ثم بعث الله جل وعز إبراهيم عليه السلام على رأس الفترة الثانية التي كانت بينه وبين دهر نوح، وإنما جعلها الله تعالى أطول فترة كانت في الأرض، لأن نوحا كان لبث في قومه يحتج ويخبر، ويؤكد ويبين، ألف سنة إلا خمسين عاما، ولأن آخر آياته كانت أعظم الآيات، وهي الطوفان، الذي أغرق الله تعالى به جميع أهل الأرض غيره وغير شيعته، وإنما أفار الماء من جوف تنور، ليكون أعجب للآية، وأشهر للقصة، وأثبت للحجة.
ثم ما زالت الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين، بعضهم على إثر بعض في الدهر الذي بين إبراهيم، وبين عيسى عليهما السلام. فلترادف حججهم، وتظاهر أعلامهم، وكثرة أخبارهم، واستفاضة أمورهم، ولشدة ما تأكد ذلك في القلوب، ورسخ في النفوس، وظهر على الألسنة، لم يدخلها الخطل والنقص والفساد، في الدهر الذي كان بين النبي عليه السلام وبين عيسى عليه السلام.
فحين همت بالضعف، وكادت تنقص عن التمام، وانتهت قوتها، بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم، فجدد أقاصيص آدم ونوح، وموسى وهارون، وعيسى ويحيى، عليهم السلام، وأمورا بين ذلك، وهو الصادق، بالشواهد الصادقة، وأن الساعة آتية، وأنه ختم الرسل عليهم السلام به، فعلمنا عند ذلك أن حجته ستتم إلى مدتها، وبلوغ أمر الله عز وجل فيها.
فصل
ثم رجع الكلام إلى القول في الأخبار، فأقول:
পৃষ্ঠা ২৫৭