دعاء مأثور‏

صفات الحب وأغراضه‏

أنواع الحب‏

حب الأزواج‏

الشعراء العشاق‏

الحب والجمال‏

الغزل ووصف النساء‏

العيون‏

تعدد الزوجات والأزواج‏

عداوة النساء‏

طرائف عن الحب‏

المصادر والمراجع‏

دعاء مأثور‏

صفات الحب وأغراضه‏

أنواع الحب‏

حب الأزواج‏

الشعراء العشاق‏

الحب والجمال‏

الغزل ووصف النساء‏

العيون‏

تعدد الزوجات والأزواج‏

عداوة النساء‏

طرائف عن الحب‏

المصادر والمراجع‏

الحب والجمال عند العرب

الحب والجمال عند العرب

تأليف

أحمد تيمور باشا

دعاء مأثور

من أفضل ما سئل الله عز وجل حبه، وحب من يحبه، وحب عمل يقرب إلى حبه. ومن أجمع ذلك أن يقول المرء في دعائه:

اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك.

اللهم ما رزقتني مما أحب، فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب، فاجعله فراغا لي فيما تحب.

اللهم اجعل حبك أحب إلي من أهلي ومالي، ومن الماء البارد على الظمأ.

اللهم حببني إليك، وإلى ملائكتك، وأنبيائك، ورسلك، وعبادك الصالحين.

اللهم أحي قلبي بحبك، واجعلني لك كما تحب.

اللهم اجعلني أحبك بقلبي كله، وأرضيك بجهدي كله.

اللهم اجعل حبي كله لك، وسعيي كله في مرضاتك.

صفات الحب وأغراضه

الحب ما هو؟

قال أبو بكر الوراق: سأل المأمون عبد الله بن طاهر ذا الرياستين عن الحب ما هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة، انبعثت منهما لمحة نور تستضيء بها بواطن الأعضاء، فتتحرك لإشراقها طبائع الحياة؛ فيصور من ذلك خلق حاصر للنفس، متصل بخواطرها يسمى الحب.

وسئل حماد الراوية عن الحب ما هو؟ فقال: الحب شجرة أصلها الفكر، وعروقها الذكر، وأغصانها السهر، وأوراقها الأسقام، وثمرتها المنية.

وقال معاذ بن سهل: الحب أصعب ما ركب، وأسكر ما شرب. وأقطع ما لقي، وأحلى ما اشتهي، وأوجع ما بطن، وأشهى ما علن. وهو كما قال الشاعر:

وللحب آفات إذا هي صرحت

تبدت علامات لها غرر صفر

فباطنه سقم وظاهره جوى

وأوله ذكر وآخره فكر

وقال بشار العقيلي:

هل تعلمين وراء الحب منزلة

تدني إليك فإن الحب أقصاني

وقال غيره:

أحبك حبا لو تحبين مثله

أصابك من وجد علي جنون

لطيفا من الأحشاء، أما نهاره

فدمع، وأما ليله فأنين

وقال الفقيه الفيلسوف أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم في كتاب «طوق الحمامة في الألفة والألاف»: الحب أوله هزل، وآخره جد، دقت معانيه - لجلالتها - عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل.

وقد أحب من الخلفاء المهديين، والأئمة الراشدين كثير.

وأفتى ابن عباس بأن قتيل الحب لا دية له، والحب اتصال بين أجزاء النفوس.

وقال الله عز وجل:

هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ... .

وللحب علامات منها: إدمان النظر إلى المحبوب، والإقبال بالحديث إليه، والإنصات إلى حديثه، وتصديقه وإن كذب، وموافقته وإن ظلم، والشهادة له وإن جار.

ومن أفضل ما يأتيه الإنسان في حبه: التعفف، وترك ركوب المعصية والفاحشة.

وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمسجد، إذا خرج منه لا يلبث حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل تصدق فأخفى؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».

الحب والمحبوب

1

قولهم: أحببت حبا: الحب ليس بمصدر لأحببت، إنما هو عبارة عن الشغل بالمحبوب، ولذلك جاء على وزنه مضموم الأول، ومن ثم جمع كما يجمع الشغل، قال: ثلاثة أحباب: فحب علاقة، وحب لخلان، وحب هو القتل.

وكلما كان الفعل أعم وأشيع، لم يكن لذكر مصدره معنى، ولولا كشف الشاعر لاختلاف أنواع الحب ما كدنا نعرف ما فيه من المعموم، وأنه في معنى الشغل كما تقدم.

وقد أنشدوا في الصحاح بيتين هما:

أحب أبا مروان من أجل تمره

وأعلم أن الحب بالمرء أرفق

ووالله لولا تمره ما حببته

وكان عياض منه أدنى ومشرق

ولما جاءوا إلى اسم الفاعل أتوا بالاسم الرباعي حتى كأنهم لم ينطقوا بالثلاثي فقالوا: محب، ولم يقولوا: حاب أصلا. وجاءوا إلى المفعول فأتوا به من الفعل الثلاثي - في الأكثر - فقالوا: محبوب، ولم يقولوا: محب، إلا نادرا، كما قال:

ولقد نزلت فلا تظني غيره

مني بمنزلة المحب المكرم

فهذا من: أحببت كما أن المحبوب من: حببت، ثم استعملوا لفظ الحبيب في: المحبوب، أكثر من استعمالهم إياه في المحب، مع أنه يطلق عليهما.

فمن مجيئه بمعنى المفعول قول ابن الدمينة:

وإن الكثيب الفرد من جانب الحمى

إلي وإن لم آته لحبيب

أي: لمحبوب. ومن مجيئه للفاعل، قول المجنون:

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها

وما كل نفس بالفراق تطيب

فهذا بمعنى: محبها. وربما قالوا للحبيب: حب، مثل: خدن، فخدن وخدين مثل: حب وحبيب. وإذا ثبت هذا فقوله: الحب ليس بمصدر لأحببت، إنما هو عبارة عن الشغل بالمحبوب، وأجروه على الفعل الرباعي استغناء عن مصدره، وهذا لكثرة ولوع أنفسهم بالحب وألسنتهم به، فاستعملوا منه أحب المصدرين استغناء به عن أثقلهما.

فلما كان المحب ملازما لذكر محبوبه، ثابت القلب على حبه، مقيما عليه لا يروم عنه انتقالا، ولا يبغي عنه زوالا، اتخذ له في سويداء قلبه وطنا، وجعله له سكنا، حيث قال:

تزول الجبال الراسيات وقلبه

على العهد لا يلوي ولا يتغير

وفي شرح لامية العجم للصفدي:

فالحب حيث العدا والأسد رابضة

حول الكناس لها غاب من الأسل

الحب بالضم: المحبة، وبالكسر: الحبيب نفسه، قال ابن الأنباري: «الحب هو الحبيب، يقال للمذكر والمؤنث بلفظ واحد»، ويحكي عن بعض العرب أنهم يقولون: فلانة حبتي.

عشق الشرف، وعشق الجمال

قال عروة بن الزبير رحمه الله: «ما عشقت من امرأة قط إلا حسن شرفها؛ فإني لأعشق الشرف كما أعشق الجمال».

وإنما أراد الحسب، وصراحة النسب، كما قال عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: «ما عشقت من امرأة قط الا حسبها».

وقال كثير الشاعر:

وأنت التي حببت كل قصيرة

إلي وما تدري بذاك القصائر

ولم يرد: القصيرة القد، وإنما أراد المقصورة في الجمال، من قولك: قصره، إذا حبسه.

والمقصورة هي: المحجوبة. ومنه قول الله تعالى:

حور مقصورات في الخيام ، أي: محبوسات. وقوله تعالى:

فيهن قاصرات الطرف ، أي: قصرن نظرهن على أزواجهن، فلا يبغين بهم بدلا.

ويدل على مراد كثير في بيته، قوله في البيت الذي بعده:

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد

قصار الخطى، شر النساء البحاتر

والبحاتر: القصار.

أحلام المحبين

كان أبو القاسم علي الشريف المرتضى شاعرا عف اللسان، يهوى الحسن أينما وجده، وينحو فيه منحى طاهرا بريئا، واشتهر بحب الجمال العذري، وقد عشق الأدب الرفيع، كما عمر فوق الثمانين عاما، حيث ولد سنة 355 وتوفي سنة 436ه. ومن شعره:

ضن عني بالنزر إذ أنا يقظا

ن وأعطى كثيره في المنام

والتقينا كما اشتهينا ولا عي

ب سوى أن ذاك في الأحلام

وإذا كانت الملاقاة ليلا

فالليالي خير من الأيام

وقال الشريف الرضي (أخوه) وكان شاعرا مثله يتفق معه في هواه، وحبه، وعشقه للحسن والجمال:

بتنا ضجيعين في ثوبي هوى وتقى

يلفنا الشوق من فرق الى قدم

وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي

مواقع اللثم في داج من الظلم

الحبيب الأول، والحبيب الآخر

قال حبيب الطائي:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبدا لأول منزل

وقد رد عليه شعراء آخرون، فمن ذلك قول بعضهم:

افخر بآخر من كلفت بحبه

لا خير في حب الحبيب الأول

أتشك في أن النبي محمدا

ساد البرية وهو آخر مرسل؟!

ومنه قول ديك الجن الحمصي:

كذب الذين تحدثوا أن الهوى

لا شك فيه للحبيب الأول

ما لم أحن إلى خراب مقفر

درست معالمه كأن لم يؤهل

فقال حبيب «حين بلغه قول ديك الجن»:

كذب الذين تخرصوا في قولهم

ما الحب إلا للحبيب الأول

أو طيب في الطعم ما قد ذقته

من مأكل أو طعم ما لم يؤكل

قال العلوي الأصبهاني:

2

دع حب أول من كلفت بحبه

ما الحب إلا للحبيب الآخر

ما قد تولى لا ارتجاع لطيبه

هل غائب اللذات مثل الحاضر؟

إن المشيب وقد وفى بمقامه

أوفى لدي من الشباب الغادر

دنياك: يومك دون أمسك فاعتبر

ما السالف المفقود مثل الغابر

الحب مع اختلاف الدين

قال أبو الطحان الأسدي، وكان نديما لناس من النصارى:

كأن لم يكن في القصر، قصر مقاتل

وزورة ظل ناعم وصديق

معي كل فضفاض الثياب كأنه

إذا ما جرى فيه المدام فتيق

وإني وإن كانوا نصارى أحبهم

ويرتاح قلبي نحوهم ويتوق •••

وللشيخ رجب الحريري قصيدة يصف فيها حبه لفتى نصراني يقول فيها:

أرق من روح الصبا وأطيب

كالماء جسما باللحاظ يشرب

ولفظه السحر الحلال يطرب

سكرت منه وهو شهد يعذب

فأعجب لشهد مسكر من سحر

قابلته بأحسن الكلام

مرحبا معظما مقامي

ووجهه الوضاح في ابتسام

وخصني باللطف والإكرام

ويالجميل والحيا والبشر

الحب في كل حال

قال عنترة العبسي به يصف حبه لعبلة ابنة عمه، على ظلمها إياه:

أحبك يا ظلوم وأنت مني

مكان الروح من جسد الجبان

ولو أني أقول: مكان روحي

لخفت عليك بادرة الطعان

وقال بعضهم في الوداع:

ودعتهم من حيث لم يعلموا

ورحت والقلب بهم مغرم

سألتهم تسليمة منهم

علي إذ راحوا ... فما سلموا

واستحسنوا ظلمي فمن أجلهم

أحب قلبي كل من يظلم

وقال دعبل الخزاعي:

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي

متأخر عنه ولا متقدم

أجد الملامة في هواك لذيذة

حبا لذكرك فليلمني اللوم

وأهنتني، فأهنت نفسي صاغرا

ما من يهون عليك ممن يكرم

حب النساء المال

قال الزبير بن بكار في أنساب قريش:

3

كان «نبيه وأخوه منبه» من وجوه قريش، وذوي النباهة فيهم، ولكنهما قتلا «ببدر» كافرين، وكانا من المطعمين يوم بدر.

لقد كان «نبيه» بضم النون وفتح الموحدة بعدها «ياء» ساكنه «فهاء»، وكنيته «أبو الزرام» بتشديد الزاي المعجمة، ابن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعيد بن سهم بن عمر بن هصيص «بالتصغير» بن كعب بن لؤي بن غالب، وكان نبيه شاعرا مطبوعا على الإجادة ، وقد قيل: إن زيد بن عمرو بن نفيل كان يقول:

تلك عرساي تنطقان لهجر

وتقولان قول أثر وعتر

فقال نبيه من القافية نفسها في زوجتيه، وقد سألتاه الطلاق:

تلك عرساي تنطقان على عمد

أن اليوم قول زور وهتر

سألتاني الطلاق أن رأتا ما

لي قليلا ... قد جئتماني بنكر

فلعلي أن يكثر المال عندي

ويعرى من المغارم ظهري

وترى أعبد لنا وأواق

ومناصيف من خوادم عشر

ونجر الأذيال في نعمة ثم

تقولان: ضع عصاك لدهر

وي كأن من يكن له نشب

يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر

ويجنب سر النجي ولكن

أخا المال محضر كل سر

ومن شعره:

قصر الشيء بي ولو كنت ذا ما

ل كثير لأجلب الناس حولي

ولقالوا: أنت الكريم علينا

ولحطوا إلى هواي وميلي

ولكلت المعروف كيلا هنيئا

يعجز الناس أن يكيلوا ككيلي

وله أيضا:

قالت سليمى يوم جئت أزورها

لا أبتغي إلا امرأ ذا مال

لا أبتغي إلا امرأ ذا أنضر

كيما أسد مفارقي وخلالي

فلأحرصن على اكتساب محبب

ولأكسبن في عفة وجمال

في خلاصة الأثر ج2

كان الأديب حسين بن أحمد بن حسين المعروف «بابن الجزري» الشاعر المشهور الحلبي أحد المجيدين، جمع شعره بين الصناعة والرقة، كان إذا تكلم لا يظنه الإنسان يعرف شيئا، وكان له خط نسخي غاية في الحسن إلا أنه كان شديد الأخلاق أحيانا، وكان مغرما بشعر أبي العلاء المعري، كثير الأخذ منه، وأخيرا رآه في منامه، وقرأ عليه اللزوميات، وسمعه يقرر في تلك الرؤيا: أن الخير كل الخير فيما أكرهتك النفس الطبيعية عليه، والشر كل الشر فيما أكرهتك النفس عليه.

ومن شعر ابن الجزري:

إن كنت متخذا لجرحك مرهما

فكتاب رب العالمين المرهم

أو كنت مصطحبا حبيبا سالكا

سبل الهوى فلزوم ما لا يلزم

ومن شعره في الغزل:

ما عشت من ألم الفراق

لو لم أطل أمل التلاقي

فأظل كالملسوع من

أفعى النوى، ورجاي راقي

يا ثالث القمرين إلا

في الكسوف وفي المحاق

حتام دمعي فيك لا

يرقا ... وروحي في التراقي

وإلام يستسقي الفؤا

د ظما، وأجفاني سواقي

وغريق دمع العين لا

تلقاه إلا في احتراق

والحب ما أروى الضلو

ع جوى، وما أروى المآقي

فعساك أن تجزي محبك

في المحبة بالوفاق

ولقد لقيت هواك أع

ظم ما لقيت، وما ألاقي

وصبرت فيك على العدا

صبر الأسير على الوثاق

وعلمت أن الصبر يا

عذب اللمى مر المذاق

فاعرض عن الإعراض إع

راضي لديك عن النفاق

وارفق ولو بالالتفا

ت على ما بين الرفاق

فلقد يكون تلفت الأ

عناق داعية العناق

واستبق مني باللقا

ء بواقيا ليست بواقي

أعضاء صب، مآله

إلاك من عينيك واقي

فالبعض سود عيونها

أمضى من البيض الرقاق

وقدودهن رواشق

في الطعن كالسمر الرشاق

وإذا بليت بحبهن

بليت بالدمع المراق

ومن جيد شعره قوله:

نتفداك ساقيا قد كساك ال

حسن من فرقك المضيء لساقك

تشرق الشمس من يديك، ومن في

ك الثريا، والبدر من أطواقك

أو ليس العجيب كونك بدرا

كاملا، والمحاق من عشاقك

فتنة أنت إذ تميت وتحيي

بتلاقيك من تشا، وفراقك

لست من هذه الخليقة بل أن

ت مليك أرسلت من خلاقك

الحب خضوع النفس

وكان حاتم بن أحمد بن موسى بن أبي القاسم بن محمد بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الأهدل اليمني الحسيني مشهودا له بتحصيل أنواع العلوم والمعارف، والنظم والنثر، وقد رحل إلى كثير من البلدان، وأقام بالحرمين، ثم توطن المخا، وحصل له بها شأن عظيم يغبطه عليه صفوة أصحابه وأترابه، إذ كان له يد طولى في العلوم الشرعية، والفنون العربية، إلا أنه غلب عليه التصوف، كما كان متقنا لعلم الأسماء والحروف، ودوائر الأولياء، حتى إنه كان زاهدا في الدنيا، ومن شعره قوله مشطرا فائية ابن الفارض:

قلبي يحدثني بأنك متلفي

عجل به ولك البقا، وتصرف

قد قلت حين جهلتني وعرفتني

روحي فداك عرفت أم لم تعرف

أنت القتيل بأي من أحببته

فلك السعادة في الشهادة يا وفي

ولقد وصفت لك الغرام وأهله

فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي

وقال مخمسا قصيدة ابن النبيه:

رقم العذول زخرفا وتصنعا

وأشاع نقض العهد عنك وشفعا

فأجبته والنفس تقطر أدمعا

أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعا

ملك الفؤاد فما عسى أن أصنعا

حكم الغرام فلذ به وبحكمه

واثبت على مفروض واجب رسمه

واخضع لعدل الحب فيه وظلمه

من لم يذق ظلم الحبيب كظلمه

حلوا فقد جهل المحبة وادعى

يا من بلطف جماله قلبي اقتنص

صبري على الأعتاب من جلدي نكص

وثبات حجلي حين زمزمتم رقص

يا صاحب الوجه الجميل تدارك الص

بر الجميل فقد عفا وتضعضعا

وفرت من نبل اللواحظ أسهمي

وكلمت أحشائي ولم أتكلم

وهجرتني ظلما ولم أتظلم

هل في فؤادك رحمة لمتيم

ضمت جوانحه فؤادا موجعا

إني اعترفت بزلتي وجنايتي

ورضاك مقصودي وغاية غايتي

يا من ضلالي فيه عين هدايتي

هل من سبيل أن أبث صبابتي

أو أشتكي بلواي أو أتضرعا؟

لي في حماك مسارح ومطامح

كم بت للغزلان فيه أطارح

يا قلب إن اليوم طيبك نازح

يا عين عذرك أن حبي واضح

كلي لفرقته أراد وأزمعا

أشقى الناس أهواها

زين الدين أحمد بن علي بن الحسين بن علي الشافعي الحلبي، ولد بحلب، ونشأ بها، وكان له مذاكرة تأخذ بلب الصاحب ومحاضرات، وترغب من محاضرات الراغب، وله شعر قصير منه قوله:

كتبت وأفكاري بحبك مزقت

كما قد بدت في الحب كل ممزق

ولو حم لي التوفيق كنت تركته

ولكنني أصبحت غير موفق

وإذا قيل أشقى الناس من بات ذا هوى

فلا تنكرن هذا المقال وصدق

وقال متغزلا:

سألتها عن فؤادي أين مسكنه

فإنه ضل عني عند مسراها

قالت: لدي قلوب جمة جمعت

فأيها أنت تبغي؟ قلت: أشقاها

رابعة العدوية

روى ابن خلكان قصة «رابعة العدوية» شهيدة الحب الإلهي، قال:

كانت أم الخير رابعة بنت إسماعيل العدوية البصرية، مولاة آل عتيك، من أعيان عصرها، وأخبارها في الصلاح والعبادة مشهورة.

وذكر أبو القاسم القشيري في «الرسالة» أنها كانت تقول في مناجاتها: إلهي ... أتحرق بالنار قلبا يحبك؟ فهتف بها مرة هاتف: ما كنا نفعل هذا ، فلا تظني بنا ظن السوء!

وكان سفيان الثوري عندها يوما، فقال: واحزناه! فقالت له: «لا تكذب، بل قل: وا قلة حزناه؛ لو كنت محزونا لم يتهيأ لك أن تتنفس».

وقال بعضهم: كنت أدعو لرابعة العدوية، فرأيتها في المنام تقول: هداياك تأتينا على أطباق من نور، مخمرة بمناديل من نور.

وكانت تقول: ما ظهر من أعمالي فلا أعده شيئا.

ومن وصاياها: اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم.

وأورد لها الشيخ شهاب الدين السهروردي في كتاب «عوارف المعارف» قولها:

إني جعلتك في الفؤاد محدثي

وأبحت جسمي من أراد جلوسي

فالجسم مني للجليس مؤانس

وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي

الحب أحسن المعاصي

في «لوعة الشاكي، ودمعة الباكي» لابن الصفدي:

انتصف الليل، وأقبلت عساكر السعد بالرجل والخيل، فأمرت صاحبي برفع المدام، وتجهيز المرقد للمنام، فرفع الأواني في الحال، وأقبل على ذلك الشأن وطال، وعلق في المرقد نفحات المسك الأذفر، وأطلق فيه مباخر الند والعنبر. ثم قال: أين ترسم لي أن أبيت؟ فقلت: نم عندنا لكن خارج البيت، فأنت ممن تحققنا منه المروءة والشفقة، فاخرج عنا، ورد الباب بالحلقة. ففعل ما أمرناه وخرج، ولم يبق في الصدر هم ولا حرج، فقلت لمحبوبي: أما تقوم بنا لننام، وأتنعم بتقبيل الثغر واعتناق القوام؟ فقال لي: أقوم ولكن العناق حرام، فقلت: في عنقي تكون الأوزار والآثام:

فقام ينهض والصهباء تقعده

سكرا وحاول أن يسعى فلم يطق

وقال لي بفتور من لواحظه

إن العناق حرام قلت: في عنقي

فقال: أستغفر الله من الفجور واللغط، ومن وقوعك أيها الإنسان في الغلط.

فقلت: لا تظن أن محبتك من المعاصي والسيئات، واعلم أن هواك من أفضل الفضائل، وأحسن القربات.

أستغفر الله إلا من محبتكم

فإنها حسناتي يوم ألقاه

فإن زعمتم بأن الحب معصية

فالحب أحسن ما يعصى به الله

الهوى قدر

أخبرنا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش. قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد المبرد قال: سألت أبا الفضل الرياشي عن معنى قول الشاعر:

الريح تبكي شجوها

والبرق يلمع في الغمامة

فقال : هو عندي كقولهم: ويل للشجي من الخلي. ومعناه: أن البرق يضحك والريح تبكي.

وذهب بعضهم إلى أن المعنى أن الريح تبكي شجوها، والبرق يبكي أيضا وهو يلمع في الغمامة.

وأنشدنا أبو بكر الأصبهاني لنفسه:

إلا تكن في الهوى أرويت من ظمأ

ولا فككت من الأغلال مأسورا

لقد دللت على أن الهوى بدل

من أجل ما كان مرجوا ومحذورا

فحسب نفسي غنى علمي بموضعها

من الهوى وبأني كنت معذورا

وأنت خال وقلبي ذا الذي ملكت

هواه نفسك إكراها وتخييرا

إني وغلة نفسي فيك قائمة

لم تلق مذ ألفتك النفس تغييرا

ولم يكن باختيار لي فأتركه

ولا اضطرار أتاه القلب مقهورا

لكنه من أمور الله ممتنع

في الوصف قدره الرحمن تقديرا

لن يضبط العقل إلا من يدبره

ولن ترى للهوى في العقل تدبيرا

كن محسنا أو مسيئا وابق لي أبدا

تكن لدي على الحالين مشكورا

وأنشدنا لنفسه في مثل هذا:

فإن تكن القلوب إذا تجازى

وتسلك في الهوى سننا سويا

فمالي أهون الثقلين جمعا

عليك، وأنت أكرمهم عليا؟

عمدت سنين أستخفي التصابي

ولا أرضى من الوصل الرضيا

فلم تقلع صروف الدهر حتى

خسست عن أن أحيى أو أحيا

تبغض ما استطعت وعش سليما

فأنت أحب مخلوق إليا

وأنشدنا أبو إسحاق الزجاج قال: أنشدنا أبو العباس محمد بن يزيد:

يا أيها الراكب الغادي لطيته

عرج أنبئك عن بعض الذي أجد

ما عالج الناس من وجد ألم بهم

إلا وجدت به فوق الذي وجدوا

حسبي رضاه، وأني في محبته

ووده آخر الأيام أجتهد

وأنشد سليمان بن عبد الله بن طاهر لأبيه:

ألا إنما الإنسان غمد لقلبه

ولا خير في غمد إذا لم يكن نصل

فإن كان للإنسان قلب فقلبه

هو النصل، والإنسان من بعده فضل

هوامش

أنواع الحب

ضروب المحبة

1

المحبة ضروب: أفضلها محبة المتحابين في الله، ثم محبة القرابة، ومحبة الألفة والاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة البر يصنعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه ، ويلزمهما ستره ، ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر، ومحبة العشق الناشئة عن اتصال النفوس.

حب الولد

2

أرسل معاوية إلى الأحنف بن قيس فقال: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟

قال: ثمار قلوبنا، وعماد ظهورنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة، فإن طلبوا فأعطهم، وإن غضبوا فأرضهم، يمنحوك ودهم، ويحبوك جهدهم، ولا تسكن عليهم ثقيلا؛ فيملوا حياتك، ويحبوا وفاتك.

فقال معاوية: لله أنت يا أحنف، لقد دخلت علي وإني لمملوء غضبا على يزيد، فسللته من قلبي.

فلما خرج الأحنف من عنده بعث معاوية إلى يزيد بمائتي ألف درهم ومائتي ثوب. فبعث يزيد إلى الأحنف بمئة ألف درهم ومئة ثوب.

وكان عبد الله بن عمر يذهب بولده سالم كل مذهب، حتى لامه الناس فيه فقال:

يلومونني في سالم، وألومهم

وجلدة بين العين والأنف سالم

وقال: إن ابني سالما، ليحب الله حبا لو لم يخفه ما عصاه.

وكان يحيى بن اليمان يذهب بولده داود كل مذهب حتى قال يوما: أئمة الحديث أربعة: كان عبد الله، ثم كان علقمة، ثم كان إبراهيم، ثم أنت يا داود.

وقال: تزوجت أم داود، فما كان عندنا شيء ألفه فيه حتى اشتريت له شكوة بدانق.

