ومعنى ذلك أن يكون اللفظ الوارد يتناول المذكور الموجود على صفات متغايرة ويقيد ببعضها، فيتميز بذلك مما يخالفه في تلك الصفة.
وذلك مثل قوله تعالى في كفارة القتل: ﴿وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ [النساء: الآية ٩٢] فاسم الرقبة واقع على المؤمنة والكافرة، فلما قيده ههنا بالإيمان كان مقيدًا من هذا الوجه، وإن كان مطلقًا في غير ذلك من الصفات.
والتأويل: صرف الكلام عن ظاهره إلى وجه يحتمله.
ومعنى ذلك أن يكون الكلام يحتمل معنيين فزائدًا إلا أن أحدهما أظهر في ذلك اللفظ إما لوضع أو استعمال أو عرف. فإذا ورد وجب حمله على ظاهره إلا أن يرد دليل يصرفه عن ذلك الظاهر إلى بعض ما يحتمله. ويسمي أهل الجدل ذلك الصرف تأويلًا.
وذلك [كـ] قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: الآية ٢٢٨]. فلفظة "يتربصن" ظاهرها الخبر، ويحتمل أن يراد بها الأمر. فلو تُركنا والظاهر لحملناها على الخبر، إلا أنّا نجد من المطلقات من لا يتربصن، وخبر الباري ﵎ لا يصح أن يقع بخلاف مخبره، فثبت بذلك أن المراد به الأمر. واللَّه أعلم بالصواب.
والنسخ: إزالة الحكم الثابت بشرع متقدم بشرع متأخر عنه على وجه لولاه لكان ثابتًا.
معنى ذلك أن النسخ في كلام العرب قد يكون بمعنى الكتابة وليس هذا الذي نريده بهذا الحد. ويكون بمعنى الإزالة. من قولهم نسخت الشمس الظل، إذا أزالته. وهو معنى النسخ في الشرع، وهو أن يزال حكم من الأحكام بعد أن يثبت الأمر به.
فأما الحكم الوارد ابتداءً فلا يسمى عند أهل الجدل نسخًا، وكذلك إذا حظر معنى من المعاني مدة من الزمان مقدرة، فانقضت المدة وانقضى بانقضائها الحظر، لم يوصف ذلك بأنه نسخ، لأن ما تقدم من الحظر لم يُزل بتلك الإباحة التي خلفته، وإنما زال بانقضاء مدته، ولذلك قلنا إن النسخ "إزالة الحكم الثابت" يريد أنه باقٍ إلى حين الإزالة له، ولو كانت انقضت مدته لما وصف بأنه مزال.
وقولنا "بشرع متقدم بشرع متأخر عنه" احترازًا للحد واستيعابًا للمحدود، لأنا لو قلنا "إزالة الحكم الثابت بقول متقدم بقول متأخر عنه" على ما قاله كثير من شيوخنا
1 / 109