বিদগ্ধজনের উদ্বেগ

জাকি নাজিব মাহমুদ d. 1414 AH
66

বিদগ্ধজনের উদ্বেগ

هموم المثقفين

জনগুলি

حقيقة الجمال ما هي؟

1

ما أيسر على الإنسان أن يقف أمام الشيء فيقول: الله، ما أجمله! يقول ذلك عن السماء لمعت أنجمها في الليلة الظلماء، ويقوله عن البحر اصطخب فيه الماء أو سكن، وعن الشمس مشرقة وغاربة، وعن الجبل والزهر. ثم يقوله عن فاتنات النساء، وعن روائع الأدب وبدائع الفن، وعن ألوف الألوف من مخلوقات الله، وعن مصنوعات الإنسان، نعم ما أيسر على الإنسان أن يقول عن هذه الأشياء كلها إنها «جميلة»، تروعه بفتنتها!

حتى إذا ما عن له - كما يعن للفلاسفة عادة - أن يسأل نفسه ماذا يكون في الشيء عندما يكون الشيء جميلا؟ فعندئذ تراه في حيرة لا يدري من حقيقة الأمر شيئا، إلا أن يطيل الوقوف ويطيل التحليل. فما هو باليسير عليه ولا على الفلاسفة أنفسهم، أن يقع أو يقعوا على الصفة التي لا بد من توافرها في هذه الألوف من مختلف الأشياء التي يقال إنها «جميلة»، إذا ما دمنا نطلق هذه الكلمة الواحدة لتصف هذه الأشياء كلها بالجمال، فلا بد أن يقابل تلك الكلمة الواحدة جانب واحد مشترك يدخل في طبيعة كل ما هو جميل: السماء، والبحر، والشمس، والجبل، والزهر، والغادة الفاتنة، ولوحة المصور، وقصيدة الشاعر! فماذا عسى أن يكون هذا الجانب الواحد المشترك بين أمثال هذه المختلفات؟

لعل أفلاطون أن يكون في مقدمة الفلاسفة الذين طرحوا هذا السؤال على أنفسهم ليحاولوا عنه الجواب المحكم الدقيق. طرحه أفلاطون في مواضع كثيرة من محاوراته، لكنه اختص به محاورة بأكملها، هي محاورة «هبياس الكبير»: بدأ سائلا بقوله إن الأشياء الجميلة إنما توصف بالجمال لشيء فيها، فما هو؟ ثم مضى الحوار على الطريقة الأفلاطونية المعروفة، فيجيب مجيب عن السؤال المطروح، لكن إجابته سرعان ما يتبين فيها شيء من عدم الدقة، ويظل المتحاورون يدخلون على العبارة تعديلا في أثر تعديل حتى يستقيم الأمر ويتضح.

وكان أول ما لفت أنظار المتحاورين في هذه الحالة، هو ضرورة أن تكون هنالك حقيقة «واحدة» هي التي نراها متمثلة في هذه الأمثلة الكثيرة من الأشياء «الجميلة». فمهما تعددت هذه الأشياء، فهي جميعا تشارك في فكرة واحدة، أو في صفة واحدة. كأفراد الأسرة ينتمون جميعا - على اختلاف أفرادهم - إلى أم واحدة؛ فالفرس الجميلة، والقيثارة الجميلة، والإنسان الجميل (وهذه هي الأمثلة نفسها التي ساقها أفلاطون في محاورته المذكورة) كلها - على بعد ما بينها من اختلاف - تنتمي إلى أسرة واحدة هي أسرة «الجمال»، فهل يكون ذلك إلا أن تكون هذه الأشياء كلها مجسدة لفكرة واحدة وإن اختلفت المادة المجسدة في كل حالة؟

ولكن هل يكون معنى ذلك أن هذه الأشياء الجميلة كلها على درجة سواء من الجمال ما دامت كلها تجسد فكرة بعينها؟ كلا؛ فنظرة سريعة تكفي للدلالة على أن الجمال فيها درجات تتفاوت بتفاوتها في قسطها من الحقيقة التي تجسدها. فما من شك في أن الفتاة الجميلة والفرس الجميلة لا تقاس إليهما القيثارة والإناء في جمالها. وها هنا يستشهد سقراط (في المحاورة) برأي ينسب إلى هرقليطس، وهو أن أجمل القردة قبيح إذا قورن بالإنسان. فيستطرد هبياس قائلا: وكذلك أجمل الأواني قبيح إذا قورن بفتاة جميلة. ثم هكذا يقال في أجمل الفتيات إذا قورنت بالإلهات.

ترى ما هو ذلك الشيء الذي تسهم فيه الأشياء الجميلة بأنصبة متفاوتة؟

أيكون مرد الأمر إلى نفاسة المادة التي هي قوام الشيء الجميل، وعندئذ يكون ما صنع من ذهب «أجمل» مما صنع من نحاس أو من خشب أو من حجر؟ كلا؛ فنظرة سريعة أخرى تبين أن حجر التمثال قد يكون أجمل من أي شيء آخر صنع من الذهب، وها هو ذا فدياس يصنع تمثالا رائعا لأثيني، فيقد العينين من الحجر، وكان في مستطاعه أن يصوغهما عاجا، فهل يقال: إنه لو صاغهما من العاج لكانتا أجمل منهما وهما من الحجر؟

لا، إن نفاسة المادة لا شأن لها بجمال الشيء المصنوع منها، وإذن ننتقل إلى فرض آخر، أفيكون مرجع الجمال إلى ملاءمة المادة لما أريد منها أن تؤديه، وبهذا تكون كل مادة جميلة إذا ما وضعت في موضعها الصحيح؛ فالذهب جميل في موضعه الملائم، كما أن الحجر جميل في موضعه الملائم، وهكذا؟ إنه لو كان الأمر كذلك وكفى، لكان جمال الشيء ليس نابعا من طبيعته، بل كان جماله مرهونا بما ليس منه، كما نكسو الرجل الدميم بثياب جميلة، ثم نقول ها هو ذا قد أصبح رجلا جميلا، ما دام محوطا بمحيط جميل! إن إجابتنا عن حقيقة الجمال لا تكمل إلا إذا كان الجميل جميلا مخبرا ومظهرا في آن معا.

অজানা পৃষ্ঠা