وقال زيد بن علي لابنه: يا بني، إن الله لم يرضك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فحذرنيك، واعلم أن خير الآباء للأبناء من لم يدعه التدليل إلى التفريط، وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير إلى العقوق.

وفى الحديث المرفوع: «ريح الولد من ريح الجنة». وفيه أيضا: «الأولاد من ريحان الله».

وقال النبي

صلى الله عليه وسلم ، لما بشر بفاطمة: «ريحانة أشمها، ورزقها على الله».

ودخل عمرو بن العاص على معاوية وبين يديه بنته عائشة، فقال: من هذه؟ قال: هذه تفاحة القلب. فقال له: انبذها عنك، فوالله إنهن ليلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن.

فقال له معاوية: لا تقل ذاك يا عمرو؛ فوالله ما مرض المرضى، ولا ندب الموتي، ولا أعان على الأحزان مثلهن، ورب ابن أخت قد نفع خاله.

وقال المعلى الطائي :

لولا بنيات كزغب القطا

يرددن من بعض إلى بعض

لكان لي مضطرب واسع

في الأرض ذات الطول والعرض

وإنما أولادنا بيننا

أكبادنا تمشي على الأرض

وكانت فاطمة بنت رسول الله

صلى الله عليه وسلم

ترقص الحسين بن علي (رضي الله عنهما) وتقول:

إن بني شبه النبي

ليس شبيها بعلي

وكان الزبير بن العوام يرقص عروة ابنه ويقول:

أبيض من آل أبي عتيق

مبارك من ولد الصديق

ألتذه كما ألذ ريقي

وقال أعرابي يرقص ولده:

أعرف منه قلة النعاس

وخفة من رأسه في راسي

وقال عبد الملك: أضر بنا في الولد حبنا له، فلم نؤدبه، وكأن الوليد أدبنا.

3

حب الأيامى واليتامى

4

من بديع أخبار الحكم: أن العباس الشاعر توجه إلى الثغر، فلما نزل بوادي الحجارة، سمع امرأة تقول: وا غوثاه بك يا حكم، لقد أهملتنا حتى كلب العدو علينا فأيمنا وأيتمنا. فسألها عن شأنها، فقالت: كنت مقبلة من البادية في رفقة، فخرجت علينا خيل عدو فقتلت وأسرت، فصنع قصيدته التي أولها:

تململت في وادي الحجارة مسندا

أراعي نجوما ما يرين تغيرا

إليك أبا العاصي نضيت مطيتي

نسير بهم ساريا ومهجرا

تدارك نساء العالمين بنصرة

فإنك أحرى أن تغيث وتنصرا

فلما دخل عليه أنشده القصيدة، ووصف له خوف الثغر، واستصراخ المرأة باسمه، فأنف ونادى في الحين بالجهاد والاستعداد، فخرج بعد ثلاث إلى وادي الحجارة، ومعه الشاعر، وسأل عن الخيل التي أغارت من أي أرض العدو كانت؟ فأعلم بذلك، فغزا تلك الناحية، وأثخن فيها، وفتح الحصون والديار، وقتل من العدو عددا كثيرا، وجاء إلى الوادي فأمر بإحضار المرأة، وجميع من أسر له أحد في تلك البلاد ثم أمر بضرب رقاب الأسرى بحضرتهم، وقال للعباس: سلها هل أغاثها الحكم؟ فقالت المرأة وكانت نبيلة: والله لقد شفى الصدور، وأنكى العدو، وأغاث الملهوف، فأغاثه الله، وأعز نصره.

فارتاح لقولها، وبدا السرور في وجهه وقال:

ألم تر يا عباس أني أجبتها

على البعد أقتاد الخميس المظفرا

فأدركت أوطارا وأبردت غلة

ونفست مكروبا وأغنيت معسرا

فقبل عباس يده وقال: نعم ، جزاك الله خيرا عن المسلمين.

أمثال في الحب

5

قول لسان الدين الخطيب:

أصناف المحبين والعشاق كثير، بحيث يشق إحصاؤهم، ولا يتأتى استقصاؤهم، كما أورد أبياتا من قصيدة أبي فراس الحمداني، التي يقول فيها:

تسائلني: من أنت؟ وهي عليمة

وهل بفتى مثلي على حاله نكر

فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى

قتيلك، قالت: أيهم فهم كثر؟

وفي هذا تنبه النفوس الصعبة، على حكم المحبة،

ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة .

ثم قال المؤلف: «وهذه حكم تجري مجرى الأمثال: المحبة بحر بعيد الشط، والفناء منتهى الخط، المحبة مهوى من بعيد، ومجال وعد ووعيد.

المحبة ظهر لا يركبه من يرى الموت فيتنكبه، كم قصمت المحبة من ظهر، وكم سير صوت إلى قهر.

حجة بالغة

قال ابن السبكي رحمه الله تعالى:

قالت: ألا لا تلجن دارنا

إن أبانا رجل غاير

قلت: فإني حاضر ... زائرا

ولا يلام الزائر الحاضر

قالت: فإن الليث عاد بنا

قلت: فسيفي مرهف باتر

قالت: فإن القصر من دوننا

قلت: فإني فوقه طائر

قالت: فإن البحر من بيننا

قلت: فإني سابح ماهر

قالت: فإن الله من فوقنا

قلت: نعم، وهو لنا غافر

قالت: فحولي إخوة سبعة

قلت: فإني لهم حاذر

قالت: لقد أعييتنا حجة

فأت إذا ما هجع السامر

واسقط علينا كسقوط الندى

ليلة لا ناه ولا آمر

هوامش

حب الأزواج

زواج النبي من خديجة

قال صاحب كتاب «سنا المهتدي»:

أهل السيرة مختلفون فيمن تولى تزويج السيدة خديجة (رضي الله عنها) لرسول الله

صلى الله عليه وسلم ، فذكر ابن إسحاق أنه

صلى الله عليه وسلم

مشى هو وعمه حمزة بن عبد المطلب إلى والدها خويلد بن أسد في ذلك. وذكر غير ابن إسحاق أن خويلد كان إذ ذاك قد هلك، وأن الذي أنكح خديجة هو عمها عمرو بن أسد. قال المبرد: وهو الذي خطب خطبة النكاح، وكان مما قال في تلك الخطبة: «أما بعد، فإن محمدا ممن لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، وإن كان في المال قل، فإن المال ظل زائل، وعارية مسترجعة، وله في خديجة بنت خويلد رغبة، ولها فيه مثل ذلك». فقال عمرو: هو الفحل لا يقرع أنفه، فأنكحها منه، ويقال: قاله ورقة بن نوفل. والذي قاله المبرد هو الصحيح؛ لما رواه الطبري عن جبير بن مطعم، عن ابن عباس، وعن عائشة. قال: إن عمرو بن أسد هو الذي أنكح ابنة أخيه خديجة رسول الله

صلى الله عليه وسلم ، وأن خويلدا هلك قبل ذلك.

وذكر الزهرى أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم

قال لشريكه الذي كان يتجر معه في مال خديجة: هلم فلنتحدث عند خديجة، وكانت تكرمهما، فلما قاما من عندها، جاءته جويرية لها وقالت له: جئت خاطبا يا محمد؟ قال: كلا. فقالت: ولم؟ فو الله ما في قريش امرأة - وإن كانت خديجة - إلا تراك كفؤا لها. فرجع رسول الله

صلى الله عليه وسلم

خاطبا لخديجة مستحييا منها.

حب خديجة للنبي، وتقديره لها

لقد من الله على عباده المؤمنين بقوله سبحانه:

يحبهم ويحبونه ،

والذين آمنوا أشد حبا لله ،

لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم .

وقد شاءت إرادة الله أن ينشأ سيدنا محمد

صلى الله عليه وسلم

نشأة كريمة طاهرة، حتى عرف من حداثة سنه بالصدق والأمانة، والبعد عن صغائر الأمور، فاشتهر بالصادق الأمين. وقد سمعت خديجة وهي سيدة نساء العرب به، ورغبت في أن يتجر بمالها، فكان نعم التاجر الصدوق المؤتمن، وربحت التجارة كثيرا؛ لما اتصف به عليه الصلاة والسلام من خلق عظيم، وقلب رؤوف رحيم.

وكان يصحبه خادمها «ميسرة» الذي شاهد ما شاهد من طيب الخلال، والصدق في الأقوال، والإخلاص في الأعمال، وقص الخادم على سيدته ذلك، ومن ثم آنست في سيدنا محمد صفات كمال الرجال، فعرضت عليه أن يتزوج بها، فوافق شاكرا راضيا، ولقد كان يخطبها أكبر سادة العرب وجلة ساستهم فلم ترض بواحد منهم.

وكانت على جانب عال من السماحة وجمال الخلق والخلق معا، وكان هو صلوات الله عليه وسلامه يبلغ الخامسة والعشرين، وتكبره بخمسة عشر ربيعا. وصادف هذا الزواج المبارك، بل حالفه التوفيق واليمن، فكانت نعم الزوجة الحبيبة الوفية الأمينة المخلصة.

وبينما كان يتحدث في غار ثور، نأيا عما كان عليه شباب العرب، حان ظهور جبريل عليه السلام لأول مرة، وقال له: اقرأ. فأجابه النبي: ما أنا بقارئ. فضمه إليه ثم أرسله، وأعاد عليه أخرى. وفي الثالثة: نزلت السورة:

اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم .

وما لبث أن عاد النبي إلى زوجته يقول: «زملوني» وسرد عليها روايته، فهدأت روعه بعد أن اختبرت حالته، إذ خشيت عليه سوءا فقالت: والله لن يخزيك الله أبدا؛ إنك تصل الرحم، وترحم الأرامل والأيتام، وتؤوي الضعفاء والمساكين. ثم رأت أخيرا أن تعرض أمره على ابن عمها ورقة بن نوفل، الكاهن ... فبشره بأن هذا هو الناموس الذي ينزل على أنبياء الله ورسله، وسيكون له شأن عظيم!

ولقد عاشرت خديجة رسول الله قبل الرسالة خمسة عشر عاما، حتى بلغ الأربعين، معاشرة كلها الحب والوفاء، وعاش معها حياة العزة والكرامة والاطمئنان. وكم كانت ترفع من مكانته وهو الرفيع المكانة، فتقول: «كل شيء ملك محمد، ليس لي فيه شيء، فهو صاحب الأمر والنهي». ولبثت معه ثمانية وعشرين عاما في أتم وأكمل ما يتصوره العقل الذكي، واللب الحكيم، إلى أن اختارها الله لجواره، ولحقت بالرفيق الأعلى.

ولقد كانت أول من آمن به من النساء، وكم حزن عليها سيدنا محمد صلوات الله عليه حزنا شديدا، حتى ذكر عام وفاتها بعام الأحزان، وما زال عليه الصلاة والسلام يذكرها بالخير والثناء بعد رحيلها، ولم يتزوج عليها قط. فما إن كان بمجلس مع عائشة الصديقة بنت الصديق وتذكر أن فلانة كانت حبيبة خديجة، حتى قال: أعطوها وأكرموها؛ فغارت عائشة قائلة: أو لم أكن يا رسول الله - أنا البكر - خيرا منها؛ فغضب وتغير وقال: والله يا عائشة، ما عادلها من النساء أحد، لقد أمدتني فقيرا ، وأكرمتني معاشرا، وملأت علي أركان حياتي أنسا وسؤددا. قالت عائشة: وقد أقسمت بحقه وحبه ألا تذكرها إلا بخير.

خير متاع الدنيا المرأة الصالحة

قال

صلى الله عليه وسلم : «تزوجوا الولود الودود من النساء؛ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة».

وقال أيضا: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة». ونظر خالد بن صفوان إلى جماعة في مسجد البصرة فقال: أبغي امرأة. فقيل له: ما صفتها؟ قال: أريدها بكرا كثيب، أو ثيبا كبكر، حلوة من قريب، فخمة من بعيد، كانت في نعمة وأصابتها حاجة، ففيها أدب النعمة وذل الحاجة، إذا اجتمعنا كنا أهل دنيا، وإذا افترقنا كنا أهل آخرة.

السيدة سكينة بنت الحسين

كانت سكينة بنت الحسين

1

سيدة نساء عصرها، ومن أجمل النساء وأظرفهن أحسنهن أخلاقا، وتزوجها مصعب بن الزبير فمات عنها، ثم تزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام، فولدت له قرينا، ثم تزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان وفارقها قبل الدخول، ثم تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها؛ لعدم قدرته على الوفاء بما عاهدها عليه من ألا يدخل معها غيرها من النساء، فلم يسعه إلا الإذعان لأمر سليمان، ولاعتبار ضعف إرادته باتصاله بغيرها من الجواري صارت طالقة، فطلقها.

وقد قيل في ترتيب أزواجها غير هذا، وقيل أيضا إن الطرة السكينية منسوبة إليها. ولها نوادر وحكايات ظريفة مع الشعراء وغيرهم، من ذلك ما يروى من أنها ناظرت عروة بن أذينة - من أعيان العلماء وكبار الصالحين، وله أشعار رائقة - فقالت له: أنت القائل:

إذا وجدت أوار الحب في كبدي

ذهبت نحو سقاء الماء أبترد

هبني بردت ببرد الماء ظاهره

فمن لنار على الأحشاء تتقد؟

فقال لها: نعم. فقالت: وأنت القائل:

قالت وأبثثتها سري وبحت به

قد كنت عندي تحب الستر فاستتر

ألست تبصر من حولي؟ فقلت لها:

غطى هواك وما ألقى على بصري

والسيدة سكينة ابنة الإمام أبي عبد الله الحسين، كانت أمها الرباب بنت امرئ القيس الكلبية. وقد تزوجها عبد الله بن الحسن - وهو أبو عذرتها - فمات - ويقال قتل مع الحسين - فتزوجها مصعب بن الزبير فولدت له ابنة فأرسل إليها: سميها زبراء، قالت: أسميها باسم إحدي أمهاتي، فسمتها خديجة أو فاطمة، فماتت ابنتها من مصعب ورحل إلى العراق فقتل عنها.

وخطب سكينة عبد الله بن مروان، فقالت أمها: والله لا أزوجها منه أبدا وقد قتل ابن أختي - تعني مصعبا - فتزوجها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن حكيم بن حزام - وأم عبد الله بن عثمان رملة ابنة الزبير بن العوام - فولدت له سكينة ابنا يقال له قرين، وحكيما، وابنة، ويقال ابنتين، فمات عنها، فتزوجها الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان فأصدقها صداقا كثيرا، فقال عبد الملك: إنا تزوجنا أحسابنا فلم نغرق في الصداق، طلقها، فطلقها، فقال أيمن بن خريم:

نكحت سكينة في الحساب ثلاثة

فإذا دخلت بها فأنت الرابع

إن البقيع إذا تتابع زرعه

خاب البقيع وخاب فيه الزارع

فتزوجها زيد بن عمرو بن عثمان؛ فأصدقها صداقا كثيرا، واشترطت عليه ألا يعصي لها أمرا ولا يغيرها، ولا يمنعها شيئا تريده، ولا يمنع أحدا يدخل إليها، وأن يقيمها حيث رغبتها، فتزوجها على هذه الشروط، فقال له سليمان بن عبد الملك: يا زيد بن عمرو، إنك شرطت لسكينة ألا تطأ جارية، وعندك أمثال المها، وأنا أعلم أنك لا تصبر، وأنك قد وطئت بعضهن، وشرطت لها شروطا لا تستطيع الوفاء بها، وقد حرمت عليك سكينة؛ فطلقها زيد، فتزوجها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فأبى أهلها أن يرضوا، فخاصموه وتحاكموا إلى إبراهيم بن هشام، فقال له: انطلق فادخل على أهلك، فإن حال بينك وبينها أحد فامنعه، وكان إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف شرسا كثير الشر - لما أراد أن يتزوجها بعد أن مكثت حينا بعد زيد لا تخطب - فقالت لها مولاتها: جعلت فداك، لا أرى أهل المدينة يذكروننا. فأجابتها: أما والله لأجعلن لهم حديثا، وأرسلت إلى إبراهيم فقالت له: كيف أنت إن تزوجتك؟ قال : تجدينني خير الناس.

وكانت ظريفة عفيفة، وأديبة فصيحة، فوق ما امتازت به من إشراق المحيا، وسماحة الخلق، وملاحة الخلق، فقيل لها: يا سكينة، أختك ناسكة وأنت مزاحة؟ قالت: إنكم سميتموها باسم جدتها المؤمنة، وسميتموني باسم جدتي التي لم تدرك الإسلام.

2

ولقد شبب الفرزدق بها، وكان عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) واليا على المدينة فأخرجه منها ونفاه، فقال جرير في ذلك:

نفاك الأغر ابن عبد العزيز

بحقك تنفي من المسجد

وطافت سكينة بنت الحسين (رضي الله عنهما) فلما انتهت إلى الركن اليماني أعيت في أول طواف، ونظر إليها العرجي، فقال:

يقعدن في التطواف آونة

ويطفن أحيانا على فتر

حتى استلمن الركن في أنف

من ليلهن يطأن في الأزر

ففرغن في سبع وقد جهدت

أحشاؤهن موائل الخمر

فسمعت شعره امرأة ووصفته لها، فحفظت الشعر، وقالت: «لو أن الجمال طفن سبعا لجهدت أحشاؤهن».

وكانت سكينة (رضي الله عنها) على جانب وافر من الخلال الطيبة فوق ما امتازت به من كريم المحتد، ودماثة الطبع والجمال.

عاتكة بنت زيد

كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عند عبد الله بن أبي بكر بن أبي قحافة فأحبها، فكان ربما ترك الصلاة جماعة بسبب مكثه معها؛ لما اتصفت به من حسن الصورة، وسماحة الخلق، وكانت عبلة الجسم، مكتنزة اللحم، على قسط وفير من العلم والأدب، والمعرفة بالشعر؛ مما دعا عبد الله إلى الانشغال بها، فأمره أبو بكر (رضي الله عنه) بطلاقها قائلا له: قد فتنتك عن دينك، وشغلتك عن معيشتك، فطلقها وقال:

ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها

ولا مثلها في غير جرم تطلق

لها خلق سمح ورأي ومنصب

وخلق سوي في الحياء ومصدق

أعاتك، لا أنساك ما هبت الصبا

وما ناح قمري الحمام المطوق

أعاتك لا أنساك ما حج راكب

وما لاح نجم في السماء محلق

أعاتك، قلبي كل يوم وليلة

إليك بما تخفى النفوس معلق

ولولا اتقاء الله في حق والد

وطاعته ما كان منا التفرق

فبلغ أبا بكر شعره فأمره فراجعها ، وكانت عنده حتى مات شهيدا، أصابه سهم في حصار الطائف فانتقض به جرحه فمات، فقال لعاتكة حين احتضر: لك حديقة من مالي ولا تتزوجي؛ فقبلت ذلك، وقال حين راجعها:

أعاتك، قد طلقت عني بغصة

وراجعت للأمر الذي هو كائن

كذلك أمر الله غاد ورائح

على الناس فيه ألفة وتباين

وقد كان قلبي للتفرق طائرا

وقلبي لما قد قرب الله ساكن

أعاتك إني لا أرى فيك سقطة

وإنك قد حلت عليك المحاسن

وإنك مما زين الله أمره

وليس لما قد زين الله شائن

فمات عبد الله وترك سبعة دنانير، فقال أبو بكر: إنا لله، كيف يصبر ابني على سبع كيات،

3

فلما مات عبد الله قالت عاتكة ترثيه:

فجعت بخير الناس بعد نبيهم

وبعد أبي بكر، وما كان قصرا

فآليت لا تنفك عيني سخينة

عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

مدى الدهر ما غنت حمامة أيكة

وما طرد الليل الصباح المنورا

فلله عينا من رأى مثله فتى

أكر وأحمى في الجهاد وأصبرا

إذا شرعت فيه الأسنة خاضها

إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا

ثم ما لبثت أن خطبها عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقالت: إني قد جعلت على نفسي ما لا أقدر معه على التزويج. فقال: استفتي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) فاستفتته، فقال: ردي عليهم ما أخذته منهم وتزوجي، فردت الحديقة، فتزوجها عمر (رضي الله عنه) فلما دخل بها أولم، فدنا علي (رضي الله عنه) من خدرها وقال:

فآليت لا تنفك عيني سخينة

عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

فبكت، فقال عمر: ما أردت إلا أن تفسد علينا أهلنا.

ويقال: قال هذه المقالة عبد الرحمن بن أبي بكر، فلما قتل عمر قالت:

وفجعني فيروز لا در دره

بأبيض تال للقران منيب

رؤوف على الأدنى غليظ على العدا

أخي ثقة في النائبات نجيب

متى ما يقل لا يكذب القول فعله

سريع إلى الخيرات غير قطوب

وقالت:

عين جودي بعبرة ونحيب

لا تملي على الإمام النجيب

فجعتني النون بالفارس المق

دم يوم الهياج والتذبيب

4

عصمة الناس والمعين على الده

ر وغيث المنتاب والمحروب

قل لأهل الضراء والبأس: موتوا

قد سقته المنون كأس شعوب

فخطبها طلحة بن عبيد الله، فمشى في أمرها هبار بن الأسود، فأفسد عليه، فتزوجها الزبير بن العوام، فنهاها عن الخروج إلى المسجد، فقالت: أتنهاني عن الخروج إلى الصلاة وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله»؛ فأعرض عن ذلك أياما، ثم قعد لها في طريقها ليلا، فلما مرت به ضرب عجيزتها بيده - وكانت عظيمة العجيزة جميلة - فرجعت إلى بيتها واسترجعت، وقالت: سوءة إنا لله، وتركت الخروج، فقال لها الزبير: مالك تركت الصلاة في المسجد؟ فقالت: قد فسد الناس أبا عبد الله. فقتل عنها، فقالت:

غدر ابن جرموز بفارس بهمة

يوم اللقاء وكان غير معرد

يا عمرو لو نبهته لوجدته

لا طائشا رعش الجنان ولا اليد

شلت يمينك إن قتلت لمسلما

حلت عليك عقوبة المتعمد

ثم خطبها علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فقالت: إني أشفق عليك من القتل، لم أتزوج رجلا إلا قتل، فتزوجها محمد بن أبي بكر فخرجت معه إلى مصر، فقتل ومثل به، فقالت:

لئن تقتلوا أو تمثلوا بمحمد

فما كان من شأن النساء ولا الخمر

5

فتزوجها عمرو بن العاص.

وروي أن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) حدث مرة عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم

بقوله: «لا تمنعوا النساء من الخروج بالليل إلى المساجد»، فقال ابن له: لا تدعهن يخرجن فيتخذنه دغلا، فزجره وقال له: أقول: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم

ثم تقول: لا تدعهن؟!

وذكر أبو بكر الخرائطي رحمه الله في كتاب «اعتلال القلوب» قال: كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عند الزبير بن العوام (رضي الله عنهما) فاستأذنته في الخروج إلى المسجد، فشق عليه ذلك وكره أن يمنعها، فأذن لها، ثم انكمن لها في موضع مظلم من الطريق، فلما مرت عليه وضع يده على بعض جسدها، فكرت راجعة، وسبقها الزبير إلى الدار، فلما دخلت عليه تسبح ، قال لها: ما ردك عن وجهك؟ قالت: كنا نخرج والناس ناس، وأما اليوم فلا، وتركت طلب المسجد.

زواج امرئ القيس

نقل الجرجاني في كتاب «الكنايات» عن كتاب «الأغاني» لأبي الفرج الأصبهاني، أن عبد الملك بن عمير قال: آلى امرؤ القيس بن حجر ألا يتزوج امرأة حتى يسألها عن «ثمانية وأربعة واثنين»، فجعل يخطب النساء، فإذا سألهن عن هذا قلن: أربعة عشر، فبينما هو في جوف الليل إذا هو برجل معه ابنة صغيرة له كأنها البدر لتمه، فأعجبته فقال لها: يا جارية، ما ثمانية وأربعة واثنان؟ قالت: أما ثمانية فأطباء الكلبة، وأما أربعة فأخلاف الناقة، وأما اثنان فثديا المرأة؛ فخطبها من أبيها، فزوجه إياها، وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال، فأجابها موافقا، وعلى أن يسوق إليها مئة من الإبل، وعشرة أعبد، وعشر وصائف، وثلاثة أفراس، ثم إنه أرسل عبده إلى المرأة فأهدى إليها نحيا من سمن، ونحيا من عسل، وحلة من قصب، فنزل العبد في بعض المياه فنشر الحلة فلبسها، ثم أتاها - وهي خلوف - فسألها عن أبيها وأمها وأخيها، ودفع إليها هديتها، فقالت له: أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرب بعيدا ويبعد قريبا، وأن أمي ذهبت تشق النفس نفسين، وأن أخي يراعي الشمس، وأن سماءكم انشقت، وأن وعاءكم نضب؛ فقدم الغلام على مولاه فأخبره، فقال: أما قولها: ذهب يبعد قريبا ويقرب بعيدا، فإن أباها ذهب يخالف على قومه، وأما قولها: ذهبت تشق النفس نفسين، فإن أمها ذهبت تقابل نفساء، وأما قولها: أخي يراعي الشمس، فإن أخاها في صرح له يرعاه، وأما قولها: إن سماءكم انشقت، فإن البرد الذي بعثت به انشق، وقولها: إن وعاءكم نضب، فإن النحيين اللذين بعثت بهما نقصا، فاصدقني، فقص عليه الغلام القصة.

ثم إن امرأ القيس ساق مئة من الإبل، وخرج نحوها ومعه الغلام، فقام الغلام يسقي الإبل، فعجز عنها، فأعانه امرؤ القيس، فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أهل المرأة بالإبل وأخبرهم أنه زوجها، فقيل لها: قد جاءك زوجك . فقالت: والله لا أدري أزوجي أم لا؟ ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها، ففعلوا وأكل، ثم قالت: اسقوه لبنا خائرا أي حامضا؛ فشرب، فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، فنام.

فلما أصبحت أرسلت إليه: إني أريد أن أسألك. فقال: سليني عما شئت. فقالت: مم تختلج شفتاك؟ فقال: لتقبيلي إياك. قالت: فمم يختلج فخذاك؟ فقال: لتوركي إياك. قالت: عليكم فشدوه وثاقا، ففعلوا.

