فإن قال القائل: إن الحجة لا تكون حجة حتى تعجز الخليقة وتخرج من حد الطاقة، كإحياء الموتى، والمشي على الماء، وكفلق البحر، وكإطعام الثمار في غير أوان الثمار، وكإنطاق السباع، وإشباع الكثير من القليل، وكل ما كان جسما مخترعا، وجرما مبتدعا. وكالذي لا يجوز أن يتولاه إلا الخالق، ولا يقدر عليه إلا الله عز ذكره.
فأما الأخبار التي هي أفعال العباد، وهم تولوها، وبهم كانت وبقولهم حدثت، فلا يجوز أن يكون حجة، إذ كان لا حجة إلا ما لا يقدر عليه الخليقة، وما لا يتوهم من جميع البرية.
قلنا: إنا لم نزعم أن الأخبار حجة فيحتجون علينا بها، وإنما زعمنا أن مجيئها حجة، والمجيء ليس هو أمر يتكلفه الناس ويختارونه على غيره، ولو كان كذلك لكانوا متى أرادوه فعلوه وتهيئوا له، ولفعلوه في الباطل كما يجيء لهم في الحق. والمجيء أيضا ليس هو فعلا قائما فيستطيعوه أو يعجزوا عنه، وإنما هو الإنسان، يعلم أنه إذا لقي البصريين فأخبروه أنهم قد عاينوا بمكة شيئا، ثم لقي الكوفيين فأخبروه بمثل ذلك، أنهم قد صدقوا. إذ كان مثلهم لا يتواطأ على مثل خبرهم على جهلهم بالغيب، وعلى اختلاف طبائعهم وهممهم وأسبابهم.
পৃষ্ঠা ২৬০