والآن هل لي أن أقول لكم إن القرآن يعلمنا القرآن؟!
ولقد عرفتم أن معنى الكلمتين مختلف بمعنى أن القرآن الأولى تعني القرآن المقروء وأن الثانية تعني النظام. وعلى هذا فالقرآن المقروء المنزل من رب العالمين بلسان عربي مبين يعلمنا القرآن أي الاقتران بنظام وانسجام وصلاح وسلام مع كل المخلوقات من حولنا ومع بعضنا فلا نطغى في الميزان على شيء من الجماد والحيوان ولا على أحد من بني الإنسان بل لا بد أن نقيم الوزن بالقسط ولا نخسر الميزان.
فلا نفسد في الأرض بعد إصلاحها ولا نعتدي على شيء منها إلا بالحق والقسط والإحسان ولا نفعل الفاحشة ولا نشيعها ولا نفعل المنكر ولا نسكت على فعله ولا نبغي على بعضنا ولا نرضى به بيننا ولا على غيرنا من الخلق والحيوان.
هذا هو المطلوب من الإنسان وهذا هو واجب الإنسان أمام ربه الرحمن الذي علم القرآن، خلق الإنسان، علمه البيان، والذي يقول: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)[النحل:90].
هذه الآية أجملت وأوجزت ما يأمر به الله في القرآن واختصرت ما يريده الله من الإنسان عبر الزمان وفي كل مكان، ولو أردنا التفصيل لطال المقال وتشعب المجال.
ولكني أعود فأقول: إن القرآن يعلمنا القرآن.
إننا حين نقول القرآن يعلمنا القرآن فإننا في نفس الوقت نعلم أن القرآن أنزله الله الرحمن الرحيم الذي له الأسماء الحسنى: (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)
فهل تتصورون معي مدى عظمة هذا المصدر الذي جاء منه هذا القرآن؟ هل تدركون مدى علو شأن هذا الرب الذي أنزل هذا الكتاب للعالمين وأظهره للناس بلسان عربي مبين؛ إن أردتم إدراك ذلك فنحن لا نستطيع أن نصفه كما يستحق ولا نحصي ثناء عليه كما وصف هو نفسه وأثنى، فاستمعوا كيف قال وعوا:
(سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم(1)له ملك السماوات والأرض يحي ويميت وهو على كل شيء قدير)
أليس هذا يكفي؟ بلى، ولكن لديه المزيد (هو الأول والإخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم)
অজানা পৃষ্ঠা