واجتاز قوم بأمرئ القيس فأخرجوه من البئر، فرجع إلى حيه وساق مئة من الإبل، وأقبل إلى امرأته فقيل لها: قد جاء زوجك، فقالت: والله لا أدري أزوجي أم لا؟ ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا، فلما أتوه بذلك قال: فأين الكبد والسنام واللحى؟! وأبى أن يأكل. فقالت: اسقوه لبنا خائرا، فأتى به، فأبى أن يشربه، وقال: أين الضريب والريبة؟! فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم، فأبى أن ينام. وقال: افرشوا لي على القلعة الحمراء، واضربوا عليها خباء، ثم أرسلت إليه: هلم شرطتي عليك في المسائل الثلاث، فأرسل إليها: أن سلي عما شئت، فأرسلت إليه: مم تختلج شفتاك؟ قال: لشرب الشعشعات. قالت: فمم يختلج كشحاك؟ قال: للبسي المحبرات. قالت: فمم يختلج فخذاك؟ قال: لركوبي المطهمات. قالت: هذا زوجي لعمري فعليكم به، واقتلوا العبد، فقتلوه.

ودخل امرؤ القيس بالجارية التي أحبها حين رآها، فأعجب بجمالها، وسألها، فكان جوابها شافيا.

وكانت بذكائها جديرة بأن تكون قرينة محبوبة له.

ولاء أم عقبة لابن عمها غسان

كانت أم عقبة، وهي امرأة من بني يشكر عند ابن عم لها يقال له: غسان، ولما شعر بدنو أجله، أو قرب موته سألها عما تصنع بعده قائلا:

أخبري بالذي تريدين بعدي

والذي تضمرين يا أم عقبه

تحفظين من بعد موتي لما قد

كان مني من حسن خلق وصحبه

أم تريدين ذا جمال ومال؟

وأنا في التراب في سجن غربه

فقالت: والله لا أجيبك بكذب، ولأجعلنه آخر حظي منك، وأنشدته:

قد سمعت الذي تقول وما قد

يا ابن عمي تخاف من أم عقبه

أنا من أحفظ الوداد وأرعا

ه لما قد أوليت من حسن صحبه

سوف أبكيك ما حييت بنوح

ومراث أقولها أو بندبه

فلما سمعها أنشأ يقول:

أنا والله واثق بك لكن

احتياطا أخاف غدر النساء

بعد موت الأزواج يا خير من عو

شر، فارعي لي حق حسن الوفاء

إنني قد رجوت أن تحفظي العه

د، فكوني إذا مت عند الرجاء

زواج حاتم الطائي

6

أخبرنا محمد بن الحسن بن دريد قال: أخبرنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي، عن عمه، وأبو حاتم عن أبي عبيدة قال: كانت امرأة من العرب، ذات جمال وكمال، وحسب ومال، قد آلت أن لا تزوج نفسها إلا كريما، ولئن خطبها لئيم لتجدعن أنفه، فتحاماها الرجال، حتى انتدب لها زيد الخيل، وحاتم بن عبد الله، وأوس بن حارثة بن لام الطائيون، فارتحلوا إليها، فلما دخلوا عليها قالت: مرحبا بكم، ما كنتم زوارا، فما الذي جاء بكم؟ فقالوا: جئنا زوارا وخطابا.

قالت: أكفاء كرام؛ فأنزلتهم، وفرقت بينهم، وأسبغت لهم القرى، وزادت فيه.

فلما كان اليوم الثاني بعثت بعض جواريها متنكرة في زي سائلة، تتعرض لهم، فدفع لها زيد وأوس شطر ما حمل إلى كل واحد منهما، فلما صارت إلى رحل حاتم دفع إليها جميع ما حمل إليه.

فلما كان اليوم الثالث، دخلوا عليها فقالت: ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره، فابتدر زيد وأنشأ يقول:

هلا سألت بني نبهان ما حسبي

عند الطعان إذا ما احمرت الحدق

وجاءت الخيل محمرا بوادرها

بالماء يسفح عن لباتها العلق

والخيل تعلم أني كنت فارسها

والجار يعلم أني الوابل الغدق

هذا الثناء، فإن ترضي فراضية

أو تسخطي فإلى من تعطف العنق

وقال أوس بن حارثة: إنك لتعلمين أنا أكرم أحسابا وأشهر أفعالا من أن نصف أنفسنا لك، أنا الذي يقول فيه الشاعر:

إلى أوس بن حارثة بن لام

ليقضي حاجتي فيمن قضاها

فما وطئ الحصا مثل ابن سعدى

ولا لبس النعال ولا احتذاها

وأنا الذي عقت عقيقته فأعتقت عن كل شعرة منها نسمة، وأنشأ يقول :

فإن تنكحي ماوية الخير حاتما

فما مثله فينا ولا في الأعاجم

فتى لا يزال الدهر أكبر همه

فكاك أسير أو معونة غارم

وإن تنكحي زيدا ففارس قومه

إذا الحرب يوما أقعدت كل قائم

وإن تنكحيني تنكحي غير فاجر

ولا جارف جرف العشيرة هادم

ولا متق يوما إذا الحرب سمرت

بأنفسها نفسي كفعل الأشايم

وإن طارق الأضياف لاذ برحله

وجدت ابن سعدى للقرى غير عاتم

7

فأي هدى أهدى لك الله فاقبلي

فإنا كرام من رؤوس الأكارم

وأنشأ حاتم يقول:

أماوي قد طال التجنب والهجر

وقد عذرتني في طلابكم العذر

أماوي إما مانع فمبين

وإما عطاء لا ينهنهه الزجر

أماوي ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

وقد علم الأقوام لو أن حاتما

أراد ثراء المال كان له وفر

إلى أن أتى على القصيدة، وهي مشهورة. فقالت: أما أنت يا زيد، فقد وترت العرب، وبقاؤك مع الحرة قليل. وأما أنت يا أوس، فرجل ذو ضرائر، والصبر عليهن شديد.

وأما أنت يا حاتم، فمرضي الخلائق، محمود الشيم، كريم النفس، قد زوجتك نفسي.

حب سحيم لعائشة بنت طلحة

قال أبو الحسن علي المدائني:

تزوج سحيم بن حفص بعائشة ابنة طلحة عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو أبو عذرتها، فولدت له أولادا، منهم طلحة الذي يقول له الشاعر:

أيا طلح إن كنت أعطيتني

جمالية تستخف الضفارا

فما كان نفعك لي مرة

ولا مرتين ولكن مرارا

أبوك الذي بايع المصطفى

وسار مع المهتدي حيث سارا

وقال أيضا عن سحيم: صارمت عائشة زوجها، وكان في خلقها زعارة، وكان يلقى منها البلاء، فقيل له: طلقها، فقال:

وإن فراقي أهل بيت أودهم

لهم زلفة عندي لإحدى العظائم

فكيف يصفو العيش من بعد بينهم

وسخطهم يوما ... عن الأنف خاطمي

وخطبها مصعب بن الزبير فقالت: إن تزوجته فهو على كظهر أمي، ثم سألت أهل المدينة فقالوا: اعتقي رقبة وتزوجيه، فتزوجها فأصدقها خمس مئة ألف، وأهدى لها خمس مئة ألف؛ فقال أنس بن أبي أنس بن زنيم:

تعطى الفتاة بألف ألف كامل

وتبيت سادات الجنود جياعا

لو في أبي حفص أقول مقالتي

وأبثه ما قد أرى لارتاعا

فبلغ الشعر عبد الله بن الزبير فقال: إن مصعبا قدم خيره.

وقال أبو الحسن عن الشعبي: كان يجالسنا أيام الفتنة رجل فقلت: من أنت؟ قال: مولى عائشة بنت طلحة، خطبها مصعب بن الزبير وتزوجها فأحبها، وكانت امرأة جميلة في أذنها عظم، وفي ساقها حموشة.

8

وقال قوم: في قدمها عظم.

وروي عن الشعبي أنه قال: أخذ بيدي معصب، فمضى وأنا معه حتى دخل منزله ويده في يدي، فرفع سترا فإذا عائشة، وإذا هي أحسن الناس وجها، فأعرضت وخلاني ودخل، فرجعت، ثم رحت إليه بالعشي وهو جالس، فأشار إلى بيده وقال: أرأيت ذاك الإنسان؟ قلت: نعم. فقال: أفرأيت مثله؟ فقلت: لا. قال: تلك ليلى التي يقول فيها الشاعر:

وما زلت من ليلى لدن طر شاربي

إلى اليوم أخفي حبها فأباين

9

وأحمل في ليلى لقلبي ضغينة

وتحمل في ليلى علي الضغائن

يا شعبي: رأيت عائشة وما يدلك إذ رأيتها من صلة، ثم قال لابن أبي فروة: أعط الشعبي عشرة آلاف درهم وعشرين ثوبا، فقتل عنها مصعب، وأنبأ الحسن قال: قال سلم بن قتيبة: رأيت عائشة بنت طلحة بمكة في المسجد، فسلمت عليها، وانتسبت لها، فبكت وقالت: يرحم الله مصعب، ثم أرادت النهوض، فأخذت امرأتان بيديها - وعندها نسوة - فاعتمدت على المرأتين، فما كادت أن تستقل حتى خذلها وركاها، فقالت إحدى المرأتين: إنا بك لمتعبات، وكانت مديدة الجسم، مكتنزة اللحم، على نصيب وافر من حسن الصورة وإشراقها.

الثريا وعمر بن أبي ربيعة

10

حدثنا الزبير بن بكار، عن مسلمة المخزومي عن أيوب: أن عمر بن أبي ربيعة كان متعلقا بالثريا بنت علي بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر، وكانت أهل ذلك جمالا وتماما، وكانت تصيف بالطائف، وكان عمر يغدو عليها على فرسه، فيسأل الركبان الذين يحملون الفاكهة من الطائف عن الأخبار، فلقي يوما بعضهم فسأله عن أخبارهم، فقال: ما استطرقنا خبرا، إلا أنني سمعت عند رحيلنا صوتا وصياحا عاليا على امرأة من قريش نسيت اسمها، ولعله نجم في السماء. فقال عمر: الثريا؟ قال: نعم.

وكان عمر قبل ذلك قد بلغه أنها عليلة، فوجه فرسه إلى الطائف يركضه، وسلك أخشن الطرق وأقربها، حتى انتهى إلى الثريا، وقد توقعته وهي تتشوق له فوجدها سليمة ومعها أختاها: رضيا، وأم عثمان، فأخبرها الخبر، فضحكت وقالت: أنا أمرتهم لأختبر ما لي عندك، فقال عمر في ذلك هذا الشعر:

تشكى الكميت الجوى لما جهدته

وبين لو يسطيع أن يتكلما

فقلت له: إن ألق للعين قرة

فهان علي أن تكل وتسأما

لذلك أدنى دون خيلي رباطه

وأوصى به ألا يهان ويكرما

عدمت إذن وفري وفارقت مهجتي

لئن لم أقل قرنا إن الله سلما

فقال مسلمة بن إبراهيم: قلت لأيوب بن مسلمة: أكانت الثريا كما يصف عمر ابن أبي ربيعة؟ فقال: وفوق الصفة، كانت والله كما قال عبد الله بن قيس:

حبذا الحج والثريا ومن بال

خيف من أهلها وما في الرحال

يا سليمان إن تلاق الثريا

تلق عيش الخلود قبل الهلال

درة من عقائل البحر بكر

لم يشنها مثاقب للآلي

تعقد المئزر السخام من الحر

على حقو بادن مكسال

وحدثنا عمر بن شبة قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: زعم عبيد بن يعلى قال: حدثني كثير بن كثير السهمي قال: لما ماتت الثريا، أتاني الغريض فقال لي: قل أبيات شعر أنح فيها على الثريا، فقلت:

ألا يا عين مالك تدمعينا

أمن رمد بكيت فتكحلينا؟

أم أنت حزينة تبكين شجوا

فشجوك مثله أبكي العيونا!

أبو الأسود الدؤلي وامرأته وابنهما

قال صاحب «سناء المهتدي»:

تنازع أبو الأسود الدؤلي وامرأته في ابن لهما، وترافعا إلى زياد - وأراد كل أخذه - فقالت المرأة: أصلح الله الأمير، هذا ابني، كان بطني وعاءه، وحجري فناءه، وثديي سقاءه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل بذلك سبعة أعوام، حتى استوفى فصاله، وكملت خصاله، واستوكعت أوصاله، وأملت نفعه، ورجوت دفعه، أراد أن يأخذه مني كرها، فأنصفني فقد أراد قهري، وحاول قسري.

فقال أبو الأسود: حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه، وأنظر في تقويم أوده، وأمنحه علمي، وألهمه حلمي، حتى يكمل عقله، ويستكمل نبله.

فقالت المرأة: صدق أصلحك الله؛ حمله خفا، وحملته ثقلا، ووضعه شهوة، ووضعته كرها.

فقال زياد: اردد على المرأة ولدها فهي أحق به منك، ودعنا من سجعك.

المجرد والمرأة التي تبعها

قال ابن وهب: تبعت جارية إلى منزلها، طامعا فيها، فسقتني نبيذا وغنت على عودها بصوت ما سمعت أعذب منه، ولا أنفذ إلى القلب:

كأني بالمجرد قد علته ...

نعال القوم أو خشب السواري

فقلت لها: جعلت فداءك، لم أفهم هذا الشعر، ولا أحسبه مما يغنى به. قالت: أنا أول من تغنى به، وإنما هو بيت لا يدرى قائله ومعه بيت آخر.

قلت: سريني بأن تغنيه لعلي أفهم. قالت: ليس هذا وقته، هو آخر ما أتغنى به.

قال: وجعلت لا أنازعها شيئا إجلالا لها وإعظاما، فلما أمسينا وجاءت العشاء الأخيرة، وضعت عودها، فقمت فصليت وما أدري كم صليت عجلة وتشوقا، فلما سلمت، قلت: تأذنين لي - جعلت فداءك - في الدنو منك؟

قالت: هذا لك، ولكن بعد أن يتجرد كل منا، ثم ذهبت كأنها تريد أن تخلع ثيابها، فكدت أن أشق ثيابي من العجلة للخروج منها، ولما قمت بين يديها متجردا. قالت: انته إلى زاوية البيت، وأقبل إلي مقبلا ومدبرا. قال: وبينا أنا في طريقي إلى الزواية، أردت اجتياز حصير في الغرفة، فما كدت أن أستقر فوقه حتى هبط بي في خرق تحته، وإذا أنا في السوق مجردا، وإذا شيخان هناك قد كمنا في ناحية، وأعدا نعالهما، فلما هبطت عليهما بادراني فقطعا نعالهما على قفاي، وجاء أهل السوق، فشاركوهم في ضربي حتى أنسيت اسمي، وبينما أنا أخبط بنعال مخصوفة، وأيد ثقال، وخشب دقاق، إذا صوت من فوق البيت يغني:

كأني بالمجرد قد علته

نعال القوم أو خشب السواري

ولو علم المجرد ما أردنا

لبادرنا المجرد في الصحاري

هوامش

الشعراء العشاق

جميل بثينة

1

إنه لمعلوم أن بثينة محبوبة جميل قائد الشعر، وقد نسب بعض الشعراء بنساء مخصوصة، واشتهر كل واحد منهم بمن تغزل بها، فاشتهر جميل ببثينة، واشتهر كثير بعزة، وعروة بن حزام بعفراء، وقيس مجنون بني عامر بليلى، وقيس بن ذريح بلبنى، والمرقش بفاطمة، وذو الرمة بمية وهي الخرقاء، والعباس بن الأحنف بفوز.

وبعض الشعراء لا يلتزم التغزل بامرأة مخصوصة كامرئ القيس.

وبثينة مصغر بثنة - قال صاحب الصحاح: البثنة - بالتسكين: الأرض اللينة، وبتصغيرها سميت: بثينة.

أما قصة جميل بن معمر العذري، فقد روى صاحب «الأغاني» بسنده، قال: اجتمع جميل مع جماعة من رهطه يتحدثون، فقال بعضهم: بالله حدثنا بأعجب يوم لك مع بثينة. قال: نعم، منعت من لقائي مدة، وتعرضت لها جهدي، فلم أصل إليها، فبينما أنا ذات ليلة جالس بين شجرات بالقرب من حيها، وقد أقمت ثلاثا أنتظرها، إذا شخص قد أقبل إلي، فجلست وانتضيت سيفي، فلم ألبث أن غشيني الشخص، فإذا هي بثينة قد أكبت علي؛ فأدهشنى ذلك، وبقيت متحيرا لا أحير جوابا إليها، ولا أراجعها كلمة حتى برق الصبح، وما استطعت أن أكلمها.

قالوا: فهل قلت في ذلك شيئا؟ فأنشدهم قصيدة طويلة، وهذه أبيات من أولها:

أهاجك أم لا بالتناضب مربع

ورسم بأحراج الغديرين، بلقع

ديار لليلى

2 ... إذ نحل بها معا

وإذ نحن منها في المودة نطمع

فيارب حببني إليها، وأعطني ال

مودة منها، أنت تعطي وتمنع

وإلا ... فصبرني وإن كنت كارها

فإني بها يا ذا المعارج مولع

فإن يك قد شطت نواها وقد نأت

فإن القوى مما تشت وتجمع

جزعت غداة البين لما تحملوا

وما كان مثلي يا بثينة يجزع

تمتعت منها يوم بانوا بنظرة

وهل عاشق من نظرة يتمتع؟

وروى صاحب الأغاني عن الهيثم أن جميلا طال مقامه بالشام، ثم قدم وبلغ بثينة خبره، فراسلته مع بعض نساء الحي، تذكر شوقها إليه، ووجدها به، وواعدته لموضع يلتقيان فيه، فصار إليها، وحادثها طويلا، وأخبرها بحاله بعدها.

قال: وقد كان أهلها رصدوها، فلما فقدوها تبعها أبوها وأخوها حتى هجما عليها، فوثب جميل فسل سيفه وشد عليهما، فاتقياه بالهرب، وناشدته بثينة بالانصراف وقالت: إن أقمت فضحتني، ولعل الحي أن يلحقوك، فأبى وقال: أنا مقيم، وامضي أنت وليصنعوا ما أحبوا، فلم تزل تناشده حتى انصرف، وقد هجرته مدة طويلة ولم تلقه، فقال هذه الأبيات الستة:

بمختلف الأرواح بين سويقة

وأحدب

3

كادت بعد عهدك تخلق

4

أضرت بها النكباء

5

كل عشية

ونفح الصبا

6

والوابل

7

المتبعق

8

وقفت بها حتى تحلت عمايتي

9

ومل الوقوف الأرحبي

10

المنوق

11

وقال خليلي: إن ذا لصبابة

ألا تزجر القلب اللجوج فيلحق

تعز وإن كانت عليك كريمة

لعلك من أسباب

12

بثنة تعتق

فقلت له: إن البعاد يشوقني

وبعض بعاد البين والنأي أشوق

كثير عزة

من «بلاغات النساء»

13

ما حدثنيه الزبير بن بكار، قال: حدثني سليمان بن عباس السعدي قال: كان كثير بن عبد الرحمن يلقى من يحج من قريش في كل سنة بهدية، فغفل سنة عنهم، حتى أصبح يوما فركب من منزله بكلبة جملا، واستقبل الشمس في يوم صائف، فلم يأت قديدا حتى احترق وضجر، وجاء وقد راح الناس، إلا فتى من قريش تخلف ومعه راحلة له، على أن يلحق بهم.

قال الفتى القرشي: فإني لجالس إذ أقبل كثير فجلس إلى جنبي ولم يسلم، ثم جاءت امرأة جميلة وسيمة، فاستندت إلى خيمة من خيام قديد، ثم قالت له: أنت كثير بن أبي جمعة؟ قال: نعم. قالت: أنت الذي تقول:

وكنت إذا ما جئت أجللن مجلسي

وأعرضن عني هيبة لا تجهما

قال: نعم. فتأملت وجهه مبتسمة وقالت: أعلى مثل هذا الوجه هيبة؟ إن كنت كاذبا فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

فقال لها: كثير: من أنت؟ واحتد عليها وهي ساكتة، ثم قال لها: لو أعلم من أنت لقطعتك وقطعت قومك هجاء. فلما سكن، قالت له: أأنت الذي تقول:

متى تنتشروا عني العمامة تبصروا

جميل المحيا أغفلته الدواهن؟

أنت جميل المحيا؟! إن كنت كاذبا فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

فضجر كثير، وسكتت عنه حتى سكن. ثم قالت: أنت الذي يقول:

يروق العيون الناظرات كأنه

هرقلي وزن أحمر التبر وازن

أهذا الوجه يروق العيون؟ إن كنت كاذبا فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. فازداد ضجرا، وقال: قد أعلم من أنت، ولأقطعنك وقومك، وقام، فالتفت فإذا هي قد ذهبت.

قال القرشي: فلما كان منصرفي من قديد، سألت مولاة هناك عن تلك المرأة، وقلت لها: لك علي إن أخبرتني من هي أن أطوي لك ثوبي هذين إذا قضيت إحرامي، وآتيك بهما فأدفعهما إليك. قالت: والله لو أعطيتني وزنهما ذهبا ما أخبرتك من هي. هذا كثير - وهو مولاي - قد أبيت أن أخبره من هي.

قال القرشي: فرحت وبي أشد مما بكثير!

عمر بن أبي ربيعة

كان عمر بن أبي ربيعة

14

معروفا بشغفه حبا في النساء، وعشقا لمحاسنهن، والتشبيب بمن يهواها، وهذه أبيات له:

فلما تقضى الليل إلا أقله

وكادت توالي نجمه تتغور

أشارت بأن الحي قد حان منهم

هبوب ولكن موعد لك عزور

فلما رأت من قد تنبه منهم

وأيقاظهم قالت: أشر كيف تأمر؟

فقلت: أباديهم فإما أفوتهم

وإما ينال السيف ثأرا فيثأر

فقالت: أتحقيقا لما قال كاشح

علينا، وتصديقا لما كان يؤثر

فإن كان ما لا بد منه فغيره

من الأمر أدنى للخفاء وأستر

أقص على أختي بدء حديثنا

وما لي من أن تعلما متأخر

لعلهما أن تبغيا لك مخرجا

وأن ترحبا صدرا بما كنت أحصر

فقالت لأختيها: أعينا على فتى

أتى زائرا والأمر للأمر يقدر

فأقبلتا، فارتاعتا ... ثم قالتا:

أقلي عليك اللوم فالخطب أيسر

يقوم فيمشي بيننا متنكرا

فلا سرنا يفشو ولا هو يبصر

فكان مجني دون من كنت أتقي

ثلاث شخوص: كأعيان ومعصر

من شعر أمية بن الصلت في الغزل

قال أمية بن أبي الصلت من قصيدة له من «الطويل»:

ألا حييا ليلى أجد رحيلي

وآذن أصحابي غدا بقفول

تبدت له ليلى ليذهب عقله

وشاقتك أم الصلت بعد ذهول

أريد لأنسى ذكرها وكأنما

تمثل لي ليلى بكل سبيل

إذا ذكرت ليلى تغشتك عبرة

تعل بها العينان بعد نهول

وكم من خليل قال لي: هل سألتها ؟

فقلت: نعم ، ليلى أضل خليل

وأبعده ليلا، وأوشكه قلى

وإن سئلت عرفا فشر مسول

لقد كذب الواشون ما بحت عددهم

بليلى، ولا أرسلتهم برسول

فإن حاول الواشون عني بكذبة

فروها، ولم يأتوا لها بحويل

فلا تعجلي يا ليل أن تتفهمي

بنصح أتى الواشون أم بحبول

فإن تبذلى لي منك يوما مودة

فقدما تخذت الفرض عند بذول

وإن تبخلي يا ليل عني فإنني

توكلني نفسي بكل بخيل

ولست براض من خليلي بنائل

قليل، ولا أرضى له بقليل

وليس خليلي بالملول، ولا الذي

إذا غبت عنه باعني بخليل

ولكن خليلي من يديم وصاله

ويحفظ سري عند كل دخيل

ولم أر من ليلى نوالا أعده

ألا ربما طالبت غير منيل

يلومك في ليلى وعقلك عندها

رجال، ولم تذهب لهم بعقول

يقولون: ودع عنك ليلى ولا تهم

بقاطعة الأقران ذات خليل

فما انتفعت نفسي بما أمروا به

ولا عجبت من أقوالهم بفتيل

وقالوا: نأت فاختر من الصبر والبكا

فقلت: البكا أشفى إذن لغليلي

توليت محزونا وقلت لصاحبي:

أقاتلتي ليلى بغير قتيل؟!

لقد أكثر الواشون فينا وفيكم

ومال بنا الواشون كل مميل

وما زلت من ليلى لدن طر شاربي

إلى اليوم كالمقصى بكل سبيل

حب امرئ القيس

من بين جبال اليمن السعيدة - وقد اشتهرت بخصب أرضها - جبل يقال له: ضارج ... وهو جبل معروف يعلو سفحه نبات أخضر يسمى «العرمض»، ويعلو الماء فيه مكان مرتفع يقال له «طامي»، ويقال له أيضا: ثور الماء، لتفجر ثورانه من بين صخور وأحجار.

وقد ذكر البكري أن ركبا من اليمن خرجوا يريدون رسول الله

صلى الله عليه وسلم

فأصابهم ظمأ شديد كاد يقطع أعناقهم، فلما أتوا «ضارجا» وهو ذلك الجبل الذي يفيء عليه الظل وارفا جميلا من نبات العرمض، بخضرته اليانعة، ورائحته الطيبة ... ذكر أحدهم قول امرئ القيس:

ولما رأت أن الشريعة همها

وأن البياض من فرائضها دامي

تيممت العين

15

التي عند «ضارج»

يفيء عليه الظل عرمضها طامي

16

وإنه لخبر عجيب - سقناه - على أثر من آثار الطبيعة التي أبدع الله صنعها.

