وقد رأيت قبل الحديث عن المؤلّف والكتاب أن أمهّد له بما يتصل بالموضوع ويحسن بالقارئ الاطّلاع عليه والإفادة منه، فأسوق جوابا لأسئلة تتعلق بقوله ﷺ في الحديث المتفق عليه: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» «١» ثم أذكر شروط القراءة الصحيحة.
١ - ما سبب ورود القرآن على سبعة أحرف؟
سبب وروده على سبعة أحرف هو التخفيف على هذه الأمة، وإرادة اليسر بها، والتهوين عليها شرفا لها وتوسعة ورحمة، وإجابة لقصد نبيّها أفضل الخلق حيث أتاه جبريل فقال له: «إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف، فقال ﷺ: أسأل الله معافاته ومعونته، إن أمتي لا تطيق ذلك» ولم يزل يردّد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف.
وذلك أن الأنبياء ﵈ كانوا يبعثون إلى قومهم الخاصين بهم، والنبي ﷺ بعث إلى جميع الخلق أحمرها وأسودها، عربيّها وعجميّها، وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم مختلفة، وألسنتهم شتّى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها، أو من حرف إلى آخر، بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج، لا سيما الشيخ والمرأة، ومن لم يقرأ كتابا، فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع. قال ابن قتيبة في كتاب المشكل: فكان من تيسير الله تعالى أن أمر نبيّه ﷺ بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم:
فالهذلي يقرأ (عتّى حين) يريد: (حتى حين) لأنه هكذا يلفظ بها ويستعملها، والأسدي يقرأ: تعلمون، وتعلم. وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران/ ١٠٦] وإِذا قِيلَ لَهُمْ [البقرة/ ١١] وَغِيضَ الْماءُ [هود/ ٤٤] بإشمام الضم مع الكسر وهذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا [يوسف/ ٦٥] بإشمام الكسر مع الضم، وما لَكَ لا تَأْمَنَّا بإشمام الضم مع الإدغام، وهذا ما لا يطوع به كل لسان. ولو أن كل فريق أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة، وتذليل للسان، وقطع للعادة، فأراد الله برحمته ولطفه، أن يجعل لهم متسعا في اللغات، ومتصرفا في الحركات كتيسيره عليهم في الدين «٢»».
_________
(١) ملخصة من كتاب النشر للجزري.
(٢) تأويل مشكل القرآن ٣٩ - ٤٠.
المقدمة / 4