রাসুলের রাজ্যের যুদ্ধ (প্রথম খণ্ড)
حروب دولة الرسول (الجزء الأول)
জনগুলি
وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم (الأنعام: 165).
لتبدأ مرحلة جديدة على الخط الاستراتيجي، متجاوزة المرحلة التكتيكية المتحالفة مع المستضعفين، تستكمل خطها الأصلي، لكنها وهي بسبيل ذلك تشكل تراجعا محسوبا عن الأممية المطلقة، فتأخذ السمت الوسطي بين الأممية وبين الدعوة إلى الحفاظ على العلاقات العشائرية، والتوصية بذوي الأرحام، في طور متوازن عبرت عنه الآيات الكريمة بقولها:
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس (البقرة: 143).
وهو التوجه الذي يفسر رواية أخرى عن «حاطب بن أبي بلتعة» - يجب قراءتها مقارنة بموقف سابق أعتق فيه «بلال» بعد شراء «أبي بكر» له لرفع الأذى عنه - والرواية تقول: إن «حاطبا» آذى عبدا مسلما له، فجاء العبد المسلم يحمل أذاه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، موقنا بحقه في المساواة المطلقة، وبحقه في ظل المبدأ الأممي الذي دفعه للرسول، غير شاك فيما يلزم عن المبدأ من مقررات حقوقية تستوجب التطبيق ، لينهي للرسول النتيجة التي توصل إليها، غير مدرك ما أدت إليه بدر من نتائج وتحولات، فيقول له:
ليدخلن «حاطب» النار.
لكن ليرد عليه النبي عليه الصلاة والسلام: كذبت لا يدخلها؛ فإنه شهد بدرا.
17
ثم لنلحظ أن «حاطبا» نفسه، هو من استمر في معاملة عبيده بالقسوة، وشدد عليهم النكير، وضيق عليهم إلى حد المسغبة، مما دفعهم - عام الرمادة زمن خلافة عمر بن الخطاب - إلى السطو على بعير له والتهامه، وهو ما دفع عمر، صاحب الانتماء القوي إلى المنزع الأممي، إلى تعنيف «حاطبا» تعنيفا شديدا، مع إيقاف تطبيق حد السرقة على عبيده.
ومن ثم فإن قراءة نتائج غزوة بدر، تلاحظ بداية الأسلوب الوسطي المتوازن للدولة بين النقائض، فتدعو لتوحد أممي تحت راية واحدة، وسيادة دولة موحدة، وتحت إمرة سلطة نبوية واحدة، لكنها تضم في شكلها الاقتصادي لونا طبقيا لا نزاع فيه، وتحوي في شكلها الاجتماعي قبائل متوحدة، لكنه توحد غير منفرط إلى فردية مطلقة، إنما ترابط لأضمومات قبلية في هيئة حزم موثقة بوثاق واحد في إطار الدولة، وهو ما تلحظه القراءة المدققة لنزول المسلمين إلى بدر تحت راية واحدة للرسول، وشعار واحد هو «يا منصور أمت.» لكنها انقسمت إلى رايات ثلاث تسير تحت ظل راية الرسول، وتنادت بثلاثة شعارات، تحت الشعار الموحد، فكان للخزرج رايتهم، وللأوس رايتهم، وللمهاجرين رايتهم، وكان لكل من الحزم الثلاث، نداءات شعاريه ثلاثة.
هذا بينما تم الإبقاء على الفردية والولاء الفردي والمسئولية الفردية، ولكن في عالم الفكرة، عالم السماوات الإلهي، العالم الآخر، في علاقة المسلم بربه، فتم تأجيل الفردية المطلقة بمسئولية الفرد الكاملة والذاتية إلى فيما بعد؛ لأن تلك المسئولية المطلقة إنما تعني أيضا حرية مطلقة، وهو ما يتصادم مع الصرامة المطلقة المطلوبة للسلطة النبوية لإقامة الدولة دون معوقات، وهو ما يفسر لنا تجاور الآيات التي تؤكد مسئولية الفرد عن أفعاله أمام الله، والآيات التي تؤكد من جانب آخر الجبرية والحد من تلك الحرية المطلقة، وتقييد تلك الحريات بالمشيئة الإلهية والإرادة القدرية، ومن ثم فقد تأجل تفجير الأطر القبلية تفجيرا كاملا إلى مرحلة مجتمعية أعلى، لكن مجرد وجود الفكرة عن الفردية المطلقة والمساواة المطلقة والمسئولية الفردية المطلقة أمام الإله في عالمه السماوي القادم فيما بعد، في الآخرة بعد البعث، إنما يشير بالتأكيد إلى تواتر الفكرة في المجتمع المدني والمكي حينذاك، وربما في عالم جزيرة العرب، بعد تفكيك الطبقية للشكل الجماعي والمسئولية الجماعية القبلية، وأن الواقع قد أفرز الفكرة، وأنها كانت مطروحة بالفعل في زمانها.
অজানা পৃষ্ঠা