ذو الرمة ومية

اشتهر ذو الرمة بحب خرقاء، ولقبت: مية. ومما يؤثر عنه أنه يخاطب نفسه - في قصيدة طويلة كلها غزل ونسيب - فيقول:

إذا قلت ودع وصل خرقاء واجتنب

زيارتها تخلق حبال الوسائل

وأهلة ود قد تبريت ودهم

وأبليتهم في الحمد جهدي ونائلي

توبة وليلى الأخيلية

أخبرنا أبو الحسن علي بن سليمان، وأبو إسحاق الزجاج، عن أبي العباس محمد بن يزيد المبرد قال: ثبتت الروايات والأخبار أن «ليلى الأخيلية»

17

لم تكن امرأة توبة بن الحمير ولا أخته، ولا كان بينهما نسب شابك، إلا أنهما كانا جميعا من بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وكان يحبها وتحبه، فأقاما على حب عفيف دهرا، وتلك هي السنة في عشاق بني عذرة وغيرهم، إلى أن قتل توبة، وكان سبب قتله أنه كان يطلبه بنو عوف فأحسوا قدومه من سفره، فأتوه طروقا، وبينه وبين الحي مسيرة ليلة، ومعه أخوه «عبد الله»، ومولاه «قابض»، فهرب وأسلماه، ففي ذلك تقول «ليلى»:

دعا قابضا والمرهفات تنوشه

فقبحت مدعوا، ولبيت داعيا

فيا ليت عبد الله حل مكانه

فأودى، ولم أسمع لتوبة ناعيا

ومن جيد ما ترثيه به قولها:

فأقسمت، أبكي بعد توبة هالكا

وأحفل من دارت عليه الدوائر

لعمرك ما بالموت عار على الفتى

إذا لم تصبه في الحياة المغاير

فلا الحي مما يحدث الدهر سالم

ولا الميت إن لم يصبر الحي ناشر

وكل شباب أو جديد إلى بلى

وكل امرئ يوما إلى الله صائر

فلا يبعدنك الله توبة هالكا

أخا الحرب إذ دارت عليه الدوائر

وأقسمت لا أنفك أبكيك ما دعت

على غصن ورقاء أو طار طائر

قتيل بني عوف فيا لهفتا له

وما كنت إياهم عليه أحاذر

قال أبو القاسم رحمه الله: قولها: «أقسمت أبكي بعد توبة هالكا»، أي: لا أبكي بعد توبة هالكا. والعرب تضمر «لا» في القسم مع المعنى - لأن الفرق بينه وبين الموجب قد وقع بلزوم الموجب اللام والنون - كقولك: والله لأخرجن، وقال الله عز وجل:

تالله تفتأ تذكر يوسف ، أي : لا تفتأ تذكر يوسف. وقولها: «ولا الميت إن لم يصبر الحي ناشر» يقال: نشر الله الموتى فنشروا، أي أحياهم فحيوا.

قال الشاعر:

لو أسندت ميتا إلى نحرها

عاش ولم ينقل إلى القابر

حتى يقول الناس مما رأوا

يا عجبا للميت الناشر

ومن أغرب ما روي في (الصدى) ما رواه أبو علي من أن ليلى الأخيلية مرت مع زوجها في بعض نجعهم بالموضع الذي فيه قبر توبة، وكانت متزوجة في بني الألكح بن عبادة بن عقيل، فقال لها زوجها: لا بد أن أعرج بك إلى قبر توبة كي تسلمي عليه؛ حتى أرى هل يجيب صداه - كما زعم - حيث يقول:

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت

علي، ودوني جندل وصفائح

لسلمت تسليم البشاشة ... أو زقا

إليها صدى من جانب القبر صائح

فقالت له: وما تريد من رمة وأحجار؟! فقال: لا بد من ذلك، فعدل بها عن الطريق إلى القبر، وذلك في يوم قائظ، فلما دنت راحلتها من القبر، ورفعت صوتها بالسلام عليه، إذا بطائر قد استظل بحجارة القبر من فيح الهاجرة، فطار، فنفرت راحلتها ووقعت، فماتت!

وفي هذا الخبر ما يحقق ويصدق أن: البلاء موكل بالنطق. كما يروى أن أحد المولعين بالخمر قال:

إذا مت فادفني إلى جنب كرمة

تروي عظامي في الممات عروقها

ولا تدفنوني في الفلاة فإنني

أخاف إذا ما مت ألا أذوقها

وبعد حين من ذلك، مات ذلك المولع بالخمر، وزار قبره ذاكر له فإذا هو عليه عريش، فتعجب من ذلك!

عبيد الله بن طاهر وجاريته

أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج - قال: أخبرنا أبو العباس المبرد قال: دخلت على عبيد الله بن عبد الله بن طاهر - وقد فصد فظننت أن ذلك لعلة، فأكثرت له من الدعاء، فقال: خفض عليك أبا العباس، فليس ذلك لعلة، وانظر ما تحت البساط، فنظرت فإذا رقعة فيها:

حلف الظريف بقطعه يده

إن مس من يهواه بالألم

حتى إذا ضاق الفضاء به

جعل الفصاد تحلة القسم

قلت: حسن أيها الأمير، فما سببه ؟ قال: مددت البارحة يدي إلى إحدى الجواري بالضرب، فألمت لما نالها من الألم، فحلفت بقطع يدي، فأفتيت بالفصد، ففعلت، وأنشدنا الأخفش لأبي نواس:

ما بال قلبك لا يقر خفوقا

وأراك ترعى النجم والعيوقا

وجفون عينك قد نثرن من البكا

فوق المدامع لؤلؤا وعقيقا

لو لم يكن إنسان عينك سابحا

فى بحر دمعته لمات غريقا

بحر هوى ليس له شط

أخبرنا أبو بكر محمد بن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: دخل بعض الشعراء على يحيى بن خالد البرمكي، وبين يديه جارية يقال لها: خنساء، وكانت شاعرة ظريفة، فقال له: اعبث بها، فأنشأ يقول:

خنساء خنساء وحتى متى

يرتفع الناس وتنحط

قد صرت نضوا فوق فرش الهوى

كأنني من دقتي خيط

فقالت خنساء:

وكيف منجاي وقد حل بي

بحر هوى ليس له شط

يدركك الوصل فتنجو به

أو يقع الهجر فتنحط

حب زينب بنت إسحاق النصراني

من فوائد الرضي الشاطبي المذكور، ما ذكره أبو حيان في الحب قال: وهو من غريب ما أنشدنا الإمام اللغوي رضي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي لزينب بنت إسحاق النصراني:

عدي وتيم لا أحاول ذكرهم

بسوء ولكنى محب لهاشم

وما يعتريني في علي ورهطه

إذا ذكروا في الله لومة لائم

يقولون: ما بال النصارى تحبهم

وأهل النهى من أعرب وأعاجم

فقلت لهم: إني لأحسب حبهم

سرى في قلوب الخلق حتى البهائم

التائب من الحب

قال الحجازي:

18

قال عبد الوارث: كان فيمن يقرأ علي مملوك مليح الوجه، رضي الخلق، حاد الذكاء. فخلوت به يوما، وداعبته بعبارات تنبئ عن شدة شغفي به، فقال لي: حذار أن تعود لمثل هذا الكلام، فللجدران آذان، ورب عثرة لسان أودت بإنسان ... ولكن إذا لم تستطع الكتمان، فاكتب لي ما تحب أن تقوله في ورقة فتكون في أمان واطمئنان.

قال: فلما سمعت ذلك منه تمكن الطمع مني، وكتبت في ورقة:

يا من له حسن يفوق به الورى

صل هائما قد ظل فيك محيرا

وامنن علي بساعة في خلوة

إن كنت تطمع في الهوى أن تؤجرا

وكتبت تحت البيتين كلاما كثيرا في هذا المعنى، ثم دفعت إليه الورقة خلسة.

فلما حصلت الورقة عنده كتب إلي في غيرها: إنك لتعلم أني من بيت عريق في التقوى، وسأبقي عندي خطك شاهدا على ما فرط منك، ولئن لم تنته لأطلعن عليها أبي وغيره؛ فتصيبك فضيحة الأبد.

أما إن انتهيت فلن أخبر بها أحدا أبدا.

فلما وقفت على خطه علمت قدر ما وقعت فيه، وجعلت أرغب إليه في أن يرد الرقعة إلي، فأبى وقال: هي عندي رهن على وفائك بألا ترجع إلى التكلم في ذلك الشأن.

ولم يسعني إلا أن امتثلت؛ لأني رأيت صيانتي وناموسي في يده، وتبت عن مثل هذه المداعبات.

هوامش

الحب والجمال

حب امتداح النساء

كان أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي من الشعراء المطبوعين على حب امتداح من يراه من النساء، عن براءة في القصد، تحمل في طياتها روحا لا تؤمن إلا بالواقع، مهما يكلفه ما قصد إليه، دون أن يقيم لذلك وزنا في استجلاب مرضاة أحد، ومهما يعترضه من خصوم أو لائمين، فمن وسائط قلائده:

مضت الشبيبة والحبيبة فالتقى

دمعان في الأجفان يزدحمان

ما أنصفتني الحادثات رمينني

بمودعين، وليس لي قلبان

وقوله من أخرى:

قلت للعين حين شامت جمالا

من بروق كواذب الإيماض

لا يغرنك هذه الأوجه الغر

فيارب حية في رياض

وقوله من أخرى أيضا:

خليلي عهدي بالليالي صوافيا

فما بالها أبدلن جيما بصادها؟

ولا تحسبا عيشي علي فإنني

أؤرخ يوم الموت يوم افتقادها

ولست أحب الضوء إلا لوجهها

ولا البدر إلا طالعا من بلادها

ولو أنني أنصفتها ورعيتها

لسار فؤادي في طريق فؤادها

خليلي هل أبصرتما مثل أدمعي

نفدت وحق الله قبل نفادها

وقال بعض الحكماء: ما آنس الإنسان، ولا عمر المكان، ولا سلى الأحزان، ولا أعان على الزمان مثل البيض العوان.

وفي كتاب مسلم، أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم

قال: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة».

وفي كتاب «الأربعين » للثقفي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سئل النبي

صلى الله عليه وسلم : أي النساء خير؟ فقال: التي تسره إذا نظر، ولا تعصيه إذا أمر، ولا تخالفه فيما يكره من نفسها، ولا ماله.

وفي «الشهاب»: «النظر إلى المرأة الحسناء يزيد في البصر»، ولله در أبي نواس إذ يقول:

يزيدك وجهه حسنا

إذا ما زدته نظرا

وقال شاعر آخر:

ويقبح من سواك الفعل عندي

فتفعله فيحسن منك ذاكا

وقال غيره:

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد

جاءت محاسنه بألف شفيع

أعرابي يصف امرأة

قال العتبي:

1

سمعت أعرابيا يصف امرأة فقال: بيضاء جعدة، لا يمس الثوب منها إلا مشاشة كتفيها، وحلمة ثدييها، ورضفي ركبتيها، وجانبي أليتيها، وأنشد:

أبت الروادف والثدي لقمصها

مس البطون وأن تمس ظهورا

وإذا الرياح مع العشي تناوحت

نبهن حاسدة، وهجن غيورا

وقال آخر: ليت فلانة حظي من أملي، ولرب يوم سرته إليها حتى قبض الليل بصري دونها، وإن من كلام النساء ما يقوم مقام الماء فيشفي الظماء.

وذكر أعرابي امرأة فقال: تلك شمس باهت بها الأرض شمس سمائها، وليس لي شفيع في اقتضائها، وإن نفسي لكتوم لدائها، ولكنها تفيض عند امتلائها. أخذ هذا المعنى حبيب فقال:

ويا شمس أرضيها التي تم نورها

فباهت بها الأرضون شمس سمائها

شكوت وما الشكوى لمثلي عادة

ولكن تفيض النفس عند امتلائها

وقيل لأعرابي: ما بال الحب اليوم على غير ما كان عليه قبل اليوم؟ قال: نعم، كان الحب في القلب، فانتقل إلى المعدة، إن أطعمته شيئا أحبها، وإلا فلا. كان الرجل إذا أحب امرأة ظل حولا يطوف بدارها، ويفرح إن رأى من رآها، وإن ظفر منها بمجلس تشاكيا وتناشدا الأشعار، وإنه اليوم يشير إليها وتشير إليه، ويعدها وتعده، فإذا اجتمعا لم يشكوا حبا، ولم ينشدا شعرا.

وقال أعرابي يشكو لوعة الحب وكتمانه وصبره على من يحبه، ولا يطيق سلوانه:

شكوت فقالت: كل هذا تبرما

بحبي، أراح الله قلبك من حبي

فلما كتمت الحب قالت: لشد ما

صبرت، وما هذا بفعل شجي القلب

وأدنو فتقصيني فأبعد طالبا

رضاها، فتعتد التباعد من ذنبي

فشكواي تؤذيها، وصبري يسوءها

وتجزع من بعدي، وتنفر من قربي

فيا قوم هل من حيلة تعلمونها؟

أشيروا بها، واستوجبوا الشكر من ربي

الوصف بعد المشاهدة

2

اشتهر القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني بروائع الكلم في نظم الشعر، واتخذ لنفسه طرائق سهلة، غاية في البساطة، فكان يسمو بوصف ما أحس به، واستساغه، ويكسوه من رقة المعاني أسلوبا جميلا يقربه إلى الفهم، حتى يتذوق أنغامه المستمع شرابا عذبا سلسبيلا، ويملأ به المحزون صدره نسيما صافيا عليلا، ومن بدائع طرفه قوله:

أفدي الذي قال وفي كفه

مثل الذي أشرب من فيه

الورد: قد أينع في وجنتي

قلت: فمي باللثم يجنيه

وقوله، ولم أسمع في التعريض بالالتحاء أحسن منه:

قد برح الحب بمشتاقك

فأوله أحسن أخلاقك

لا تجفه وارع له حقه

فإنه آخر عشاقك

وقوله في فصد الحبيب:

يا ليت عيني تحملت ألمك

وليت نفسي تقسمت سقمك

وليت كف الطبيب إذ فصدت

عرقك أجرت من ناظري دمك

أعرته صبغ وجنتيك كما

تعيره إن لثمت من لثمك

طرفك أمضى من حد مبضعه

فالحظ به العرق واغتنم ألمك

وقوله من قصيدة أولها:

من أين للعارض الساري تلهبه

وكيف طبق وجه الأرض صيبه

هل استعان جفوني فهي تنجده

أم استعار فؤادي فهو يلهبه

ومنها:

بجانب الكرم من بغداد لي قمر

لولا التجمل ما أنفك أندبه

وصاحب ما صحبت الدهر مذ بعدت

دياره، وأراني لست أصحبه

في كل يوم لعيني ما يؤرقها

من ذكره ولقلبي ما يعذبه

وما البعاد دهاني، بل خلائقه

ولا الفراق شجان، بل تجنبه

وله أيضا:

وقالوا اضطرب في الأرض فالرزق أوسع

فقلت: ولكن مطلب الرزق ضيق

إذا لم يكن في الأرض حر يعينني

ولم يك لي كسب، فمن أين أرزق؟

أسنان النساء

3

قال أبو الحسن الأخفش: من أحسن ما قيل في ترتيب أسنان النساء - وإن كان شعرا ضعيفا - قول ضمرة للنعمان بن المنذر، وقد سأله وصف النساء:

متى تلق بنت «العشر» قد نص ثديها

كلؤلؤة الغواص يهتز جيدها

تجد لذة منها لخفة روحها

وغرتها، والحسن بعد يزيدها

وصاحبة «العشرين»: لا شيء مثلها

فتلك التي تلهو بها وتريدها

وبنت «الثلاثين»: الشفاء حديثها

هي العيش ما رقت ولا دق عودها

وإن تلق بنت «الأربعين» فغبطة

وخير النساء: أودها وولودها

وصاحبة «الخمسين»: فيها بقية

من الحسن واللذات، صلب عمودها

وصاحبة «الستين»: لا خير عندها

وفيها ضياع، لا حريص يريدها

وصاحبة «السبعين»: إن تلف معرسا

عليها فتلكم خزية يستفيدها

وذات «الثمانين»: التي قد تجللت

من الكبر الفاني وقد وريدها

وصاحبة «التسعين»: يرعش رأسها

وبالليل مقلاق قليل هجودها

ومن طالع الأخرى، فقد ضل عقله

وتحسب أن الناس طرا عبيدها

دارة يلعب فيها البدر

4

عرف الشيخ سعيد السمان الدمشقي، بحب الجمال، وشغف بتصوير ما يعشق تصويرا حساسا، ومن قوله مضمنا مصراعه الأخير:

يا رب ظبي كالمدام حديثه

فيسيغه سمعي وعقلى يطرب

قد خلته شمس النهار بكفه

مرآة حسن لونها يتذهب

والوجه فيها لائح فكأنها

هي دارة والبدر فيها يلعب

وقال العالم أحمد المتيني، مضمنا نفس المصراع:

عاتبته وكأنه من لطفه

راح تكاد لها اللواحظ تشرب

بالعقل والشطرنج يلعب وهو في

فسطاط حسن للمسرة يجلب

يحكي الزمرد خضرة فكأنما

هي دارة والبدر فيها يلعب

المرأة والطيب

5

يحملن أترجة نضخ العبير بها

كأن تطيابها في الأنف مشموم

الأترجة هنا: كناية عن المرأة شبهها بها في طيب رائحتها، وما في لونها من الصفرة وكانت العرب تكره بياض اللون المفرط، ولذلك كانوا يعيبون قول الأعشى:

ومن كل بيضاء رعبوبة

لها بشر ناصع كاللبن

وكانوا يستحسنون قول ذي الرمة:

صفراء في نعج بيضاء في دعج

كأنها فضة قد مسها ذهب

نتف الوجه بالخيط

6

قال الناظم: لما استقر بنا المقام، بين إقدام وإحجام، ودفعنا الحنين إلى ما يحمد عقباه، قرأنا على أبي بكر بن دريد رحمه الله:

فلما مضى شهر وعشر لعيرها

وقالوا: يجيء الآن قد حان حينها

أمرت من الكتان خيطا وأرسلت

جريا إلى أخرى قريبا تعينها

هذه امرأة تنتظر عيرا تقدم وزوجها فيها ، فأرادت أن تنتف وجهها بالخيط وتتهيأ له. والجري: الرسول. يقول: أرسلته إلى جارة لها تستعين بها في نتف وجهها بالخيط للتزين. وبعد هذا سار مسترسلا معبرا عن الخيط بالسلك؛ لأنه أقرب إلى المعنى، وأسلس في المبنى، فقال:

فما زال يجري السلك في حر وجهها

وجبهتها حتى ثنته قرونها

ثنته: كفته. وقرونها: ذوائبها، ومنه قول مجنون ليلى لزوجها:

بربك هل ضممت إليك ليلى

قبيل الصبح أو قبلت فاها؟

وهل رفت عليك قرون ليلى

رفيف الأقحوانة في شذاها

تشبيه المرأة ببدر السماء

بدت لميس كأنها

بدر السماء إذا تبدى

قوله: «كأنها بدر السماء» في موضع الحال للمرأة، أي: بدت مشبهة البدر، و«إذا تبدى» ظرف لما دل عليه كأن من معنى الفعل، أي: برزت هذه المرأة كاشفة عن وجهها، كأنها قد أرسلت نقابها، ودل على هذا بقوله: «كأنها بدر السماء إذا تبدى»، وإنما فعلت ذلك إما للتشبيه بالإماء حتى تأمن السباء، أو لما تداخلها من الرعب. ومثله قول الشاعر:

ونسوتكم في الروع باد وجوهها

يخلن إماء، والإماء حرائر

لقاء فتى جميل الوجه في الجنة

ذكر المبرد عن أبي كامل، عن إسحاق بن إبراهيم، عن رجاء بن عمرو النخعي قال: كان بالكوفة فتى جميل الوجه، شديد التعبد والاجتهاد، فنزل في جوار قوم من النخع، فنظر إلى جارية منهن جميلة، فهويها وهام بها عقله، ونزل بالجارية ما نزل به، فأرسل يخطبها من أبيها، فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها، فلما اشتد عليهما ما يقاسيانه من ألم الهوى، أرسلت إليه الجارية: قد بلغنى شدة محبتك لي، وقد اشتد بلائي بك، فإن شئت زرتك، وإن شئت سهلت لك أن تأتي إلى منزلي. فقال للرسول: ولا واحدة من هاتين الخلتين؛

إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ، أخاف نارا لا يخبو سعيرها، ولا يخمد لهيبها.

فلما أبلغها الرسول قوله، قالت: وأراه مع هذا يخاف الله، والله ما أحد أحق بهذا من أحد، وإن العباد فيه لمشتركون، ثم انخلعت من الدنيا، وألقت علائقها خلف ظهرها، وجعلت تتعبد، وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وشوقا إليه حتى ماتت من ذلك، فكان الفتى يأتي قبرها فيبكي عنده، ويدعو لها؛ فغلبته عينه ذات يوم على قبرها، فرآها في منامه في أحسن منظر، فقال لها: كيف أنت وما لقيت؟ قالت:

نعم المحبة يا سؤلي محبتكم

حب يقود إلى خير وإحسان

فقال: على ذلك إلام صرت؟ فقالت:

إلى نعيم وعيش لا زوال له

في جنة الخلد ملك ليس بالفاني

فقال لها: اذكريني هناك، فإني لست أنساك. فقالت: ولا أنا والله أنساك، ولقد سألت مولاي ومولاك أن يجمع بيننا، فأعني على ذلك بالاجتهاد. فقال لها: متى أراك؟ فقالت: ستأتينا عن قريب فترانا. فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال حتى مات رحمه الله.

وذكر الزبير بن بكار أن عبد الرحمن بن أبي عمار نزل مكة، وكان من عباد أهلها، فسمي القس من عبادته، فمر يوما بجارية تغني، فوقف فسمع غناءها فرآه مولاها، فأمر أن يدخل عليها فأبى، فقال له: فاقعد في مكان تسمع غناءها ولا تراها. ففعل فأعجبته، فقال له مولاها: هل لك أن أحولها إليك؟ فامتنع بعض الامتناع، ثم أجابه إلى ذلك. فنظر إليها فأعجبته، فشغف بها وشغفت به.

وعلم بذلك أهل مكة، فقالت له ذات يوم: أنا والله أحبك، فقال: وأنا والله أحب ذلك. قالت: فما يمنعك؟ فإن الموضع خال! قال لها: ويحك، إني سمعت الله يقول:

الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، فأنا والله أكره أن يكون صلة ما بيني وبينك في الدنيا عداوة يوم القيامة، ثم نهض وعيناه تذرفان بالدموع من حبها!

تكني المرأة بالشاة أو البيضة

7

خرج الرشيد في بعض أسفاره، فأخرج معه أخته علية، وكان قد بلغه أنها تعجب بغلام له اسمه «رشا» فأبعده، وقيل قتله، ثم إنها علقت من بعده غلاما آخر اسمه «طل»، فكانت تكثر من ذكرها له. فقال لها الرشيد: والله لئن ذكرته لأقتلنك، فدخل عليها يوما على حين غفلة وهي تقرأ قوله تعالى:

فإن لم يصبها وابل فطل ، فلما شعرت به قرأت أول الآية:

فإن لم يصبها وابل ، ثم أمسكت حتى لا تذكر اسم (طل)، وأكملت قائلة: «فإن لم يصبها وابل ... فالذي نهى عنه أمير المؤمنين»؛ فابتسم الرشيد، وقال لها: «ولا هذا أيضا يا أخية».

وقيل: إنه أخرج ذلك الغلام من قصره؛ فطار قلبها حزنا لفراقه، وقالت:

أيا سرحة البستان طال تشوقي

فهل لي إلى ظل إليك سبيل؟

متى يشتفي من ليس يرجى خروجه

وليس لمن يهوى إليه دخول

فانظر كيف ورت «بظل عن طل» بعد أن قدمت ذكر السرحة - وهي الشجرة - لتتمكن من لفظة ظل فتبعد التهمة. وكثيرا ما تذكر العرب لفظة السرحة أو الشاة أو البيضة أو القلوص، وهي الشابة من الإبل، وتكنى بذلك عن المرأة.

