريبة الأطوار ومنعزلة - وهي، إلى حد ما، كانت كذلك بالفعل - ولكنها قد مرت - في جزء كبير من حياتها - بشعور أنها محاطة ببعض الأشخاص الذين كانوا يرغبون في الاستحواذ على انتباهها، ووقتها، ودواخلها، وكانت عادة ما تتركهم يفعلون ذلك.
كوني منفتحة، كوني ودودة (وخاصة إذا لم تكوني مشهورة)؛ فهذا ما تتعلمه الفتاة في مدينة صغيرة، أو في مدينة سكنية للفتيات. عليك أن تتعاوني مع أي شخص يرغب في أن يستنزف كل طاقتك، حتى لو لم يكن يعرف عنك شيئا.
نظرت في عيني الرجل مباشرة، لكنها لم تبتسم، ورأى عزمها وتصميمها على ألا تتحدث، وارتسمت بعض أمارات الانزعاج على وجهه. «أهو كتاب جيد الذي تقرئينه؟ ما الموضوع الذي يتناوله؟»
لن تخبره بأنه يتحدث عن اليونان القديمة، والارتباط الهائل الذي أبداه اليونانيون للامنطق. إنها لن تدرس اللغة اليونانية، ولكنها ستحاضر في مادة تسمى الفكر اليوناني؛ لذا فقد كانت تقرأ كتاب دودز مرة أخرى لكي تعرف ما الذي ستختاره. قالت: «إنني أرغب حقا في القراءة، سأذهب إلى عربة المشاهدة.»
ونهضت بالفعل وسارت مبتعدة وهي تفكر بأنه ما كان ينبغي لها أن تخبره بوجهتها؛ فمن الجائز أن ينهض، ويتبعها، ويعتذر لها، ويواصل حججه للحديث. علاوة على ذلك، سيكون الطقس باردا في عربة المشاهدة، وتمنت لو أنها تذكرت إحضار سترتها، ولكن من المستحيل أن تعود مرة أخرى لإحضارها.
অজানা পৃষ্ঠা