وإذا كان الله تعالى لم يخلق عباده في طبع عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا، وآدم أبي البشر، صلوات الله عليهم أجمعين، وخلقهم منقوصين، وعن درك مصالحهم عاجزين، وأراد منهم العبادة، وكلفهم الطاقة، وترك العنان للأمل البعيد، وأرسل إليهم رسله، وبعث فيهم أنبياءه، وقال: " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "، ولم يشهد أكثر عباده حجج رسله عليهم السلام، ولا أحضرهم عجائب أنبيائه، ولا أسمعهم احتجاجهم، ولا أراهم تدبيرهم لم يكن بد من أن يطلع المعاينين على أخبار الغائبين، وأن يسخر أسماع الغائبين لأخبار المعاندين، وأن يخالف بين طبائع المخبرين، وعلل الناقلين، ليدل السامعين، ومن يجيب من الناس.
على أن العدد الكثير المختلفي العلل، المتضادي الأسباب، المتفاوتي الهمم، لا يتفقون على تخرص الخبر في المعنى الواحد، وكما لا يتفقون على الخبر الواحد على غير التلاقي والتراسل إلا وهو حق. فكذلك لا يمكن مثلهم في مثل عللهم التلاقي عليه، والتراسل فيه.
ولو كان تلاقيهم ممكنا، وتراسلهم جائزا لظهر ذلك وفشا، واستفاض وبدا.
ولو كان ذلك أيضا ممكنا، وكان قولا متوهما لبطلت الحجة، ولنقضت العادة، ولفسدت العبرة، ولعادت النفس بعلة الأخبار جاهلة، ولكان للناس على الله أكبر الحجة. وقد قال الله جل وعز: " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل "، إذ كلفهم طاعة رسله، وتصديق أنبيائه ورسله وكتبه، والإيمان بجنته وناره، ولم يضع لهم دليلا على صدق الأخبار، وامتناع الغلط في الآثار، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
পৃষ্ঠা ২৪১