وكانت أم حكيم من أجمل نساء وقتها، ومن أشجع الناس وأحسنهم بديهة، خطبها جماعة من أشراف الخوارج فردتهم، وكانت مع أمير الخوارج قطري بن الفجاءة، في جند (الأباضية)، فكانت ترتجز في تلك الحروب وتقول:

أحمل رأسا قد سئمت حمله

وقد مللت دهنه وغسله

ألا فتى يحمل عني ثقله؟

والخوارج يفدونها بالآباء والأمهات، وكان «قطري» يشبب بها، وفيها يقول في وقعة دولاب، وهو من رقيق الغزل:

لعمرك إني في الحياة لزاهد

وفي العيش ما لم ألق «أم حكيم»

من الخفرات البيض لم ير مثلها

شفاء لذي بث ولا لسقيم

لعمرك إني يوم ألطم وجهها

على نائبات الدهر جد لئيم

ولو شاهدتني يوم دولاب أبصرت

طعان فتى في الحرب غير ذميم

غداة طغت علماء بكر بن وائل

وعجنا صدور الخيل نحو تميم

فلم أر يوما كان أكثر مقعصا

يمج دما من فايظ وكليم

وضاربة حدا كريما على فتى

أغر نجيب الأمهات، كريم

أصيب بدولاب ولم تك موطنا

له أرض دولاب، ودير حميم

فلو شاهدتني يوم ذاك وخيلنا

تبيح من الكفار كل حريم

رأت فتية باعوا الإله نفوسهم

بجنة عدن عنده ونعيم

أسماء النساء

8

ولابن الوردي في «أسما»:

أرى أسما إذا غضبت وصدت

أكاد من الغرام أموت سقما

وإن هي واصلتني طاب قلبي

كأني بت أوقيه بأسما

وفيها أيضا:

قد لامني في حب أسما عاذل

أجرى مدامع مقلتي بدما

فاعجب لمجرى مدامع أوقفتها

من فعل ذاك الحرف في أسما

وفي آمنة:

قد وعدتني بالوفا آمنه

وقد غدت بالرضا آمنه

كيف يخاف القلب من بينها

ومهجتي أضحت بها آمنه

وفيها أيضا:

هيفاء كالغصن الرطيب قوامها

محبتها في لجة القلب كامنه

تهددني بالهجر في الوصل عامدا

فأصبح منها خائفا وهي آمنه

وللأزهري في أنس:

آنست بالوصل مذ جاءت به أنس

يوما وعاذلها قد باء بالخرس

عن مالك قد روى نيران وجنتها

لكن حديث اللقا أرويه عن أنس

وله في حليمة:

قالوا حليمة صبحت

بفرط وجدي عليمه

لم لا ترق لحالي

في الحب وهي حليمه

وفي خديجة:

خديجة قد سبتني

بنار خد وهيجه

وكانت الروح تقسو

والآن روحي خديجه

وفيها أيضا:

تعشق في الهوى قلبي فتاة

تزين البدر ذو حسن بهيجه

أموت بحبها شوقا وأحيا

إذا ناديت يا ستي خديجه

وفي زينب:

وعرض بذكري حين تسمع زينب

وقل ليس يخلو ساعة منك آله

عساها إذا ما مر ذكري بسمعها

تقول فلان عندكم كيف حاله؟

وفي سلمى:

لسلمى من لواحظها سهام

لها في القلب فتك أي فتك

إذا رامت تشك به فؤادا

يموت المستهام بغير شك

وفي عائشة:

أيا دهر خبرني بحقك واشفني

فسهام فكري في أموري طايشه

أيحل أني في المحبة ميت

وحبيبتي من بعد موتي عايشه

وفيها أيضا:

شغل القلب بقد أهيف

تركت منه العوالي طايشه

أنت دعني أن أمت في حبها

ثم دعها بعد عيني عايشه

وفي فاطمة:

فاطمة مذ كنت طفلا بها

مت جوى وهي بذا عالمه

كم أرضعتني وصلها بالهنا

ثم انثنت لي بأنها فاطمه

وفيها أيضا:

هيفاء كالغصن لها قامة

عادلة مع أنها ظالمه

قد أرضعت طفل الهوى مرة

بوصلها ثم انثنت فاطمه

وفيها أيضا:

قاتلتي قد أصبحت

والبحر منها كاظمة

ناديتها يا مهجتي

ما الاسم؟ قالت: فاطمه

وللأزهري في نفيسة:

نفيسة بالبها ملكت فؤادي

وأضحت في ملاحتها رئيسه

وقد حازت لفرط سنا بهاها

وذات الحسن مرتبة نفيسه

ولابن الجميل في عالمة:

عالمة عاملة بالجفاء

قامتها عادلة ظالمه

قلت لها: هل تعلمين الذي

ألقاه قالت: إنني عالمه

وله أيضا فيها:

عالمة لها على

كرسيها فضل جسيم

وأوتيت من كل شي

ولها عرش عظيم

ولابن الوردي في قابلة:

أقول لقابلة أدمعي

على حبها تقطع السابله

أنا رجل مقبل للقا

قالت: وأنا امرأة قابله

وله في كاتبة:

كاتبة توقيع نسخ الجفا

يصدر عن سمتها الراحمه

تكتم أسرار رقاعي لها

أحسن بها كاتبة كاتمه

وله في فقيهة:

تفقهت في عذابي

وبالغت في جدالي

خود تسيط غرامي

عن طرفها الغزالي

وللأزهري في خياطة:

أحببتها كالبدر خياطة

منزلها في القلب والطرف

فلي ركوب الفرج من وصلها

وللرقيب الشل بالكف

وله في عجانة:

كلف الفؤاد بظبية عجانة

ما كنت يوما آمنا من هجرها

عجنت فؤادي بالغرام فماؤها

من أدمعي ودقيقها من خصرها

وله في جبانة، أي بائعة الجبن:

بايعة جبن مذ همت بها

رأى الورى روحي بها تعبانه

وكل أهل الحي قد تحققوا

بأنني أموت في الجبانه

وله في مسحرة:

عجبت في رمضان من مسحرة

بديعة الحسن إلا أنها ابتدعت

جاءت تسحرنا يوما فقلت لها

كيف السحور وهذي الشمس قد طلعت

ولابن الوردي في رومية:

رومية الأصل لها مقلة

تركية صارمها هندي

تفضحني وجنتها فاعجبوا

من وجنة فاضحة الوردي

وله في مصرية:

مصرية كأنها بدر

فجل من خلق

تملقني مكرا ولا

ينكر من مصر الملق

وله في شامية:

شامية شامة بوجنتها

يرق لي في حبها الشامة

أخشى من الملامة إذا قبلتها

فشوم بختي ينطق الصامت

وله في بدوية:

وبي من البدو كحلاء الجفون بدت

في قومها كمهاة بين آساد

فلو بدت لحسان الحضر قمن لها

على الرؤوس وكان الفضل للبادي

وله في عراقية:

بي هيفاء من بنات العراق

أطلقت أدمعي وشدت وثاقي

ثم قالت: أتيت من باب أبرز

بالعطايا رأيت باب الطاق

وله في مشرقية:

جاءت من المشرق لا مالنا

في عينها شيء ولاجا هنا

وقالت: احذر يا فتى فتنة

للناس، والفتنة من ها هنا

وله في مغربية:

يا بنات الشرق حاذرن السطا

إن بنت الغرب في موكبها

ما ظهر البدر من مشرقه

كطلوع الشمس من مغربها

وللأزهري في مجوسية:

عابدة النور سنا نورها

أوضح لي في الحب أعذارا

قد أحرقت قلبي بهجرانها

فالويل ممن يعبد النارا

وله في نصرانية:

زنار بنت النصارى

فخ لها أي فخ

رجائي الشد منه

وكثرة الشد ترخي

وقال آخر في مليحة تلعب الشطرنج:

لاعبتها الشطرنج ثم ضربتها

بالرخ شاة تسترت بالفيل

قالت: فنفسك، قلت: حصنتها

لكن خذي فرسي هناك وفيلي

هوامش

الغزل ووصف النساء

الغزل والتغزل والفرق بينهما

1

قيل لأبي السائب المخزومي: أترى أحدا لا يشتهي النسيب؟

فقال: أما من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا!

والنسيب والتغزل والتشبيب كلها بمعنى واحد.

قيل: الغزل هو إلف النساء والتخلق بما يوافقهن، فمن جعله بمعنى التغزل فقد أخطأ. وقد نبه على ذلك «قدامة»، وأوضحه في كتابه «نقد الشعر».

وقال الحاتمي: من حكم النسيب الذي يفتتح به الشاعر كلامه، أن يكون ممزوجا بما بعده من مدح أو ذم، متصلا به غير منفصل منه، فإن القصيدة مثلها مثل خلق الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد من الآخر وباينه في صحة التركيب، غادر بالجسم عاهة تتخون محاسنه وتعفي معالم جماله.

يا ليل الصب متى غده؟

2

من نوادر الطرائف ما ذكره «ابن بشكوال» في كتاب الصلة، كما ذكره الحميدي أيضا، وهو: كان أبو الحسن علي الحصري القيرواني ابن خالة أبي اسحاق صاحب «زهر الآداب» حافظا فاقها، وأديبا عالما بالقراءات وطرقها.

وقد أقرأ الناس القرآن الكريم في «سبتة» وغيرها، وله قصيدة نظمها في قراءات نافع عدد أبياتها مائتان وتسعة، وله ديوان شعر، ومن قصائده السائرة القصيدة المشهورة التي أولها:

ياليل الصب متى غده

أقيام الساعة موعده

وقد وازنها صاحبنا الفقيه نجم الدين موسى بن محمد الكناني أبو الفضائل المعروف بالقمراوي رحمه الله بأبيات من جملتها:

قد مل مريضك عوده

ورثى لأسيرك حسده

لم يبق جفاك سوى نفس

زفرات الشوق تصعده

هاروت يعنعن في السحر

إلى عينيك ويسنده

وإذا أغمدت اللحظ فتكت

فكيف وأنت تجرده

كم سهل خدك وجه رضا

والحاجب منك يعقده

ما أشرك فيك القلب فكم

في نار الهجر يخلده

أما قصيدة أبي الحسن على الحصري القيراواني فهي:

يا ليل الصب متى غده

أقيام الساعة موعده

رقد السمار فأرقه

أسف للبين يردده

فبكاه النجم ورق له

مما يرعاه ويرصده

كلف بغزال ذي هيف

خوف الواشين يشرده

نصبت عيناي له شركا

في النوم فعز تصيده

وكفى عجبا أني قنص

للسرب سباني أغيده

صنم للفتنة منتصب

أهواه ولا أتعبده

صاح والخمر جنى فمه

سكران اللحظ معربده

ينضو من مقلته سيفا

وكأن نعاسا يغمده

فيريق دم العشاق به

والويل لمن يتقلده

كلا، لا ذنب لمن قتلت

عيناه ولم تقتل يده

يا من جحدت عيناه دمي

وعلى خديه تورده

خداك قد اعترفا بدمي

فعلام جفونك تجحده

إني لأعيذك من قتلي

وأظنك لا تتعمده

بالله هب المشتاق كرى

فلعل خيالك يسعده

ما ضرك لو داويت ضنى

صب يدنيك وتبعده

لم يبق هواك له رمقا

فليبك عليه عوده

وغدا يقضى أو بعد غد

هل من نظر ... يتزوده

يا أهل الشوق لنا شرق

بالدمع يفيض مورده

يهوى المشتاق لقاءكم

وصروف الدهر تبعده

ما أحلى الوصل وأعذبه

لولا الأيام تنكده

بالبين وبالهجران، فيما

لفؤادي كيف تجلده

الحب أعف ذويه أنا

غيري بالباطل يفسده

استحسان وضاءة الوجه

3

كان لعز الدولة غلام ذكي وضيء الوجه، ولفرط ميله إليه جعله رئيس سرية جردت للحرب، ولم يستحسن المهيلمي ذلك منه، فكتب إليه:

ظبي يرق الماء في

وجناته ويروق عوده

ناطوا بمعقد خصره

سيفا ومنطقة تؤوده

جعلوه قائد عسكر

ضاع الرعيل ومن يقوده

وكانت الدائرة على جيش الغلام كما أشار المهيلمي!

وفي «خزانة الأدب» للبغدادي ج3:

الجارية: جميلة من بعيد، مليحة من قريب، والجميلة هي التي تأخذ بصرك جملة، فإذا دنت منك لم تكن كذلك، والمليحة هي التي كلما كررت بصرك منها زادتك حسنا.

وقيل: الجميلة هي السمينة من الجميل وهو الشحم ، والمليحة: هي البيضاء، والصبيحة كذلك، من الصبح لبياضه.

وروى أنس عن النبي

صلى الله عليه وسلم

أنه قال: «حسن الوجه مال».

وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: «اطلبوا الخير عند حسان الوجوه».

وقال ابن عمر: قال

صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة تجلو البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن».

ونظمها الشاعر فقال:

ثلاثة يذهبن للمرء الحزن

الماء والخضرة والوجه الحسن

كواكب لا كواعب

كان عبد العزيز بن سرايا، وهو الإمام العلامة شاعر عصره على الإطلاق، وقد أجاد القصائد المطولة والمقاطيع، وأتى بما أخجل زهر النجوم في السماء، كما قد أزرى بزهر الأرض في الربيع، تطربك ألفاظه المصقولة، ومعانيه المعسولة، ومقاصده التي كأنها سهام راشقة، وسيوف مسلولة.

وكان مولده يوم الجمعة خامس شهر ربيع الآخر سنة 677ه، ورحل إلى مصر سنة 726، واجتمع بالقاضي علاء الدين بن الأثير ومدحه، كما مدح السلطان الملك الناصر بقصيدة وازى بها قصيدة المتنبي التي أولها: «بأبي الشموس الجانحات غواربا»، وفيها يقول:

أسبلن من فوق النهود ذوائبا

فتركن حبات القلوب ذوائبا

وجلون من صبح الوجوه أشعة

غادرن فود الليل منها شائبا

بيض دعاهن الغبي كواعبا

ولو استبان الرشد قال كواكبا

سفهن رأي المانوية عندما

أسبلن من ظلم الشعور غياهبا

وسفرن لي، فرأين شخصا حاضرا

شدهت بصيرته، وقلبا غائبا

أشرقن في حلل كأن أديمها

شفق تدرهمه الشموس جلاببا

وغربن في كلل، فقلت لصاحبي: «بأبي الشموس الجانحات غواربا»

ومعربد اللحظات يثني عطفه

فيخال من فرح الشبيبة شاربا

حلو التعتب والدلال يروعه

عتبي، ولست أراه إلا عاتبا

عاتبته فتضرجت وجناته

وازور ألحاظا وقطب حاجبا

فأراني الخد الكليم فطرفه

ذو النون إذ ذهب الغداة مغاضبا

ذو منظر تغدو القلوب بحسنه

نهبا وإن منح العيون مواهبا

لا غرو إن وهب اللواحظ حظوة

من نوره، وغدا لقلبي ناهبا

كل فتاة بأبيها معجبة

4

أرجوزة للأغلب العجلي، يقول فيها:

كريمة أخوالها والعصبه

قباء ذات سرة مقعبه

كأنها حقة مسك مذهبه

ممكورة الأعلى رداح الحجبه

كأنها حلية سيف مذهبه

أهوى لها شيخ شديد العصبه

ثم انثنت به فويق الرقبه

فأعلنت بصوتها: أن يا أبه «كل فتاة بأبيها معجبه»

أصل بليتي من قد غزاني

5

من روائع شعر عبد العزيز بن الحسين بن الحباب الأغلبي السعدي الصقلي المعروف بالقاضي الجليس - ما يدعو إلى الحكمة في غزله - وقد عاش نحوا من سبعين عاما، كما تولى ديوان الإنشاء للفائز مع الموفق بن الخلال، ومن مداعبته:

حيا بتفاحة مخضبة

من شفتي حبه وتيمني

فقلت: ما إن رأيت مشبهها

فاحمر من خجلة فكذبني

وقال أيضا:

وأصل بليتي من قد غزاني

من السقم الملح بعسكرين

طبيب طبه كغراب بين

يفرق بين عافيتي وبيني

أتى الحمى وقد شاخت وباخت

فعاد لها الشباب بنسختين

ودبرها بتدبير لطيف

حكاه عن سنين أو حنين

فكانت نوبة في كل يوم

فصيرها بحذق نوبتين

وقال أيضا:

يا وارثا عن أب وجد

فضيلة الطب والسداد

وحاملا رد كل نفس

همت عن الجسم بالبعاد

أقسم لو قد طبيب دهرا

لعاد كونا بلا فساد

وقال من جناس بديع:

رب بيض سللن باللحظ بيضا

مرهفات جفونهن جفون

وخدود للدمع فيها خدود

وعيون قد فاض منها عيون

وقال أيضا:

حبذا متعة الشباب يع

ذر في حبها خليع العذار

إذ بذات الخمار أمتع ليلي

وبذات الخمار ألهو نهاري

والغواني لا عن وصال غوان

والجواري إلى جواري جواري

تشبيب عمر بن أبي ربيعة

كانت عائشة ابنه طلحة بن عبد الرحمن بن أبي بكر مديدة الجسم، مكتنزة اللحم، على جانب وافر من الجمال، حسنة الصورة، وفي خلقها أنفة وعزة وصرامة، حتى أن أبا هريرة رآها يوما فسبح وقال: كأنها من الحور.

وقد روى أبو الحسن المدائني، عن عمر وأبي طارق بن المبارك، أن عمر بن أبي ربيعة قال يشبب بعائشة ابنة طلحة:

أصبح القلب في الخيال رهينا

مقصدا يوم فارق الظاعنينا

لم يرعني إلا الفتاة وإلا

دمعها في الرداء سحا سخينا

عجلت حمة الفراق علينا

برحيل ولم تخف أن تبينا

أنت أهوى العباد قربا وودا

لو تواتين عاشقا محزونا

قاده الطرف يوم مر إلى الحي

ن جهارا ولم يخف أن يحينا

وجلا برد بركة جندي

ضوء وجه يضئ للناظرينا

فإذا ظبية تراعى نعاجا

ومها بهج المناظر عينا

قلت: من أنتم؟ فصدت وقالت

أمبد سؤالك العالمينا؟

قلت: بالله ذي الجلالة لما

إذ تبلت الفؤاد أن تصدقينا

أي من تجمع المواسم أنتم

فأبيني لنا ولا تكذبينا

نحن من ساكنى العراق وكنا

قبلها قاطنين مكة حينا

قد صدقناك أن سألت فمن أن

ت عسى أن يجر شأن شؤونا

قد نرى أننا عرفناك بالنع

ت نظن وما قتلنا يقينا

بسواد الثنيتين وثغر

قد نراه لناظر مستبينا

فكانت عائشة تقول: والله ما قلت له هذا وما كلمته قط.

وأنبأنا أبو الحسن عبد الله بن قائد قال: دخلت عائشة بنت طلحة بمكة على الوليد بن عبد الملك فحدثته وقالت: يا أمير المؤمنين، مر لي بأعوان، فصير إليها قوما يكونون معها، فحجت ومعها ستون بغلا عليها الهوادج والرحائل.

صبح المشيب يدل على ليل الشباب

6

قال الأمير أسامة بن منقذ:

قالوا نهاه الأربعون عن الصبا

وأخو المشيب يجوز ثمة يهتدي

كم حار في ليل الشباب، فدله

صبح المشيب على الطريق الأقصد

وإذا عددت سني ثم نقصتها

ومن الهموم فتلك ساعة مولدي

الشاعر الغزال

7

من روائع البيان ما حكاه ابن حبان من أن الأمير عبد الرحمن بن الحكم المرواني وجه شاعره الغزال إلى ملك الروم؛ فأعجب الملك حديثه لما حواه من رقة المعاني، وخف على قلبه ما احتواه من دقة المباني، وسر به سرورا عظيما، ونال من لدنه ودا وتكريما، حتى إنه مال إليه، وقربه لديه، فطلب منه منادمته، إلا أنه امتنع لما أدرك جلية الأمر، معتذرا بتحريم الخمر.

فلما أن كان يوما جالسا عنده، إذ خرجت زوجة الملك وعليها زينتها، ووجهها جميل مشرق، كأنها الشمس الطالعة حسنا وضياء، فما لبث الغزال لا يميل طرفه عنها شغفا بباهر ما استرعاه منها، وجعل الملك يحدثه وهو لاه عن حديثه؛ فأنكر ذلك عليه، وأمر الترجمان بسؤاله، فقال له: عرفه أني قد بهرني من حسن هذه الملكة ما قطعني عن حديثه، فإني لم أر قط مثلها، وأخذ في وصفها، وما شاهده من عجيب جمالها ودلالها، حتى لكأنما شوقته إلى لقاء الحور العين، فلما ذكر الترجمان ذلك لملك الروم زاد إعجابه بالشاعر الغزال، كما سرت الملكة بوصفه لها.

غزال قد غزا قلبي

8

في كتاب «المطرب» حكى أبو الخطاب بن دحية أن الغزال - وشهرة اسمه «غزال» - أرسل إلى بلاد المجوس، وقد قارب الخمسين أو تزيد، وقد وخطه الشيب، ولكنه كان مجتمع الأشد، ضليع الجسم، قسيما وسيما، فسألته يوما زوجة الملك، واسمها (تود) عن سنه، فقال مداعبا: عشرون سنة. فقالت: وما هذا الشيب؟ فقال: وما تنكرين من هذا؟ ألم تري قط مهرا ينتج وهو أشهب؟ فأعجبت بقوله، وقال في ذلك:

كلفت يا قلبي هوى متعبا

غالبت منه الضيغم الأغلبا

إني تعلقت مجوسية

تأبى لشمس الحسن أن تغربا

أقصى بلاد الله في حيث لا

يلفى إليه ذاهب مذهبا

يا تود يا ورد الشباب الذي

تطلع من أزرارها الكوكبا

يا بأبي الشخص الذي لا أرى

أحلى على قلبي ولا أعذبا

إن قلت يوما إن عيني رأت

مشبهه لم أعد أن أكذبا

قالت: أرى (فوديه) قد نورا

دعابة توجب أن أدعبا

قات لها: ما باله ... إنه

قد ينتج المهر كذا أشهبا

فاستضحكت عجبا بقولي لها

وإنما قلت لكي تعجبا

قال: ولما فهمها - الترجمان - شعر «غزال» ضحكت، وأمرته بالخضاب فغدا عليها، وقد اختضب وقال:

بكرت تحسن لي سواد خضابي

فكأن ذاك أعادني لشبابي

ما الشيب عندي والخضاب لواصف

إلا كشمس جللت بضباب

تخفى قليلا ثم يقشعها الصبا

فيصير ما سترت به لذهاب

لا تنكري وضح المشيب فإنما

هو زهرة الأفهام والألباب

فلدي ما تهوين من زهو الصبا

وطلاوة الأخلاق والآداب

غرام أم جنون

من الشعر الرائق ما امتاز به الشاعر أبو الحسن مروان بن عثمان، وقد كان يهيم بوصف محبوبته، ولم يعين لها اسما؛ حتى لا يشهر بها في التشبيب، ولكيلا يعرفها عند العام إلا لمن لمس ودادها من الخاص، وفي الأبيات التي يناجيها بها معان قد جمع فيها حسن التعبير، سحرا حلالا، وكان عفيفا في دقة نظمه، وصفاء تعبيره، فقال:

تمكن مني السقم حتى كأنني

توهم معنى في خفي سؤال

ولو سامحت عيناه عيني في الكرى

لأشكل من طيف الخيال خيالي

سمحت بروحي وهي عندي عزيزة

وجدت بقلبي وهو عندي غالي

وقد خفت أن تقضي علي منيتي

ولم أقض أوطاري بيوم وصال

وهون ما ألقى من الوجد أنه

صدود دلال لا صدود ملال

فلو كان ذاك الصد منه ملالة

شددت عن الدنيا مطي رحالي

ثم ما لبث أن استرسل في مواجيده، واستلهم مشاعر أناشيده. فقال:

ما بال قلبك يستبين

أبه غرام أم جنون

برح الخفاء بما تجن

فأذهب الشك اليقين

حتى مشى بين الجوا

نح والضلوع هوى نفين

وإلى متى قلب المت

يم في يد البلوى رهين

شخصت له فيك العيو

ن وقسمت فيك الظنون

وسلبت ألباب الورى

بلواحظ فيها فتون

وقوام أغصان الريا

ض وأين تدركك الغصون

الحسن في الأغصان فن

وهو في هذا فنون

من أين للأغصان ذا

ك الحسن والسحر المبين؟

أم ذلك الورد الجني

بخده والياسمين؟

سلعوس وسلعسة

9

قال إبراهيم بن المهدي: كنت يوما بحضرة المأمون، فقالت لي «عريب» على سبيل العبث: ياسلعوس. فقلت:

أما لعريب أن ترى غير سلعسه

فكوني كما أنت، تكوني كمؤنسه

فقال المأمون على الفور:

فإن كثرت منك الأقاويل لم يكن

هنالك شك أن ذلك وسوسه

قال إبراهيم: فعجبت من فطنة المأمون. وقلت: كذا - والله - ياأمير المؤمنين قدرت، وإياه أردت!

عاتكة بنت معاوية

حدثني الكراني قال: حدثني العمري عن الهيثم بن عدي، قال: حدثنا صالح بن حسان، قال: وأخبرني بهذا الخبر محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثني محمد بن عمر، قال: حدثني محمد بن السري، قال: حدثنا هشام بن الكلبي عن أبيه يزيد، واللفظ لصالح بن حسان، وخبره أتم. قال: حجت عاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان فنزلت من مكة بذي طوى، فبينما هي ذات يوم جالسة وقد اشتد الحر وانقطع الطريق، وذلك في وقت الهاجرة، إذ أمرت جواريها فرفعن الستر وهي جالسة في مجلسها، عليها شفوف لها، تنظر إلى الطريق، إذ مر بها أبو دهبل الجمحي، وكان من أجمل الناس وأحسنهم منظرا، فوقف طويلا ينظر إليها وإلى جمالها، وهي غافلة عنه، فلما فطنت له سترت وجهها، وأمرت بطرح الستر، وشتمته، فقال أبو دهبل:

إني دعاني الحين فاقتادني

حتى رأيت الظبي بالباب

يا حسنه إذ سبني مدبرا

مستترا عني بجلباب

سبحان من أوقعها حسرة

صبت على القلب بأوصاب

يذود عنها إن تطلبتها

أب لها ليس بوهاب

أحلها قصرا منيع الذرى

يحمى بأبواب وحجاب

وقال أيضا:

طال ليلي وبت كالمحزون

ومللت الثواء في جيرون

وأطلت المقام بالشام حتى

ظن أهلي مرجمات الظنون

فبكت خشية التفرق جمل

كبكاء القرين إثر القرين

وهي زهراء مثل لؤلؤة الغو

اص ميزت من جوهر مكنون

وإذا ما نسبتها لم تجدها

في سناء من المكارم دون

ثم خاصرتها إلى القبة الخض

راء تمشي في مرمر مسنون

قبة من مراجل ضربوها

عند برد الشتاء في قيطون

عن يساري إذا دخلت من البا

ب وإن كنت خارجا عن يميني

ولقد قلت إذ تطاول سقمي

وتقلبت ليلتي في فنون

ليت شعري أمن هوى طار نومي

أم براني الباري قصير الجفون

وصيفة مهدوية في مجلس ابن صمادح

قال ابن بسام:

10

كان المعتصم بن صمادح يوما مع ندمائه، فأبرز لهم وصيفة مهدوية متصرفة في أنواع اللعب المطرب من الدك، وحضر أيضا هناك لاعب مصري ساحر، فكان لعبه حسنا، فارتجل أبو عبد الله بن الحداد:

كذا فلتلح قمرا زاهرا

وتجني الهوى ناظرا ناضرا

وسيبك سيب ندى مغدق

أقام لنا هاميا هامرا

وبان ليومك ذا رونق

منيرا كنور الضحى باهرا

صباح اصطبحنا بإسفاره

لحظنا محيا العلا سافرا

وأطلعت فيه نجوم الكؤوس

فما زال كوكبها زاهرا

وأسمعتنا لاحنا فاتنا

وأحضرتنا لاعبا ساحرا

وثناه ثان لألعابه

دقائق تثنى الحجا حائرا

وفى سورة الراح من سحره

خواطر، دلهت الخاطرا

إذا ورد اللحظ أثناءها

فما الوهم عن وردها صادرا

ومن حسن دهرك إبداعه

فما انفك عارضها ماطرا

وسعدك يجتلب المغريات

فيجعل غائبها حاضرا

وصف جارية المنذر إلى أنو شروان

أهدى المنذر الأكبر

11

إلى أنو شروان، جارية كان قد أصابها إذ أغار على الحارث الأكبر بن أبي شمر الغساني، وكتب إلى أنو شروان يصفها فقال:

إني قد وجهت إلى الملك جارية معتدلة الخلق، نقية اللون والثغر، بيضاء قمراء، وطفاء كحلاء، دعجاء عيناء، قنواء شماء، برجاء زجاء، أسيلة الخد، شهية المقبل، جثلة الشعر، عظيمة الهامة، بعيدة مهوى القرط، عيطاء عريضة الصدر، كاعب الثدي، ضخمة مشاش المنكب والعضد، حسنة المعصم، لطيفة الكف، سبطة البنان، ضامرة البطن، خميصة الخصر، غرثى الوشاح، رداح الإقبال، رابية الكفل، لفاء الفخذين، رياء الروادف، ضخمة المأكمتين، مفعمة الساق، مشبعة الخلخال، لطيفة الكعب والقدم، قطوف المشي، مكسال الضحى، بضة المتجرد، وهي سموع للسيد، ليست بخنساء ولا سفعاء، دقيقة الأنف، عزيزة النفس، لم تغد في بؤس، رزينة حليمة، ركينة، كريمة الخال، تقتصر على نسب أبيها دون فصيلتها، وتستغني بفصيلتها دون جماع قبيلتها، قد أحكمتها الأمور في الأدب، فرأيها رأي أهل الشرف، وعملها عمل أهل الحاجة، صناع الكفين، قطيعة اللسان، رهوة الصوت، ساكنة، تزين الولي، وتشين العدو، إن أردتها اشتهت، وإن تركتها انتهت.

