মানব স্বাধীনতা এবং বিজ্ঞান: একটি দার্শনিক সমস্যা
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
জনগুলি
على أن تحرير العلم للإنسان لا يقتصر على العلوم الطبيعية فحسب، التي يبدو دورها في هذا الصدد غاية في الجلاء والوضوح، بل يمتد إلى كل نسق العلم بسائر أفرعه: العلم البيولوجي والاجتماعي والسيكولوجي، فلا عائق أمام الحرية كأمراض النفس وشذوذاتها وتوتراتها، وحتى في علم التاريخ الذي يذيل نسق العلم ويصعب إدراك دوره في تحرير الإنسان، تعرض بندتو كروتشه لهذه القضية في مقال له بعنوان «علم تدوين التاريخ بوصفه تحريرا من التاريخ»، فأوضح أننا بدلا من أن نحلل الأمراض الاجتماعية بدقة وعمق، ننزع إلى أن ننحو باللائمة على النزعة التاريخية بتحبيذ القدرية والقيم المطلقة وبتقديس الماضي وقبول الوقائع على فظاظتها لأنها هي الوقائع ... نحن منتج للماضي نعيش مغمورين فيه، إنه يحاصرنا، فكيف نستطيع الحركة، وكيف نخلق أنشطة جديدة بغير أن نستخرجها من الماضي وأيضا بغير أن نضع أنفسنا فوق الماضي، ولكن كيف نضع أنفسنا فوق الماضي إذا كنا فيه وهو فينا؟ ليس هناك طريق غير الفكر، والفكر لن يحطم العلاقات بالماضي، ولكن يرتفع فوقه بصورة مثالية: يحوله إلى معرفة. يجب مواجهة الماضي برده إلى مشكلة عقلية، يمكن أن نجد حلا لها في قضية هي المقدمة المثلى لنشاطنا الجديد وحياتنا الجديدة، فهذا هو ما نفعله في حياتنا حين نمحض ما حدث ونحلل أصوله ونتتبع تاريخه، فنحدد ما يجب الاضطلاع به عن طيب خاطر، إننا نفعل هذا بدلا من أن نبقى فريسة للهم والغيظ، وبدلا من أن ننتحب على ما حدث ونخجل من أخطاء ارتكبناها، الإنسانية دائما «تتصرف على هذا النحو حين يواجهها ماضيها الكبير المتنوع، فكتابة التاريخ - كما لاحظ جوته - تحررنا من التاريخ، من العبودية للأحداث وللماضي»،
46
كل هذه الحرية تنساب من بين جنبات الكيان الذي ألقى على الوجود أقسى حتمية!
هكذا كان العلم يعطي حرية بيمناه، ويسحب بيسراه أخرى هي الأساس، خالقا بهذا وجها من وجوه التناقض وثنائية الاغتراب، روعة العلم العقلية النظرية والعملية التطبيقية «جعلت الرأي الذي يميز عقيدة التنوير المتفائلة مؤداة أن العلم الإنساني والحرية سوف يتقدمان متآزرين معا ليدخلا منطقة من إمكانية الكمال الإنساني غير المحدود»
47
وأحسب أن سعي التنويريين قد خاب، فهما لم يتآزرا قط، بل تناقضا من كل تلك الوجوه التي أدت إلى الشيزوفرينيا. ••• (19) فهل انتهت الشيزوفرينيا أو توقف نموها السرطاني بانتهاء عصر التنوير مع مطالع القرن التاسع عشر؟ كلا أيضا، بل سارت حتى وصلت إلى سدرة المنتهى حين تمخضت عن الحركة الرومانتيكية التي امتدت حتى أواسط ذلك القرن، وهي المقدمة المباشرة لمأساة الاغتراب المعاصرة، فقد كانت الرومانتيكية أساسا رفضا للعقلانية التنويرية، للعلم المتعملق بصورة ألحقت الضرر بإنسانية الإنسان وهددت الروح وخنقت الحرية التي هي قوام الفن والفنان.
أدركت الرومانتيكية فداحة الثمن المدفوع: حرية الإنسان، مقابل ذلك النجيب المعجز للعقل: العلم الحتمي، فلم تتردد هنيهة في نفي العقل ذاته، هكذا ببساطة! لكي تفسح الوجود للحرية، ولكن أيهما أفدح ثمنا: الحرية أم العقل؟ أيا كانت الإجابة، فإن إهدار أي من الجانبين انفصام ومقدمة للاغتراب. كانت الشيزوفرينيا التنويرية انفصام الإنسان عن الكون، أو انفصام العقل عن العالم، أو انفصام جزء من العقل عن جزء من العالم، كما أقر كانط مثلا بعجز العقل عن فهم النومينا، ومثله شوبنهاور الذي أقر بعجزه عن فهم الإرادة وسائر السائرين في هذا الطريق الثنائي. إن الاغتراب التنويري، اغتراب عن آخر، أما الرومانتيكية فهي انقسام أو اغتراب العقل عن العقل، اغتراب عن الذات، والاغتراب عن الذات هو المريض بالشيزوفرينيا، وقد وصل إلى مرحلة الاحتضار؛ لذلك ليس بدعا ما اشتهر به شعراء الرومانسية من تمجيد للموت، هياما وافتتانا به وعشقا له.
48
فبعد أن بسط العلم سلطانه على مجمل هذا الوجود، وجدوا في آفاق المجهول المترامية خلف الموت ملاذا أوحد لتحقيق أهدافهم المنشودة: إفناء العقل الواعي والهروب من العالم الحتمي الآلي واللياذ بعالم أحلامهم ... عالم آخر لا أثر فيه للعقل ولا العلم ولا الحتمية، وبالتالي هو عالم لا مكان له في هذه الحياة، والأمل الوحيد في عالم الحرية مطروح بعد الموت.
هكذا كان الرومانتيكيون هم المغتربون حتى النخاع، كان الله في عونهم! حيث الرومانتيكية حيث أفجع صور الاغتراب، فليس جزافا أن الأدب الرومانسي خصوصا المسرح الفرنسي في القرن التاسع عشر هو أدب العويل والصراخ والنحيب والدم والهم والغم، أما في القرن العشرين فقد أصبح، كأعمال كوكتو وأندريه جيد ثم الأدب الوجودي حيث لن يتحفنا الأدب بعمل يجسد مأساة الاغتراب مثل رواية الأديب الوجودي ألبير كامي «الغريب» ... أصبح هذا الأدب أدب الحرية الخاوية الهوجاء بل والمخبولة، أوليست الحرية اللامعقولة؟
অজানা পৃষ্ঠা