فارس عربي جميل

حكى محمد بن إسحاق

12

قال: كنت مشغولا بأخبار العرب وأشعارها، وأذكر أنها من أغرب الأشعار، وأميل إلى ذكر أيام العرب، وأحب أن أسمعها وأجمعها، فنزل علينا في بعض الأيام فتيان من بني ثعلبة، فذهبت إليهم لأسمع من أشعارهم، وأجمع من أخبارهم، فمررت بفناء خيمة، وإذا غلام ما رأيت مثله قط حسنا وجمالا، له ذؤابتان كأنهما السبح المنظوم، تحت ذلك وجه كالقمر ليلة تمه، وعنده امرأة أحسن منه وأجمل، وأكثر ما أسمع من كلامها (يا بني)، وهو يبتسم لها، وقد غلب عليه الحياء كأنه كاعب عذراء، ولا يرد لها جوابا من الاستحياء؛ فاستحسنت ما رأيت منهما، فدنوت من الخباء، فبصرت المرأة بي، ثم قالت لي: يا حضري، ما حاجتك؟ فقلت: لا حاجة لي إلا الذي استحسنت منك ومن هذا الغلام. فقالت: أتحب أن أسمعك شيئا من خبره، وهو خير لك من نظره؟ فقلت لها: هاتي لله در أبيك. فقالت لي: إني حملته تسعة أشهر، فكنا في عيش ضنك كدر، ورزق نزر حقير، حتى إذا شاء الله أن أضعه، فوضعته - بحمد الله - خلقا سويا، فلا وأبيك ما هو إلا أن وضعته حتى من الله علينا، وأجزل وسهل وتفضل بيمن وجهه وسعادة طلعته، فسميته (مالكا)، ثم أرضعته حولين كاملين، فلما استتم الرضاع نقلته من المهد بيني وبين أبيه، فنشأ بيننا كأنه شبل أسد، نقيه برد الشتاء وحر الصيف، فلما مر عليه خمسة أعوام دفعته إلى مؤدب يعلمه القرآن، فقرأه وتلاه، ونظم الشعر ورواه، حتى أتم سبع عشرة سنة، فأركبته عتاق الخيل فتفرس، وحمل السلاح فتشرس، ومشى بين بيوت الحي، وأصغى إلى صوت الصارخ، وأنا خائفة عليه وجلة مشفقة من الألسنة أن تشينه، ومن الألحاظ أن تعينه، حتى شاء الله أن تصيبنا سنون أجدبت بلادنا، وكاد يهلك كبارنا وأطفالنا، فخرجنا إلى مناهل غير مناهلنا، ونزلنا في غير منازلنا، فخرج أصحابنا لطلب ثأرهم، وخلفه عن الركوب معهم وجع أصابه، فلا وأبيك ما علمنا حتى دهمتنا الخيل من العدو، ولم يتولنا عقل، ولا هدونا. فما كان إلا هنيهة حتى حازوا على الأموال، وانهزم الرجال، وهو في البيت يسألني عن الصوت، وأنا أكاتمه خيفه عليه، حتى علت الأصوات، وبرزت المخبآت، فلما سمع ذلك ثار كما يثور الليث المنضب، وأسرج فرسه، ثم أفرغ عليه لأمة حربه، وتقلد سيفه، واعتقل رمحه. ثم لحق العدو، فطعن أدنى فارس منهم فأرداه قتيلا، فرجعوا إليه، فرأوه ولدا لطيفا، صبيا ظريفا، فعطفوا عليه ... وتلقاهم ضربا بالسيف، وطعنا بالرمح، حتى هلك أكثرهم وفر الباقون!

غنيه شحاذه

لو كان بالصبر الجميل ملاذه

ما سح وابل دمعه ورذاذه

ما زال جيش الحب يغزو قلبه

حتى وهى وتقطعت أفلاذه

لم يبق فيه من الغرام بقية

إلا رسيس يحتويه جذاذه

من كان يرغب في السلامة فليكن

أبدا من الحدق المراض عياذه

لا تخدعنك بالفتور فإنه

نظر يضر بقلبك استلذاذه

يا أيها الرشأ الذي من طرفه

سهم إلى حب القلوب نفاذه

در يلوح بفيك: من نظامه؟

خمر يجول عليه: من نباذه

وقناة ذاك القد: كيف تقومت؟

وسنان ذاك اللحظ: ما فولاذه؟

رفقا بجسمك لا يذوب فإنني

أخشى بأن يجفو عليه لآذه

هاروت يعجز من مواقع سحره

وهو الإمام، فمن ترى أستاذه

تالله ما علقت محاسنك امرأ

إلا وعز على الورى استنقاذه

أغريت حبك بالقلوب فأذعنت

طوعا وقد أودى بها استحواذه

ما لي أتيت الحظ من أبوابه

جهدي، فدام نفوره ولواذه

إياك من طمع المنى، فعزيزه

كذليله، وغنيه: شحاذه

هوامش

العيون

لأعذبن العين

قال الشاعر

1

ابن الصفدي يصف العيون:

هي التي توقع القلب في التعب، وتوفر نصيبه من أسهم الهم والنصب، وترميه بدواعي الهوان، ودواعي الهوى، وتسلمه إلى مكايدة الغرام، ومكابدة الجوى، لو عذبت بطول السهر، وكثرة الدموع، وبفيض الشئون، وعدم الهجوع، وبمسامرة الأحزان والفكر، وبمراقبة النجوم إلى السحر، وبعدم الإغفاء وطول السهر، لكان استحقاقها وجود جود الدمع وإن ظما، وعدم منال المنام وإن نما:

لأعذبن العين غير مفكر

فيما جرت بالدمع أو سالت دما

ولأهجرن من الرقاد لذيذه

حتى يعود على الجفون محرما

هي أوقعتني في حبائل فتنة

لو لم تكن نظرت لكنت مسلما

سفكت دمي فلأسفحن دموعها

وهي التي بدأت وكانت أظلما

ولعل موجب هذه الواعظة، والألفاظ التي هي بالتحذير لافظة أني خرجت في بعض الأيام متفرجا وسارحا، وجائلا بطرفي في الرياض وسائحا، وصحبني صديق لي في المحبة صادق، ورفيق لي فيما أروم موافق، قد ملك كل حسن ولطافة، وجمع كل حذق وظرافة، ينصب لخدمتي لا يمل ولا يسأم، ويتعب في مرضاتي لا يكل ولا يندم، ويجتهد في موافقتي لا يمن ولا ينم، ويحسن مرافقتي لا يذم ولا يذم، قد اتخذته جهينة أخباري، وكنزا لخزائن أسراري، لا أستطيع مفارقة وجهه الجميل، وهو عندي كما قيل:

بروحي من لا أستطيع فراقه

ومن هو أوفى من أخي وشقيقي

إذا غاب عني لم أزل متلفتا

أدور بعيني نحو كل طريق

معاني لفظ العين

للعلامة أحمد السجاعي - المتوفي سنة 1197ه - قصيدة رائعة في معاني لفظ العين، وهي في فنها غريبة قد احتوت على معان في لفظ (عين)، وقد جعل حروف اسمه في أوائل أبياتها بالترتيب، وهذه هي القصيدة كما نقلت من خط الشيخ مصطفى البدري في كراسة «مجموعة لغوية»، وقد وضعنا تفسير كل لفظ عين فيها بين (قوسين) بعده:

أيا ظبي الفلا وكحيل عين

ويا بدر الدجى وضياء عين (الشمس)

حميت من المكاره يا غزالا

حوى كل الكمال بدون عين (العيب)

ملكت القلب مني يا حبيبي

وحق المصطفى المجري لعين (الماء)

دعانا للهداية نعم طه

رسول قد أبان لطرق عين (حقيقة القبلة)

أمين سيد ما فيه شك

به تهدى الأنام بكل عين (الناحية)

له ذات خلت من كل سوء

وقلب قد خلا من شين عين (الرياء)

سما فوق السماء ونال قربا

وخاطب ربه وحظى بعين (النظر)

جميل النفس والأفعال قطعا

صفي خالص من قبح عين (الميل)

أذاع الخير فينا كل وقت

وعوذ أمة من شر عين (إصابة العين)

علا رتبا فليس لها انتهاء

وأظهر دينه لخيار عين (الجماعة)

يقيم شريعة غراء فينا

بها ... كم قد هدى من كل عين (الإنسان)

رؤوف بالعباد رحيم قلب

عظيم القدر سيد كل عين (الكبير)

كريم منتقى، بحر العطايا

فكم منح الأنام جزيل عين (المال)

عظيم مجتبى قد ظللته

لدى حر عظائم كل عين (السحاب)

خليل الله أحمد ذو كمال

مجير الناس من لحظ بعين (المطر)

رحيم بالعباد سريع بأس

على قوم لئام مثل عين (الطائر)

كبير القدر في الدارين حقا

مغيث الناس من حر لعين (شعاع الشمس)

رسول الله أنت لنا ملاذ

لنا فيك الرجا يا نسل عين (الخيار)

فكم صرفت عنا من كروب

بدينا ثم أخرى عمد عين (الجد واليقين)

وخلقك مبدأ الأشياء حقا

حبيبي أنت أول كل عين (الشيء)

عليك الله صلى مع سلام

أصولك مثل ذا من هم كعين (الذهب)

وآل ثم أصحاب جميعا

فهم بذلوا لدين كل عين (الدنيا أو النفس)

وكم قضبوا بسيف الله رأسا

من الأعداء، وكم قهروا لعين (الشديد)

وكم أحيا بهم ربي علوما

مغيبة ومنها ذات عين (الحضور)

كذا أتباعهم ما قال عبد:

أيا ظبي الفلا وكحيل عين (الباصرة)

وصف العين وأسماء أجزائها

في أول كتاب (سحر العيون): الباب الخامس في وصف العين، وأسماء أجزائها، وعيوبها الخلقية وغيرها. قال المؤلف: اعلم يا نور الأعيان، وأعز من إنسان عيون الأجفان، أن (مقلة العين) في اللغة هي: الشحمة التي تجمع السواد والبياض، سميت بذلك من قولهم: مقلت الرجل في الماء: إذا غوصته فيه، وتماقل الرجل في الماء: إذا غاص فيه، وتماقل الرجلان في الماء: إذا تغاوصا فيه؛ ليعلم أيهما أصبر على الغوص، فلما كانت حبة العين غائصة في مائها سميت: المقلة، ويقال: ما مقلت عيني مثل فلان: أي: ما نظرت، قال الشيخ شهاب الدين أحمد الحاجبي:

لها عين غزل وغزل

مكحلة، ولي عين تباكت

وحاكت في فعايلها المواضي

فيا لك مقلة غزلت وحاكت

و(الحدقة): هي السواد الأعظم (في العين)، سميت بذلك لأن البياض محدق بها، ويقال: أحدق القوم به وحدقوا به - لغتان - أي أطافوا به من جميع نواحيه.

وقال الشريف الرضي:

يا قلب مالك لا تفيق وقد رأت

عيناك كيف مصارع العشاق؟

فتكت بك الحدق المراض ولم تزل

تشجي القلوب جناية الأحداق

و(الناظر): السواد الأصغر الذي يبصر فيه الرائي شخصه، والعرب تقول: هو مثالها، وإنسانها، ودوابها، وناظرها، وبصرها، وضيها، وغيرها ولعبتها، وبؤبؤها، وتمثالها، وسوادها، وحبها، ومذلكها.

قال ابن مطرف: وهذه الأسماء كلها لموضع البصر الذي في حاسة البصر، والجمع: نواظر، وليس الذي يرى الرائي صورة نفسه في ذلك الماء لصفائه، ويستدل على صحة الحاسة بما تخيل فيه.

و(الناظران) أيضا: عرقان في العين يسقيان الأنف، يقال إنه لمرتفع الناظرين، ويقال للذي استحيى من أمر: خفض له ناظريه، والناظر يجمع على: نواظر. قال شارح كتاب «الفصيح»: نظرت لعيني ونظرت: انتظرت وتنظرت.

و(نظرت) بمعنى: رحمت وتفكرت. وأنظرت الرجل: أخرته، وأنظرته: جعلته ينتظرني ، وقوله تعالى: (انظرونا) أي: أمهلونا : قال الشيخ برهان الدين القيراطي:

يا قاتلي بنواظر أجفانها

بسيوفها الأمثال فينا تضرب

قل للغزال أو الغزالة إذ رنت

أو لاح يهرب ذا، وتلك تغيب

و(الحماليق): هي بواطن الأجفان، واحدها حملاق، قال ابن مطرف: هي التي تراها - إذ قلبت للكحل - محمرة. وقال الزبيدي: الحماليق: نواحي العين، ويقال لمؤخري العينين مما يلي الصدغين: الحقيمان، الواحد حقيم. والأشفار: هي حروف الأجفان التي ينبت عليها الشعر، والواحد: شفر، ومنه شفير الوادي، وشفير كل شيء حرفه.

قال الشيخ جمال الدين بن نباته:

إذا كان شفر العين فوق محلها

فعندي أنا الأشفار خير من العين

و(الأهداب): الشعر النابت عليها، واحدها: هدب بضم الهاء وسكون الدال المهملة، قال الشيخ برهان الدين:

أهداب لحظك للورى شرك فمن

أوثقته فيهن لا يتفلت

كيف النجاة ورمح قدك مشرع؟

كيف الخلاص وسيف لحظك مصلت؟

و(المحجر): ما دار بالعين، وهو ما يبدو من البرقع والنقاب، وجمعها محاجر، ويقال: محجر بفتح الميم وكسرها، وفتح الجيم وكسرها أيضا، وإنما سمي المحجر محجرا لأنه مفعل من الحجر وهو المنع، فكأنه مانع عن العين من جميع جهاتها، ومنه الحجرة المحيطة بالجدر، والجمع: الحجرات.

قال الأمير سيف الدين المشد وأجاد:

إن العيون لك الحصون: فهدبها

شرفاتها، وجفونها الأسوار

وكذا محاجرها: الخنادق حولها

والحافظون بها هم الأنوار

و(الماق) و(الموق): هو طرف العين مما يلي الأنف، وهو مخرج الدمع من العين، ولكل عين موقان، وفي الموق وفي جمعه لغات كثيرة يقال: مأق بالهمز، وجمعه آماق، وموق غير مهموز، وجمعه أمواق وأماق ومآق. والمقية: لغة في الماق أيضا، والجمع مقى. والماق: مقدمها. وقيل: الموق: مؤخر العين، وماق يجمع على مواق مثل: قاض، وقواض، وفي الحديث: «كان يكتحل من قبل موقه مرة، ومن قبل ماقه أخرى».

قال المتنبي يمدح كافور الأخشيدي:

قواصد كافور توارك غيره

ومن ورد البحر استقل السواقيا

فجاءت به إنسان عين زمانه

وخلت بياضا خلفها و(أماقيا)

و(الألحاظ): جمع لحظ: وهو مؤخر العين الذي يلي الصدغ وجمعها لحاظ، ولواحظ. فأما اللحظة : فهي النظرة، وجمعها: لحظات في القليل، واللحظ في الكثير، ويجوز أن يجعل موضع اللحظة. يقال: لحظ العين مثل: رأي العين، ويقال: لحظ السماء بطرفه يلحظ لحظا فهو لاحظ.

قال شيخ الشيوخ الأنصاري بحماة:

يا نظرة قد جلت لي حسن طلعته

حتى انقضت وأدامتنا على وجل

عاتبت إنسان عيني في تسرعه

فقال لي: خلق الإنسان من عجل

و(الطرف): هو ما مال بأحد السوادين: السواد الأعظم، والسواد الأصغر. قال ابن مطرف: «طرف العين تحرك أشفارها»، ويقال: طرفة عين، والعين المطروفة منه مأخوذ، وهو أن يصيب سوادها شيء فيتأذى صاحبها به، وربما أبطلها، وهي «الطرفة»، قال الشيخ علاء الدين الوداعي:

كم دماء مطلولة في هواه

وبها ورد خده مطلول

وحديث من السقام صحيح

قد رواه عن طرفه مكحول

و(القبل): هو ميل الحدقة في النظر إلى الأنف، وأنشد الثعالبي - وقد استحسنه في «فقه اللغة» له - قول ذي الرمة:

أشتهي في الطفلة القبلا

لا كثيرا يشبه الحولا

وقال جرير:

وما زالت القتلى تمج دماءها

بدجلة حتى ماء دجلة (أشكل)

وقول علاء الدين البديوى:

أنا جد أنصار النبي لأنني

يا أزرق العينين عبد (الأشهل)

وأنشدنى المولى أبو الفتح محمد الرسام الأزهري:

رنت رمت فأصابت

قلبي، وأذكت لهيبه

فهو المصاب بعين (شهلاء) وهي المصيبه

وقال الشيخ جمال الدين بن نباتة:

وأغيد كل شيء فيه يعجبني

كأنما هو مخلوق على شرطي

أجفانه السود ما تخطي إذا رشقت

سهامها، وسهام الليل ما تخطي

وقال علاء الدين الوداعي:

رمتني سود عينيه

فأصمتني، ولم تبطي

وما في ذاك من بدع

سهام الليل ما تخطي

وقال شهاب الدين الزعفريني:

مليك على العشاق، سكران طرفه

فلا عجب للحظ منه يعربد

شكوت إليه أسر قلبي في الهوى

فوقع لي: سحر الجفون يخلد

وقال بشار بن برد:

يا من برايق ريقه يحيي الورى

وبسحر عينيه النواعس تقبل

من سحر عينيك المهاة تعلمت

وكذلك الغزلان منها تغزل

وقال ابن عباد:

ونظرن من خلل الستور بأعين

مرضى يخالطها السقام صحاح

وله أيضا:

وسنان قد خدع النعاس جفونه

فحكى بمقلته ذبول النرجس

مذ غض طرفا بالحياء فإنني

منه استحيت بأن أقبل مؤنسي

وقال الغزي:

كأنما سواد عين منيتي

كعنبر يا أنفسا لوامه

لا تنكروا مقالتي تجاهلا

مع علمكم بأنها لوامه

وقال الشهاب بن القطان:

شاقني (مارس) فول

زهره حاكى عيونك

وابتغى التعريض، قلنا:

لعن الله قرونك

آفة النظر وغائلته

وكنت إذا أرسلت طرفك زايرا

لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر

عليه ولا عن بعضه أنت صابر

ولأبي العباس الصيني:

قم فاسقني بين خفق الناي والعود

ولا تبع طيب موجود بمفقود

كأسا إذا أبصرت في القوم محتشما

قال السرور له قم غير مطرود

نحن الشهود وخفق العود خاطبنا

نزوج ابن سحاب بنت عنقود

وله أيضا:

يقر الله عينك يا جفوني

فقد أعتقت من رق السهاد

ويا عيني لك البشرى فنامي

وتهنيك السلامة يا فؤادي

رغبت عن الهوى وهربت منه

إليك وكنت دهري في جهاد

وله أيضا:

سقتني لتروي الراح روحا وحققت

مواعيدها ذات الوشاح بإنجاز

على نرجس حيت به فكأنها

أناملها انضمت على حدق البازي

وله أيضا:

إذا ضاق صدري وخفت العدا

تمثلت بيتا بحالي يليق

فبالله نبلغ ما نرتجي

وبالله ندفع ما لا نطيق

وله أيضا:

يغيب البدر يوما ثم يبدو

فمالك غبت عن عيني ثلاثا

إذا لم تطلع الاثنين عصرا

فلست بواجدي يوم الثلاثا

وله أيضا:

ولقد مررت على الظباء وصادني

ظبي وعهدي بالظباء تصاد

نفذت لواحظه إلي بأسهم

أغراضها الأرواح والأجساد

وله أيضا:

صب المداد وما تعمد صبه

فتورد الخد البديع الأزهر

يا من يؤثر حبره في ثوبنا

تأثير لحظك في فؤادي أكثر

وله أيضا:

من شاء عيشا رخيا يستفيد به

في دينه ثم في دنياه إقبالا

فلينظرن إلى ما فوقه أدبا

ولينظرن إلى من دونه مالا

وله أيضا:

أدرك بقية نفس روحها رمق

وقد أذابت هموم النفس أكثرها

وإنما سلمت منها بقيتها

لأنها خفيت ضعفا فلم ترها

وله أيضا:

ألا حل بي عجب عاجب

تقاصر وصفي عن كنهه

رأيت الهلال على وجه من

رأيت الهلال على وجهه

وقال آخر في شوق إلى حبيب:

إن غبت عن ناظري فأنتم

في القلب يا غاية التمني

والظن أن لا تخون عهدي

لا خيب الله فيك ظني

هوامش

تعدد الزوجات والأزواج

هند وأبو سفيان

1

كان مسافر بن عمرو بن أمية يهوى هندا بنت عتبة بن ربيعة، وله فيها شعر يغني به، فلما فارقت زوجها الفاكه بن المغبرة خطبها إلى أبيها، فلم ترض ثروته وماله، فوفد على «النعمان» يستعينه على أمره، ثم عاد فكان أول من لقيه أبو سفيان، وعلم منه أنه تزوج هندا.

وكان مسافرا من أحسن فتيان قريش جمالا وشعرا وسخاء، وقد عشق هندا وعشقته، فاتهم بها، وقال بعض الرواة: إنها حملت منه، فلما بان حملها أو كاد، قالت له: اخرج، فخرج حتى أتى الحيرة، وأقام عند عمرو بن هند ينادمه، ثم أقبل أبو سفيان بن حرب إلى الحيرة في بعض ما كان يأتيها ولقيه مسافر، فسأله عن قريش، فكان مما قال له: أنه تزوج من هند بنت عتبة؛ فدخله من ذلك ما اعتل معه، حتى استسقى بطنه.

وروى معروف بن خربوذ أن مسافرا قال في ذلك:

ألا إن هندا أصبحت منك محرما

وأصبحت من أدنى حموتها حمى

وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه

يقلب بالكفين قوسا وأسهما

حكمة التعدد في الإسلام

2

إنه لمعلوم أن جميع كلام النبوة شرح للقرآن، قال تعالى:

وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، وإذا تتبعنا القرآن العظيم لم نجده يذكر المؤمنين إلا ومعهم المؤمنات، ولا المسلمين إلا ومعهم المسلمات، ولا الصائمين إلا ومعهم الصائمات، قال تعالى:

ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ، وقال تعالى:

من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ، وقال تعالى:

إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما

هو الجنة وما فيها، وهكذا في غير ما آية.

ومن اطلع على موضع ذلك من المصحف الشريف فسيقف بنفسه على ما ذكر، فالكتاب والسنة والإجماع على أن للنساء ما للرجال من الثواب، وعليهن ما عليهم من العقاب، لا فرق بين حر ورقيق، ومولى وعتيق.

وقال

صلى الله عليه وسلم : «أيما امرأة غاب عنها زوجها فحفظت غيبته في نفسها، وطرحت زينتها، وقيدت رجلها، وأقامت الصلاة، فإنها تحشر يوم القيامة عذراء طفلة، فإن كان زوجها مؤمنا فهو زوجها في الجنة، وإن لم يكن زوجها مؤمنا زوجها الله من الشهداء»، فكيف يتوهم ممن اتصف بالعدل فضلا عن اتصافه بالفضل أن يضيع عمل عامل، أو يحرم الراجي فضله الشامل؟

وهنا تعرض مستشرق إنكليزي في سياق حديث رواه المؤلف وقال: لو علمت نساء أوربا بقولك لأحببن دين الإسلام، لكن ربما يمنعهن شيء آخر أشق عليهن من كل شيء، وأضر ... هو اتخاذ الرجل منكم عددا من الزوجات.

ورد على المستشرق بأنه لا دخل لتعدد الزوجات ولا لدين النصرانية في إحياء العلوم الأدبية، ولا تقدم الفنون والصنائع الدنيوية، ولو كان الأمر كذلك لما احتاج الأوربيون إلى اليونان ومن بعدهم من العرب في الوصول إلى ما وصلوا إليه، فالعرب للأوربيين في كل ما علموه ملاذ، واحتياجهم إليهم كاحتياج المتعلم إلى الأستاذ.

وأما ما كان من أمر تعدد الزوجات فليس هذا خاصا بالمسلمين، بل هو عام لهم ولغيرهم، ولم يمنعه إلا طائفة النصارى فقط، حتى إن من قبلهم كانوا يجوزون التعدد أيضا، فقد رأيت في بعض كتب التواريخ نقلا عن دانيال القسيس أن ملوك فرنسا الأولين كانوا متزوجين بزوجات متعددات، مع أنهم كانوا متدينين بدين النصرانية؛ ومن ثم كان لكل من غنطران وشربير وداغوبير الأول ثلاث زوجات، ولعم داغوبير، وهو فلودمير أربع زوجات في آن واحد.

وفي سنة سبعمائة وست وعشرين من الميلاد كتب البابا غرينور الثالث إلى الواعظ بدسقاس حين أرسل إليه ليسأله عن جواز التزوج بامرأة ثانية: «إذا أصيبت المرأة الأولى بداء يمنعها عن القيام بحقوق الزوج، جاز له أن يتزوج بامرأة أخرى، وعليه للمصابة مؤنها الضرورية».

ولعل الحكمة من إباحة تعدد الزوجات عند المسلمين، وعند كل من كان على رأيهم أن التدبير الإلهي لما ميز الرجل بقوة البنية، وطول زمن التناسل بالنسبة للمرأة، وسلامته من الأعذار المعتادة للنساء في أوقات معينة - كالحيض والنفاس - راعى الشرع جانبه لذلك.

وأما حكمة الإفراد التي عول عليها النصارى، واستندوا إليها في الحكم فلا يمكن الجزم باطرادها في كل طبيعة، ولا بأنها تقطع ما يخشونه من المفاسد؛ فقد أتى زمن يمنع فيه كثير من الأمور الفظيعة التي لا وجود لها في بلادنا، كقتل الأطفال، وإسقاط الأجنة، ونحو ذلك.

فقال المستشرق الإنكليزي: هذا كلام معقول، لكن نظرت في المصحف مرة فرأيت في السورة الثالثة ما ظاهره الأمر بضرب النساء، مع أنه يخل بشرف الإنسانية.

فكان الجواب أن هذا لا يوجد إلا إذا علم الزوج منها خلاف ما يعهد، على أنه ليس له ذلك من أول الأمر، بل يستعمل معها النصيحة، فإن أبت فله أن يؤدبها بالهجر، فإن لم يجد الهجر ضربها، بشرط ألا يضر بها، وألا يخرج على حسن العشرة المأمور به في القرآن، الذي جعل التشديد عليهن مذموما، وصير من عاقبهن على كل ما فرط منهن ملوما، كقوله تعالى:

الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .

وكقوله الرسول

صلى الله عليه وسلم : «احملوا النساء على أخلاقهن»، وقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): «ينبغي للرجل أن يكون في بيته كالصبي، فإذا طلب ما عنده وجد رجلا».

وقال بعض الصحابة للنبي

صلى الله عليه وسلم : «ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت». ومعنى لا تقبح: لا تسمعها المكروه، ولا تشتمها، أو لا تقل لها: قبحك الله، ونحو ذلك.

وفي القرآن الكريم عدا ذلك كثير مما يعظم أمر النساء، ويوجب رعايتهن، والمبادرة إلى القيام بحقوقهن ، وهل حرية النساء إلا أن يبلغن حقوقهن على أزواجهن حسبما تقتضيه المروءة، وصيانة النساء عن الدخول فيما ليس لهن من خصائص الرجال.

وليس فيما يقبل العقل المنزه عن المعصية أن تكون حرية النساء عبارة عن تخليتهن وما اشتهين، مع ما يشاهد في الأكثر من غلبة شهواتهن وأهوائهن على عقولهن.

المرأة التي تزوج عليها زوجها

في «سبحة المرجان»

3

أشعار عن غيرة المرأة التي يتزوج عليها زوجها، منها قول ابن المعتز:

خبروها بأنني تزوج

ت فظلت تكاتم الغيظ سرا

ثم قالت لأختها، ولأخرى

جزعا: ليته تزوج عشرا

وأشارت إلى نساء لديها

لا ترى دونهن للسر سترا

ما لقلبي كأنه ليس مني

وعظامي أخال فيهن فترا

عدم زواج الرجل بمن يهواها

معلوم أن العرب

4

كانوا لا يزوجون الرجل بمن يهواها، وكان يتحاشى السلام عليها لئلا يعرف بها.

قال أبو رياش: كان الرجل إذا عرف بحب امرأة لم يزوجوه إياه، وكان إذا سلم عليها عرف أنه يهواها، وقد يسلم عليها وإن كان في السلام يأس منها، وهذا من إفراط شوقه، وغلبة هواه.

رؤية الرجل المرأة عند تزوجها

5

قال الأصمعي: الحسن في العينين، والجمال في الأنف، والملاحة في الفم.

وقالت امرأة خالد بن صفوان له: إنك لجميل يا أبا صفوان. فقال: كيف وليس عندي رداء الجمال، ولا برنسه ولا عموده. إن رداءه البياض وأنا آدم، وعموده الطول وأنا ربعة، وبرنسه سوداء الشعر وأنا أشمط، ولكن قولي: إنك مليح ظريف.

وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام خطب امرأة، فأرسل عائشة (رضي الله عنها) لتنظر إليها، فلما رجعت إليه قالت: ما رأيت طائلا. فقال: بلى، لقد رأيت خالا في خدها اقشعرت منه كل شعرة في جسدك.

وقالت عائشة (رضي الله عنها) تصف شعورها حينما رأت جويرية بنت الضحاك لأول مرة: والله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها. وفي ذلك ما يدل على ما كان عليه أزواج النبي

صلى الله عليه وسلم

من الغيرة عليه، والعلم بموقع الجمال عنده.

أما نظره عليه الصلاة والسلام إلى جويرية حتى عرف من حسنها ما عرف، فذلك لأنها كانت مملوكة، لو كانت حرة ما ملأ عينيه منها؛ لأنه لا يكره النظر إلى الإماء. وجائز أن يكون نظره إليها لأنه نوي تزوجها.

وروي أن امرأة قالت للنبي صلوات الله عليه: إني قد وهبت نفسي لك يا رسول الله.

فصعد فيها النظر ثم صوب، ثم أنكحها من غيره.

وثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - الرخصة في النظر إلى المرأة عند إرادة نكاحها، وقال للمغيرة حين شاوره في نكاح امرأة: «لو نظرت إليها فإن ذلك أحرى أن يؤدم بينكما». وقال مثل ذلك لمحمد بن مسلمة حين أراد نكاح بثينة بنت الضحاك.

وقد أجازه مالك في إحدى الروايتين عنه، ذكرها ابن أبي زيد.

وفي مسند البزار: «لا حرج أن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد تزوجها وهي لا تشعر».

وفي تراجم البخاري في باب النظر إلى المرأة قبل التزويج أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال لعائشة (رضي الله عنها): أريتك في المنام يجيء بك الملك في سرقة من حرير، فكشف عن وجهك، فقال لي: هذه امرأتك. فقلت: إن يكن من عند الله يمضه. وهذا استدلال حسن. وفي قوله: إن يكن من عند الله سؤال؛ لأن رؤياه وحي، فكيف يشك في أنها من عند الله؟ والجواب: أنه لم يشك في صحة الرؤيا، ولكن الرؤيا قد تكون على ظاهرها، وقد تكون لمن هو نظير المرء أو سميه، فمن ها هنا تطرق الشك ما بين أن تكون على ظاهرها، أو لها تأويل.

وسمعت شيخنا يقول في معنى هذا الحديث: لا يخلو نظره عليه الصلاة والسلام إليها من أحد الأمرين، أو يكون ذلك قبل أن يضرب الحجاب، وإلا فقد قال تعالى:

قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم .

والنبي

صلى الله عليه وسلم

هو بغير شك إمام المتقين، وقدوة الورعين. وجويرية هي بنت الضحاك بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ، وتوفيت في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين أم خمس وخمسين من الهجرة.

رايات من خمر النساء

6

وجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عتبة بن غزوان واليا على البصرة، وقال له: يا عتبة، إني قد استعملتك على أرض الهند، وهي حومة من حومات العدو، وأرجو أن يكفيك الله ما حولها، ويعينك عليها ... فإذا قدم عليك العدو، فاستشره، وادع إلى الله، فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبى فالجزية، وإلا فالسيف، واتق الله فيما وليت، وإياك أن تنازعك نفسك إلى كبر مما يفسد عليك إمرتك، وقد صحبت رسول الله

صلى الله عليه وسلم

فعززت به بعد الذلة، وقويت به بعد الضعف، حتى صرت أميرا مسلطا، وملكا مطاعا، تقول فيسمع منك، وتأمر فيطاع أمرك، فيالها من نعمة؛ فاحتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية، ولهي أخوفهما عندي عليك أن تستدرجك وتخدعك فتسقط سقطة تصير بها إلى جهنم، أعيذك بالله ونفسي من ذلك، إن الناس أسرعوا إلى الله حتى رفعت لهم الدنيا فأرادوها، فأرد الله ولا ترد الدنيا، واتق مصارع الظالمين. انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى أرض العرب وأدنى أرض العجم، فأقيموا، فسار عتبة ومن معه، وأقام بالبصرة، ثم سار عتبة بالمسلمين إلى أن لقيهم جيش عظيم من الفرس، فاقتتل الفريقان.

وقال نساء المسلمين: لو لحقنا بهم فكنا معهم، فاتخذن من خمرهن رايات، وسرن إلى المسلمين؛ فلما رأى المشركون الرايات، ظنوا أن مددا للمسلمين قد أقبل، فانهزموا، وظفر بهم المسلمون!

كشف وجه المرأة في الإحرام

قالت عائشة (رضي الله عنها):

7

لو علم رسول الله

صلى الله عليه وسلم

ما أحدث النساء، لمنعهن من المساجد.

وسئل عقيل عن كشف المرأة وجهها في الإحرام، مع كثرة الفساد في زمانه: أهو أولى أم التغطية مع الفداء؟ فأجاب: بأن الكشف شعار إحرامها، ولا يجوز رفع حكم ثبت شرعا لحوادث البدع.

وأما قول عائشة (رضي الله عنها) فإنها ردت الأمر إلى صاحبه فقالت: لو علم لمنع، ولم تمنع هي.

وقد ندب الشرع إلى النظر إلى المرأة قبل النكاح، وأجاز للشهود النظر، فليس ببدع أن يأمرها بالكشف، ويأمر الرجال بالغض ليكون أعظم للابتلاء .

وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصة، كما جاء النهي عن القفازين، وعن لبس القميص والسراويل، ومعلوم أن نهيه عن لبس هذه الأشياء لم يرد أنها مكشوفة لا تستر البتة، بل قد أجمع الناس على أن المحرمة تستر بدنها بقميصها ودرعها، وأن الرجل يستر بدنه بالرداء، وأسافله بالإزار.

ومن قال: إن وجه المحرمة كرأس المحرم، فليس معه بذلك نص. وقول من قال من السلف: إحرام المرأة في وجهها إنما أراد به أنه لا يلزمها اجتناب الناس كما يلزم الرجل، بل يلزمها اجتناب النقاب، فيكون وجهها كبدن الرجل.

وقد قالت عائشة (رضي الله عنها): كنا إذا مر بنا الركبان سدلت إحدانا جلبابها على وجهها، ولم تكن إحداهن تتخذ عودا تجعله بين وجهها وبين الجلباب كما قال بعض الفقهاء، ولا يعرف هذا من امرأة من نساء الصحابة، ولا أمهات المؤمنين البتة، لا عملا ولا فتوى، ويستحيل أن يكون هذا من شعار الإحرام، ولا يكون ظاهرا مشهورا يعرفه الخاص والعام.

ومن آثر الإنصاف، وسلك سبيل العلم والعدل تبين له راجح المذاهب من مرجوحها، وفاسدها من صحيحها، والله الموفق الهادي.

المرأة لعبة زوجها

8

البيضة المكنونة

9

بيضة النعام، ويشبه بها النساء لبياضها، والصفرة التي تضرب فيها. قال ذو الرمة: ... ... ... ... «كأنها فضة قد مسها ذهب»

والمكنونة: المصونة، والنعامة تخفيها بريش، ولا تبديها للشمس والريح لئلا تتغير. وقال الله تعالى:

كأنهن بيض مكنون .

وعن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عن النبي

صلى الله عليه وسلم

أنه قال: «المرأة لعبة زوجها، فإن استطاع أحدكم أن يحسن لعبته فليفعل».

والمداعبة: الممازحة، والمغازلة، تقول: غازلتني المرأة: إذا تماجنت عليك في كلامها، وأشارت لك بعينها، وغزتك بحاجبها حتى إذا طمعت فيها صدت عنك ... والمليحة الصورة: المستملحة، كالدمى والصور التي تلعب بها البنات ونحوها.

مات زوجها فتزوجت!

يروى أن امرأة من مدينة «يشكر» اسمها «أم عقبة» كانت عند ابن عم لها يقال له «غسان»، وأنه سألها عما تصنع بعد موته، فقال:

أخبري بالذي تريدين بعدي

والذي تضمرين يا أم عقبه

تحفظين من بعد موتي لما قد

كان مني من حسن خلق وصحبه

أم تريدين ذا جمال ومال

وأنا في التراب في سجن غربه

فقالت له: والله لا أجيبك بكذب، ولأجعلنه آخر حظي منك، وأنشدته:

قد سمعت الذي تقول وما قد

يا ابن عمي تخاف من أم عقبه

سوف أبكيك ما حييت بنوح

ومراث أقولها أو بندبه

فلما سمعها أنشأ يقول:

أنا والله واثق بك لكن

احتياطا أخاف غدر النساء

بعد موت الأزواج يا خير من عو

شر فارعي حقي لحسن الوفاء

إنني قد رجوت أن تحفظي العه

د فكوني إن مت عند الرجاء

ثم اعتقل لسانه فلم ينطق حتى مات، فلم تمكث بعده قليلا حتى خطبت من كل جانب، رغب فيها الأزواج لاجتماع الخصال الفاضلة فيها، فقالت مجيبة لهم:

سأحفظ غسانا على بعد داره

ونرعاه حتى نلتقي يوم نحشر

وإني لفي شغل عن الناس كلهم

فكفوا فما مثلي بمن مات يغدر

سأبكي عليه ما حييت بدمعة

تجول على الخدين تهمي فتهمر

فلما تطاولت الأيام تناست عهده وقالت: من مات فقد فات.

فأجابت بعض خطابها فعقد عليها، فلما كانت الليلة التي أراد الدخول بها أتاها آت في منامها فقال:

عقدت ولم ترعي لبعلك حرمة

ولم تعرفي حقا ولم تحفظي العهدا

ولم تصبري حولا حفاظا لصاحب

حلفت له بتا ولم تنجزي الوعدا

غدرت به لما ثوى في ضريحه

كذلك ينسى كل من سكن اللحدا

فلما سمعت هذه الأبيات انتبهت مرتاعة كأن غسان معها في جانب البيت، وأنكر ذلك من حضرها من نسائها، فأنشدتهن الأبيات، فأخذن معها في حديث لينسينها ما هي فيه، فغفلتهن وأخذت مدية، فلم يدركنها حتى ذبحت نفسها، فقالت امرأة منهن:

لله درك ماذا

لقيت من غسان

قتلت نفسك حزنا

يا خيرة النسوان

وفيت من بعد ما قد

هممت بالعصيان

وذو المعالى غفور

لسقطة الإنسان

إن الوفاء من الله

لم يزل بمكان

وفاء عائشة بنت طلحة لزوجها المتوفى

قالت امرأة حاكية:

10

كنت عند عائشة بنت طلحة يوما، فقيل لها: هذا الأمير قد جاء، فتنحيت، ودخل عمر بن عبد الله زوجها فلما خرج من عندها رأيته وكأنما أوتي ملك سليمان.

ويقال: إن رملة بنت عبد الله - ضرة عائشة هذه - قالت لمولاة عائشة يوما: أريني مولاتك مجردة وأنا أعطيك ألفي درهم. فذكرت الجارية ذلك لعائشة، فقالت: أنا أتجرد لها ولا تعلميها أني عرفت، ثم قامت عائشة فتجردت كأنها تغتسل، وذهبت مولاتها إلى رملة ضرتها فأخبرتها، فأشرفت عليها وتأملتها مقبلة ومدبرة وأعطت الجارية ألفي درهم، وقالت: وددت لو أني أعطيك أربعة آلاف درهم ولم أرها، وذلك لما راعها من حسن جسدها البض، وتناسق جمال أعضائه المثيرة الفاتنة.

ولما مات عمر بن عبد الله زوج عائشة ندبته قائمة، دلالة على أنها لا تتزوج بعده.

روى الأصفهاني في كتابه «الأغاني» أن عاتكة بنت يزيد بن معاوية استاذنت زوجها عبد الملك في الحج، فأذن لها وقال: ارفعي إلي حوائجك كلها، واستظهري فإن عائشة بنت طلحة تحج معك، فاستظهرت بكل ما تقدر عليه، وخرجت بهيئة حسنة قد اجتهدت فيها، فلما كانت بين مكة والمدينة إذا ركب قد جاء فضغطها وفرق جماعتها، وكان هو ركب عائشة بنت طلحة!

القبلة وإباحتها

11

قالت طائفة من العلماء: القبلة مباحة لمن وصل إلى حد يخاف على نفسه من التلف في الحين، قالوا: لأن تركها قد يؤدي إلى هلاك النفس، والقبلة صغيرة، وهلاك النفس كبيرة، وإذا وقع الإنسان في مرضين داوى الأخطر، ولا خطر أعظم من خطر النفس، حتى أوجبوا على المحبوب مطاوعته على ذلك إذا علم أن ترك ذلك يؤدي إلى إهلاكه، واحتجوا بقول الله تعالى:

الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ... ، والحديث الذي يقول: يا رسول الله، إني لقيت امرأة أجنبية فأصبت منها كل شيء إلا النكاح، قال: أصليت معنا؟ قال: نعم. قال: إن الله قد غفر لك. فأنزل الله تعالى:

وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات . رجع إلى المقاطيع:

قال أبو الفرج الجوزي:

يا مانع القبلة من خده

فتت قلبي فهو مفتوت

لا تخش أنفاسي ولا حرها

فإنما خدك ياقوت

ولأبي الفضل بن أبي الوفا:

سألتها رشف ريق

مستعذب الطعم حلوي

قالت: فصفه ارتجالا

فقلت: بعد التروي

ولابن حجة:

وعاشق ألزم معشوقه قبلة

في فيه فيها شفاه

ولم يخف من جارحي لحظه

خطفا وقد باس ولم يخطفاه

ولابن العطار:

جمعت بالراح شملي

فالله يجمع شملك

وكم يد لك عندي

دعني أقبل رجلك

ولآخر:

رأيت في مجلسي مليحا

يشبه بدر الدجي وأحسن

سألته قبلة بخد

فجاد بالوصل لي وأحسن

وقال آخر:

سألته قبلة ألذ بها

فصد عني وقال سروالك

فقلت: لم سيدي؟ فجاوبني:

عاقبة البوس حل سروالك

ولآخر في «مشروط على الخد»:

بروحي مشروط على الخد أسمر

وفا ودنا بعد التجنب والسخط

فقال على اللثم اشترطنا فلا تزد

فقبلته ألفا على ذلك الشرط

ولبعضهم رحمه الله:

قال الحبيب وقد رشفت رضابه

في يوم من رمضان لما زارا

أفطرت؟ قلت: نعم، رأيتك طالعا

وهلال وجهك يوجب الإفطارا

ولآخر عفا الله عنه:

قبلت مبسمه فقال تذللا

عند اللقاء له ونحن صيام

أفطرت يا هذا، فقلت له: ابتدا

ء الصوم مع رؤيا الهلال حرام

وقال آخر في الجناس:

إن كنت تألف بالحبيب وقربه

فاصبر على جور الرقيب وداره

إن الرقيب إذا صبرت لحكمه

ثواك في مثوى الحبيب وداره

محاسن الخلق والخلق

12

عن وهب بن منبه أنه قال: قال موسى عليه السلام: أي رب، أي عبادك أحب عليك؟ قال: من أذكر برؤيته. وقال وهب: قال داود: يارب أي عبادك أحب إليك؟ قال: مؤمن حسن الصورة. قال: أي عبادك أبغض إليك؟ قال: كافر قبيح الصورة ...

وفي مسند الإمام أحمد عن النبي

صلى الله عليه وسلم : إن الله جميل يحب الجمال. رواه عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن مسعود، وجماعة.

وعن حديث ابن حديج عن أبي مليكة، يرفعه: من آتاه الله وجها حسنا، وخلقا حسنا، وجعله في موضع غير شائن له، فهو من صفوة الله من خلقه.

وفي الصحيحين عن أبي بريدة قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم : أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر. وكان رسول الله

صلى الله عليه وسلم

يستحب أن يكون الرسول الذي يرسل إليه حسن الوجه، حسن الاسم، وكان يقول: إذا أبردتم إلي بريدا فليكن حسن الوجه، حسن الاسم.

وفي مليح:

يا من له وجه بدت أنواره

كالشمس عند طلوعها بل أشرق

لولا هواك لما جفا جفني الكرى

ليلا، وبت بدمع عيني أشرق

وفي آخر:

شبهت بالبدر الحبيب فقال لي:

لاح به أثر الصبابة لايح

لا وجه للتشبيه، قلت: أما ترى

وجه الحبيب؟ فقال: وجه واضح

وقال له:

وجه يفوق الهلال حسنا

ويخجل البدر إن تجلى

يقول في الحال من رآه

أشهد أن لا مليح إلا

وقال آخر:

أحب من المردان كل مهفهف

رشيق المثنى لم يسر في خده الشعر

فأما إذا ما الشعر في خده بدا

فلا خير في اللذات من دونها الستر

وقال آخر:

أظهروا وجهك المليح

ثم لاموا من افتتن

لو أرادوا جنايتي

حجبوا وجهك الحسن

وقال آخر وأجاد:

يا من وهبت له روحي فعذبها

ورمت تخليصها منه فلم أطق

أدرك بقية نفس فيك قد بلغت

قبل الممات فهذا آخر الرمق

ولابن الخطيب في «الحسن»:

الدر فوق جبينه يتوقد

والماء في وجناته يتردد

كتب الهوى بيد إليه يؤكد

بالحسن فوق جبينه يا واحد

وله أيضا:

جفون معذبي يملأنه

منى وإن وداده تكليف

لكنني لم أنأ عنه لأنه

خبر رواه الجفن وهو ضعيف

ولشهاب الدين بن ناصر الدين:

بي سقام من جفون

قد جفوني لست أبرا

وعيون فاتكات

من سيوف الهند أبرا

ولآخر:

كأن مقلته صاد، وحاجبه

نون وموضع تقبيلاته ميم

فصرت أعبد منه في الهوى صنما

وعابد الصنم الإنسي مخدوم

ولآخر في العيون:

يا من يشبه نرجسا بنواظر

دعج تنبه إن فهمك راقد

أين القياس لمن يصح قياسه

بين العيون وبينه ذا ساعد

وقال أيضا في ذلك:

وظبي إذا عاتبت ناعس طرفه

يلذ لطرفي في دجى الليل شهده

ألا فاشهدوا قتلي بسيف جفونه

ولا تقتلوه إنني أنا عبده

ولآخر في العيون السود:

عيونك السود إن مدت سوالفها

تحكم علي وما أقدر أخالفها

وإن كان حبل الجفا سود معارفها

في وسط قلبي بنا لناس معالفها

ولآخر في ذلك:

كنت أشتهي بحبيبي ألف ناقة سود

وألف أخرى يكن جمالها مسعود

أنزل إلى الحرب آخد عود وأعطى عود

أسلم من الحرب تقتلني العيون السود

وفي من عينه زرقاء:

بعينه الزرقاء

في قلبي سهم مطلق

وا عجبا أحبه

وهو العدو الأزرق

وفي أحول:

قالوا شغلت بأحول فأجبتهم

قد زدتمو والله في أوصافه

لا تحسبوا حولانه ... لكنه

من زهره يرنو على أعطافه

وفي من بعينه رمد:

جاء الحبيب وعيناه بها رمد

والنار في مهجتي تصلى بها كبدي

وقال أرجو علاجا قلت واعجبا

أسل سيفا لقتلي في الهوى بيدي

وفي الوجنة الحمراء:

الطرف بعدك قد عادت مدامعه

فهل تأذن لطيف منك يطرقه

والقلب في الوجنة الحمراء يا سكني

كعابد النار يهواها وتحرقه

وفي مبتسم الثغر:

جاء بصبح ثغره مبتسما

يمشي بليل الشعر في دلال

قلت له: دمت لقلبي هكذا

ما دامت الأيام والليالي

وفي حبيب:

قال الحبيب يقول ثغري إنه

ذو قرقف داء المحبة دافع

يا زيد خذ منه الحديث فإنه

حسن رواه مالك عن نافع

وقال في أحور:

وأحور طرفي حاير في جماله

وقلبي، فقل لي ما الذي فيه أصنع

وعرنينه أقنى أشم وطرفه

كحيل، وخداه من الورد أصبغ

وفى لجلجة كلام المحبوب:

عابوا التلجلج في كلام معذبي

فأجبتهم والعذر فيه بيان

إن الذي ينسى الكلام لسانه

ولسانه من ريقه سكران

وفي معاينة حسن الحبيب:

لو عاينت عيناك حسن معذبي

ما لمتني ولكنت أول من عذر

عين الرشا، قد القنا، ردف النقا

شعر الدجى، شمس الضحى، وجه القمر

ولابن مبارك:

يا أيها العشاق قد جاءكم

متيم يسأل كي يهتدي

أجيد إتلاف روح امرئ

على مليح في الهوى أم ردي

وقال آخر في من بيده مدية:

وشادن في يده مدية

جردها للفتك من غمدها

ما كان محتاجا إلى حملها

فلحظه أقطع من حدها

ولأبي نواس في أحور ساحر العينين:

ويلي على أحور ممكور

وساحر العينين مسحور

تختاره الحور علينا كما

نختاره نحن على الحور

وفي من يبكي!:

يا قمرا أبصرت في مأتم

يندب شجوا بين أثواب

لا تبك للميت يا سيدي

وابك قتيلا لك بالباب

وفي من ينظر في المرآة:

وإذا أراد بأن ينزه طرفه

أخذ المرآة بكفه فتفرجا

فكأنه وكأنها في كفه

شمس الضحى قد قارنت بدر الدجى

وفي قواس:

قالت لقواس له طلعة

من رام عنها الصبر لم يقدر

يا من له وجه كبدر الدجى

بكم تبيع القوس للمشتري؟

وللأزميري في رام:

بأبي وأمي راميا يسبي الحشا

بلواحظ تسطو على العشاق

لما أراد إطلاق سهم راميا

زاد الورى عشقا على الإطلاق

وفيه أيضا:

رمى عن قوسه في الطير سهما

على عجل ولم يمهل رويدا

وفوق نحو قلبي سهم طرف

فلم يخطي بسهميه السويدا

وفي رمال:

وضارب بالرمل من حسنه

يزدحم الناس على رمله

كأن من أبدع في خلقه

قد خلق العشاق من أجله

مستخرج في الرمل أشكال

وما يريدون سوى شكله

ولابن الوردي في ذلك:

حكى القضيب والقنا

بالرمل والأنامل

وقال وصلي غفلة

إلا بفيض داخل

وقال في منجم:

ورب منجم قد صد عني

ولي أبدا بطلعته ولوع

فقلت عساك ترجع عن قريب

فقال الشمس ليس لها رجوع

ولابن المزين في تاجر:

وتاجر شاهدت عشاقه

والحرب فيما بينهم تساير

قال على ما اقتتلوا هكذا

قلت على عينك يا تاجر

وللأزميري في تاجر أيضا:

وتاجر يمنح عشاقه

مالا ووصلا ليرى نادره

ما رد يوما منها زايرا

لأنه متسع الدايره

و له في شاعر:

لا تعذلوني إذا عشقت شاعرا

في فيه نظم الدر يا رفاقي

فهو البديع حسنه لكنه

يميل للترصيع في الطباقي

ولآخر في الخد:

بدا في الخد عارضه فأضحى

عليه مفيض باللوم يغري

وحلول أن يرى مني سلوا

فقال: لقد تعذر. قلت: صبري

ولآخر ... اقتباس في من في خده عذار:

رأيت في خده عذارا

خلعت في حبه عذاري

قد كتب الحسن فيه سطرا

ويولج الليل في النهار

ولابن المعتز في ذمه وهجره:

يا رب إن لم يكن في وصله طمع

ولم يكن قدح من طول هجرته

فاشف السقام الذي في جفن مقلته

واستر محاسن خديه بلحيته

وله أيضا عفا الله عنه:

ها قد غدا في ثياب الشعر في كفن

وقد تعفت معاني وجهك الحسن

وكان يعرض عني حين أبصره

فصرت أعرض عنه حين يبصرني

وقال آخر:

لما التحى ومحا الإله جماله

وكساه ثوب مذلة ونفاق

كتب الزمان بخطه في خده

هذا جزاء معذب العشاق

وقال آخر:

غدا أسودا بالشعر أبيض وجهه

فأصبح من بعد التنعم في ضنك

على وجهه أضحى بخطي عذاره

تناديهما عيناه حزنا: قفا نبك

ولآخر ... اقتباس:

قتل الناس باللواحظ حتى

أذهب الله حسنه والجمالا

طلعت ذقنه وعيناه كلت

وكفى الله المؤمنين القتالا

وآخر ... مثله:

لما بدا في خده عارض

بشرت قلبي بالسلو المقيم

وقلت غدا عارض ممطر

فجاءني منه عذاب أليم

وقال آخر أيضا:

قلت لما تشركت عارضاه

وأباد السواد ضوء نهاره

إيش هذا فقال لي في جوابي

كل من مات سودوا باب داره

ولابن نباتة:

وأمرد مقته ربه

بدله بعض الضيا بالظلم

أرسله الله لنا آية

ليعلموا كيف زوال النعم

وله أيضا رحمه الله:

دارت عذار حبيبي

حتى غدا وهو حاير

فياله حسن وجه

دارت عليه الدواير

وقال آخر:

وخلصنى من يدي عشقه

ظلام على خده حندسه

كنست فؤادي من حسنه

ولحيته كانت المكنسه

وقال آخر ولله در قائله:

ما فعل الله باليهودي

ولا بعاد ولا ثمود

ولا بفرعون من عصاه

ما فعل الشعر بالخدود

ما قيل في الأسماء

13

في محمد بن عربي:

أمحمد عساك تشهد لي

أني قتيل عيونك النجل

فقت الملاح فأنت خاتمها

وكذا سميك خاتم الرسل

وفيه أيضا:

قالوا تشفع بالجمال

ولو تثبت كان أجود

فأجبت إني مسلم

أرجو الشفاعة من محمد

ولابن العفيف:

أيها المودع قلبي

نار وجد تتوقد

كيف تستاهل نارا

مهجة تهوى محمد

وفي أحمد:

قد غدا أحمد لي ما أجود

وكان بالوصل لنا ينجد

وإن يعد يرضى لعشاقه

فالوصل يا أحمد لي أحمد

وفيه أيضا:

مذ وفا أحمد وعدي

ولهيب الشوق أحمد

فأنا في كل حال

أشكر الله وأحمد

آخر ولله در قائله:

ولقد قنعت من الحبيب بنظرة

أطفي بها ناري التي لا تخمد

قالوا فمن شئت تحب؟ فأجبتهم

غصن النقا بدر الدجى يا أحمد

وفي أبي بكر:

تعشقت ظبيا فاتن اللحظ فاترا

أبو بكر يدعى خليفة طلعة البدر

فلا تنكروا وجدي فإني محمد

وإني من أولى الورى بأبي بكر

وفيه أيضا:

بروحي أبا بكر فديت ومهجتي

مليحا ببدر التم في أفقه يذري

له طلعة كالبدر والغصن قده

وناظر من بابل جاء بالسحر

وللحجازي فيه أيضا:

بمدح أبي بكر سموت فيا له

مليح أرانا وجهه صورة البدر

ولا بدع إذ بالغت في مدحه إذا

فأحمد من أولى الورى بأبي بكر

ولشهاب الدين التلميح، وأنشده لنفسه:

من حبيبي ووفا

وعدا له وحققه

ولا عجيبا من أبي

بكر الوفا ما أصدقه

وفي عمر:

ما عليهم في الهوى إذ نظروا

حين سموك وقالوا: عمر

أبدلوا قافك عينا غلطا

أخطأوا ما أنت إلا قمر

وفي عثمان:

وافى إلي بشمعتين ووجهه

بضيائه يزهو على القمرين

ناديت ما الاسم؟ يا كل المنى

فأجابني عثمان ذو النورين

لغز في عثمان:

يا أيها العارف في فنه

ومدعي الفهم وعلم البيان

ما قولكم في أحرف خمسة

إذا مضى حرف تبقى ثمان

وفى علي:

قال العذول مذ رأى

قلبي به في شغل

بمن فتنت في الورى؟

فقلت دعني بعلي

وله عفا الله عنه:

بعلي قد همت ما بين الورى

وبه قلبي المعنى قد بلي

وإذا ما غاب عني شخصه

صاح قلبي وحشة يا لعلي

ولابن حجر الحافظ رحمه الله:

قلت: هل لي من دوا

قد غدا قلبي عليلا

قالوا سلوى كل حب

قلت إلا عن علي لا

وللحجازي في عبد العزيز:

إن عبد العزيز قد جاء نحوي

شرح حالي أغنى عن التمييز

في هواه حقا لقد طاب ذلي

حيث أصبحت عبد عبد العزيز

وللأزهري في عبد القادر:

حبي عبد القادر الذي له

بهجة حسن والورى عبيده

وكيف لا أريده بين الورى

والله يدرى أنني أريده

لغز في عبد الله:

اسم من أهواه يا سيدي

فيه من العنبر حرفان

وأخو الورد تمام اسمه

وواحد ليس له ثان

وفي عبد القوي:

عبد القوي سباني

بقده السمهري

وصرت عبدا ضعيفا

في حب عبد القوي

وفي عبد اللطيف:

فتنت بعبد اللطيف الذي

فطانته أسكنته الفؤاد

ولا عجب إن بدا لطفه

فعبد اللطيف لطيف العباد

وفي عبد الحفيظ:

عبد الحفيظ الندي

قد أنجح الله قصده

لا تختشي من ضياع

فالله يحفظ عبده

وفي محمود:

يقول لي منكر حالي به

من لك في ذا الحي مقصود

فقلت لا تسل بحق الهوى

عنه فقصدي فيه محمود

وفيه يهجو:

ما كنت أحسب أني أجي إلى زمن

يسبني فيه كلب وهو محمود

وفي إبراهيم:

عجبت لنار قلبي كيف تبقى

حرارتها وحبك تحتويه

فيا نيرانه كوني سلاما

وبردا إن إبراهيم فيه

وفيه أيضا:

لا زال بابك بالمكارم كعبة

فترى بها للواردين رسوم

حتى يقول القاصدون بأمرهم

هذا المقام وأنت إبراهيم

ولابن نباتة في خليل:

يغيب خليل الحسن عني ليلة

فأسأم من ليل طويل أراقبه

وكيف يطيب العيش عندي والكرى

وليس إلى جنبي خليلا ألاعبه

ولعز الدين الموصلي:

قال حبي خليل غيرت ودي

وتركت الفؤاد مني عليلا

بعد عشق الملاح صرت تقيا

ما تراعي من الأنام خليلا

وقال في يعقوب:

يعقوب إني يوسف قد تركتني

من الحزن يعقوبا وأصبحت يوسفا

وأصبحت مخذولا وقد كنت ناصرا

وكنت مليكا صرت عبدا مكلفا

ولابن الخياط فيه أيضا:

رأيت أني في الكرى لاثما

مبسمك الشافي آلامي

يوسف أنبينا بتأويله

فقال هي أضغاث أحلامي

لغز فيه ... وأجاد:

يا سائلي عن اسم من أحببته

إني بمن أهواه غير مصرح

فإذا أردت بيانه فاعمد إلى

معكوس سابع كلمة في «سبح»

وفي موسى:

رأيت في حلق غزالا

تحير في وصفه العيون

فقلت ما الاسم قال موسى

فقلت هنا تحلق الذقون

وفي عيسى:

ناديت يا عيسى ترفق بامرئ

أحشاؤه قد أحرقت نهاكا

عيسى بن مريم كان يحيي من يرى

وتميت أنت الحي حين يراكا

في داود:

وثقت بأن قلبي من حديد

وفيه على الهوى بأس شديد

فلان على هواك ولا عجيب

إذا داود لان له الحديد

وفيه أيضا:

أمسى يقر بحسنه بدر الدجى

وغدا يذوب بحسنه الجلمود

فإذا بدا فكأنما هو يوسف

وإذا شدا فكأنه داوود

في سليمان:

له وجنة تدمى من اللحظ رقة

يكاد بها ماء الشبيبة ينهل

فهذا سليمان لرقة خده

إذا دب فبه النمل كلمه النمل

في خضر:

مهفهف طلعته ليس بها

مناظره وقده غصن نضر

يجري لنا ماء الحياة وثغره

لا تعجبوا ماء الحياة فهو خضر

في رجب:

دموعي ربيع والرقاد محرم

على جفن عيني مذ هجرت بلا سبب

وفي القلب من شعبان نيران نصفه

فجد لي بما أرجو من الوصل يا رجب

في شعبان:

شعبان قد أمسى يهز معاطفا

أبدت حلاوة خصره مع ردفه

لا غرو إن لاحت عليه طلاوة

شعبان كل حلاوة في نصفه

علي بن سودون في بركات:

رشأ يصيد الأسد في اللفتات

قد صاد كل فتى وكل فتاة

الوجه منه مبارك فإذا بدا

لا تيأسن يا قلب من بركات

ابن القيصراني في منصور:

يا قمر الوصل في جنة

ما سكنت ولدانها الحور

كم حاربتك الشمس في حسنها

وأنت يا منصور منصور

النواجي في نجم:

قد كنت أحسب نجم الدين يمنحني

من وصله كل ما أهوى وأختار

حتى رماني في نيران مهجته

فصح عندي أن النجم غرار

وله في سعد:

أنا قد همت بسعد

وتفانيت بوجده

فاطرح نصحي ودعني

إنما المرء بسعده

وله في سعيد:

سموا مني مهجتي سعيدا

ولي شقاء به يزيد

إذا اجتمعنا يقول صدري

هذا شقي وذا سعيد

وله في قاسم:

شكوت له حالي وفرط صبابتي

فتاه دلالا وانثنى وهو باسم

وقال استعر صبري وكن متأسيا

فنحن قسمنا وارض بالحب قاسم

ابن العطار في يحيى :

أيمكن سلوتي يحيى؟ وروحي

تكابد في هواه عليه أشيا

وقلبي يشتهي فيه اكتئابي

ويرضى أن أموت بحب يحيى

وله في هاشم:

في هاشم قلبي بدا دايبا

من لحظه الفاتك بالعالم

وكسر قلبي صح في عشقه

لقلة الإنصاف في هاشم

وله في عامر:

حبيبي يدعى في الأنام بعامر

وأول عشقي ليس لي فيه آخر

يهدد قلبي بالصدود وبالجفا

على أن فيه منزل الشوق عامر

وله في فرج:

وليس لي مخلص أرجو النجاة به

من الغامر فقد ضاقت بي الحجج

لكن أضمن بيت القائل بن رجا

كل الأمور وإن ضاقت لها فرج

آخر:

يا لائمي في رشيق القد معتدل

انظر فإن غرامي غير ذي عوج

أشكو الشدائد من وجد أكابده

ولست أيأس في شكواي من فرج

للحجاج في أمير حاج:

مننت بزورة للعيد يوما

لك الرحمن بالحسنى يجازي

وأما إن دعيت أمير حاج

فلا بدع بحبك للحجازي

ولابن نباتة في عماد:

قالوا العماد مليح

أسبى جميع العباد

بحسنه قلت قصدي

أنظر لذات العماد

لعز الدين الموصلي في جرادة:

لقبوه جرادة وهو ظبي

فاق حسنا ولم أعره شهاده

صدته فامتلأ فؤادي شحما

لا تقولوا بأن صيدي جراده

لابن نباتة في إلياس:

أفدي مليحا في البرايا لم أزل

طول الزمان عليه في وسواس

قالوا أنقطعه كبيرا قلت من

راحات قلب المرء قطع الياس

لغز في إسماعيل:

اسم من قد هويت ست حروف

نصفها ما تبديت فاستفهموها

عيل صبري تمام اسم حبيبي

ما على العالمين لو فهموها

لابن الصايغ في حسن:

إن الحسود عندما

عاين ذا الحسن افتتن

وقال لا بدع إذا

أتى علي بالحسن

وفي حسين:

حسين سباتي حسنه ولحاظه

وقامته كالخيزرانة تنثني

رماني بسهم اللحظ قلت له: اتئد

سميك مقتول وأنت قتلتني

وفي بدر:

سموه بدرا وذاك لما

أن فاق في حسنه وعما

وأجمع الناس إذ رأوه

بأنه اسم على مسمى

وفي كمال الدين:

ديني تكمل مذ جعلتم قبلتي

وسجدت في أعقابكم بجبيني

وغدوت أنشد في البرية كلها

ما الفخر إلا في كمال الدين

في عز الدين:

مولاي عز الدين يا من غدا

مادحه ما زال في عز

بكم حقيقا حسنت حالتي

والذل قد بدل بالعز

في تاج الدين:

ببابك تاج الدين قد جئت مهديا

جواهر لفظ لم ينلني تاجر

فزادت بهاء من عطائك سيدي

وفي التاج أبهى ما يكون الجواهر

الشهاب الصائم في محب الدين:

في ملاح لك شتى

ضعف القلب وشتا

كم ليال مع غزال

يا محب الدين بتا

في شرف الدين يهجو، وأجاد:

لقبوه شرف الدين

يرجون السيادة

كيف يرجى منه خير

وهو شر وزيادة

وفي زيتون يهجو فيه:

سموك زيتونا فما أنصفوا

لو أنصفوا سموك زعرورا

لأن للزيتون زيتا يضي

وأنت لا زيت ولا نورا

في يونس:

وقالوا حبيب القلب بدر وقده

حكى البدر وجها قلت: بل هو أملس

فلو لم يكن غصنا لما كان مائلا

ولو لم يكن بدرا لما كان يونس

آخر، وأجاد:

شغفت بفتان اللواحظ أهيف

له مقلة سوداء والخد أطلس

فإن غاب عني تصورت شخصه

فيوحشني والحب في القلب يونس

في مقبل:

يا من تحجب عن محب صادق

ما زال عنه كل يوم يسأل

من لي بيوم فيه يسمح باللقا

ويقال لي هذا حبيبك مقبل

في شاهين:

يا من تسمى بشاهين وسميته

خطف القلوب وبالألحاظ شاهينا

قد اشتهيناك بالشاهين لا نفسا

فهل ترى أنت يا شاهين شاهينا

في عنبر:

مذ رآني عنبر حبيبي

وعرف رياه قد تعطر

أرشفني من لماه خمرا

وشاقني من شذاه عنبر

في بشير:

بشير سبا مهجتي

وجا كبدر منير

وقد جاد لي بالرضا

وللواصل وافي بشير

في سنبل:

يقولون لي إذ زار في الحب سنبل

وقد فاق ريا نشره كل مندل

أهذا شذا مسك تضوع نشره

فقلت له هذا شذا عرف سنبل

في كافور:

مذ زار كافورنا البديع سنا

ووجهه حف من سنا النور

شاهدت من خاله بوجنته

نقطة مسك تبدو بكافور

في مسرور:

يقولون لي مسرور وافاك زايرا

وقد بت بالصبابة ماسورا

فقلت لهم قد زال همي بوصله

وقلبي به في الحب أصبح مسرورا

في ريحان، ولله دره:

فديت ريحان صبا بالجوى

وبعاد قلبي شفه الأشجان

لما رنا بلحاظه من نرجس

وبدا يعارض خده ريحان

في صبيح، وأجاد:

أرى صبيح مهجتي قد سبى

وصير الدمع بخد يسيح

فكيف لي بالصبر عن حبه

وقد سبى قلبي بوجه صبيح

في مبارك:

مبارك يا عذولي

أطلت فيه مقالك

لو زارني كنت أحظى

منه بكعب مبارك

في فرج:

يا قلب إذ أتاني فرج

عساك بالوصل منه تبتهج

وربما تبلغ المراد وكم

قد جاء عند الضيق الفرج

ما قيل في المهن والحرف

في إسكاف:

رب إسكاف مليح حسنه

ذاب قلبي منه صدا وجفا

كلما أشكو إليه سقمي

قال ما عندي سوى هذا الشفا

في بخانقي:

تسلطن في الملاح بخانقي

ولم يرض ببدر التم نايب

وصف له من الأتراك جندا

وأصبح موكبا تحت العصايب

في حباك:

يا مليحا مهذب مقلته

صاد قلبي منه بالشرك

مذ رأيت الحبك صنعته

قلت هذا البدر في الحبك

عز الدين الموصلي، في حجام:

وحاجم في الكاس أجرى دما

من ساق ساقينا بإشفاق

لكنه خالف في شرطه

فحكم الكاس على الساق

في حريري:

حريري يبيع الحسن لكن

شبيه الغصن والبدر المنير

كسى جسمي السقام ولا عجيب

لثوب السقم من هذا الحريري

وما أحسن من قال ما ينسج على تكة ... وأجاد:

أنا قفل من حريري ...

فوق خصر مستدير

أنا لا أفتح إلا ...

عند أوقات السرور

وقال في حداد، وأجاد:

تعشقت حدادا بديع ملاحة

له طلعة في الحسن تعلو وتشمخ

إذا رمت بالتطريق وصلا بقربه

أراه ستر الغيظ ثم ينفخ

في حلاوي:

ريق الحلاوي أحلى من حلاوته

في خصره دنف والردف منقوش

والدمع سكب وأحشائي تقوضه

والخد مني بماء الدمع مرشوش

لابن الوردي فيه أيضا:

الحلاوي قال لي

أنا للحسن معدن

سهم عيني مسبر

وعدوي مكفن

وللصفدي فيه أيضا:

إن هذا الصبي الحلاوي أضحى

يتجنى على الكثيب ويحقد

لا تعارضه في هواه بشكوى

دعه في دسته يحل ويعقد

في حوايجي:

حوايجي أتيت أسأله

قلت له يا أخا الرضا صف لي

في عنقي دمل به ورم

قال يداوى بمرهم النخل

لابن الوردي في خياط:

لما أتى والمقص في يده ...

وفصل العاتقين والبدنا

فقال وصلا يعوز قلت له

العايز الوصل يا مليح أنا

وأيضا فيه:

مررت بخياط حكى البدر طلعة

وشاكل غصن البان لما انثنى قدا

يقد ويفري الثوب ثم يخيطه

فلم ثوب قلبي لا يخاط وقد قدا

وللأزميري فيه أيضا:

لله خياط إذا سألته

وصلا أراه جا بالمطلوب

وإن شكوت غمتي لردفه

فرجها بالوصل والركوب

في ذهبي:

عشقته ذهبي اللون طلعته

أبهى من البدر بل أبهى من الشهب

إن ملت طبعا إليه ليس ذا عجب

فالناس بالطبع قد مالوا إلى الذهب

وفيه أيضا:

إلى الذهبي صبا قلبي

وكم يدعوه للعطب

ألم ترني على شغفي

أحب الرضع في الذهب

وفي راشد:

أقول لراشدي لما تبدى

عساه يكون لي بالوصل ناجد

بحسن جمالك الحسن المفدى

إلى العشاق قد وافاك راشد

وفي رسام:

هويت رساما كبدر الدجى

وثغره كالدر إذا تبسم

قلت له صلني ولو ساعة

قال: بكم؟ قلت: بما ترسم

وفي رفا:

يا رافيا قطع كل ثوب

يا بغية النفس يا مرادي

عسى بخيط الوصال ترفي

ما فرق الهجر من فؤادي

وللصفدي فيه أيضا:

ورفاء له وجه مليح

محاسنه البديعة ليس تخفى

شغلت به الفؤاد ولا زمانا

أرى ثوب الفؤاد يعد زرفا

في بياع ريحان:

يا صاح ريحاننا قد زارني

وبكاس فيه لما سقاني

لما نظرت إلى شقايق خده

سلب الفؤاد عذاره الريحان

وللصفدي في سكرى:

سبتني صفات السكرى الذي له

بضاعته حتى عدمت قراري

مكرر لفظ في سنينات مبسم

وأحمر خد في نبات عذار

ولابن العربي ... في مليح يسبي الفؤاد:

وظبي يطرق بمرآته

فيسبي فؤادي من لطفه

وهيهات أن أرتجي من هواه

خلاصا ودفني في كفه

ولبدر الدماميني في سباك:

سباك تبر وفضة صنعته

نواه قلبي فسره إذ ذاكا

قلت له سبني أنا وأخي

قال نعم مذ عشقت سباكا

وقال آخر، وأجاد في سروجي:

فتنت به سروجيا بديعا

به قد ذبت وجدا من ضجيج

إذا جذب الغرام له عناني

يلذ لي الركوب على السروج

في سقا:

لله سقا له طلعة

لكل حين قد غدا راويه

أروم أن يسكب لي قربة

وعبرتي من صبوتي راويه

وللأزميري فيه أيضا:

عشقت سقا كالزلال رضابه

فكأنه من خمر فيه قد انتشا

يروي المبرد عن لماه كاملا

وإليه قلبي لم يزل متعطشا

ولشيخ الشيوخ بحماة في شرابي:

سألته من ريقه شربة

أطفي بها من كبدي جمره

فقال أخشى يا شديد الظما

أن تتبع الشربة بالحسره

ولابن الصايغ في شماع:

نظرت إليه شماعا مليحا

جميع الحسن منسوب إليه

له خد جمر لا لهيب

يذوب الشمع من أسف عليه

مواليا في صابوني:

حبيت أهيف رقيق الخصر صابوني

لما هجر قلت عين الناس صابوني

والله لو فتشوا قلبي لصابوني

ما خلت عنه ولو بالنبل صابوني

ولبدر الدين الدماميني في صايغ:

وصايغ شادن هام الفؤاد به

وحبه في صميم القلب قد رسخا

يا ليتني كنت منفاخا على فمه

حتى أقبل فاه كلما نفخا

وله أيضا في طبيب:

طبيب يحاكي الغصن في حركاته

أصير روحي في هواه سبيلا

عجبا له يبري السقام بلطفه

وبطرفه يدعى السقام عليلا

وله في طحان:

لله طحان تبدى وجهه

قمرا له قمر السماء رقيق

وجناته ماء ولكن قلبه

حجر وأما خصره فدقيق

وله أيضا في عطار:

قلت لعطار به صبوتي

محمودة والصبر لا يستطاب

أسقيني كأس غرامي به

ذبت ومن فيك براني الشراب

وفي مليح جالس عند عطار:

وعطار مررت عليه يوما

وجدت بجنبه ظبيا رماني

فقلت له أعندك ماء ورد؟

فقال: نعم، وعندي ما لساني

ولابن الفرس، وأجاد في عوام:

يا حسن عوام كغصن النقا

يبخل بالوصل لمن هاما

ويقنع العشاق منه بأن

يريهم الأرداف إن عاما

وقال آخره، وأجاد في فاخران:

سباني فاخران بديع حسن

رمى في القلب بالبحران جمره

فهمت من الغرام له بحب

وقصدي منه أن أحظى بجره

وفي قباني:

أشرت إلى الحبيب وقد تبدى

بقبان ودمع العين سايل

فدل بحسنه تيها ونادى

إشارات المحب لها دلايل

وللسيد محمد رضوان الرعاد في قصاص:

أشكو إلى الله قصاصا يجرعني

بالصد والهجر أنواعا من القصص

إن تحسن القص يمناه فمقلته

أيضا تقص علينا أحسن القصص

في بايع الكتان:

ربح محب لم يزل قلبه

من بايع الكتان من ربط

من طلب التسريح من حبه

سرحه لكن على المشط

ولابن الوردي في كفتي:

لي كفتي ضباني حسنه

لا أرى من محبة لي مخرجا

مذ تبدى في حديد فحكى

قمرا طرز بالبدر الدجى

ولابن العفيف في كواني:

اسم حبيبي وما يعاني

قد أظهرا لوعتي ولبي

قالوا علي فقلت قدر

قالوا كواني فقلت قلبي

وقال آخر في مليح مكحول:

يا أيها الرشأ المكحول ناظره

بالسحر حسبك قد أحرقت أحشائي

إن انغماسك في التيار حقق أن

الشمس تغرب في عين من الماء

ولابن الوردي في مزين:

بأبي شادن تملك روحي

بجبين وتحته مقلتان

مسك الكلبتين قلت عجيب

من غزال بكفه كلبتان

ولأبي الفضل بن أبي الوفا في مجبر:

أحببت من بين الأنام مجبرا

حسن الشمائل شبه ظبي أحوري

ناديته قلبي كسير بالجوى

فاسمح وكن بالوصل منك مجبري

ولابن الوردي في مهاميزي:

صاح هذا المهاميزي عارضه

بالحسن أصبح أرقم وتطريزي

وجاد بالوصل لي يوما رفست على

أكباد من لام فيه بالمهاميزي

ولآخر لبايع الفخار:

بايع الفخار بدر

قال للعاشق جهره

ما الذي تبغيه مني

قال قصدي ألف جره

وفي ملالي:

ملالي العراق نوى حجازا

به العشاق وجدا قد أمالا

إذا سألوا وداعا لم يجبهم

بلا إيه ولا نعم ولا لا

وقال ابن عربي في ناتف:

وقالوا دع المحبوب واهجره دائما

ألم تره بعد الملاحة ينتف

أينتف من أجلي ويتعب نفسه

وأهجره تالله ما أنت منصف

ولابن الوردي في نطاع:

هويت نطاعا إذا جيته

بادرني باللحظ والصفع

أروم أن أحظى بوصل وقد

قابلني بالسيف والنطع

وللسراج الوراق في وراق:

يا حسن وراق أي خده

قد راق في التقبيل عندي ورق

تميس في الدكان أعطافه

ما أحسن الأغصان بين الورق

وقال ابن حبيب فيه أيضا:

فتنت بحسن وراق نفور

بقلب الصب نار البحر أصلا

صقيل الوجه كم ذرح لديه

ويغضب إن طلبنا منه وصلا

وللسيد محمد رضوان الرعاد في وقاد:

أحببت وقادا كبدر طالع

أنزلته برضى الغرام فؤادي

وأنا الشهاب فلا تعاند عاذل

إن ملت نحو الكوكب الوقاد

وللصفدي في قطان:

قطاننا مهفهف

تعتله أردافه

ناديت من وجدي به

يا ليتني ندافه

وله في بياع مرسين:

يا صاع مرسيننا لو زارني

يوما لكان بوصله يشفيني

لما نظرت إلى رياض خدوده

سلب الفؤاد عذاره المرسيني

وله في بياع نرجس:

بالروح أفدي فوجيا خده

ورد وآس عذاره كالسندس

لما دنا ونظرت روض جماله

نزهت طرفي في عيون النرجس

وله في بياع بنفسج:

سبا بنفسجنا

بحسنه قلبي الشجي

لما بدا في خده

عذاره البنفسجي

وله في بياع تفاح:

لله من بياع تفاح إذا

غلبني بحسن جبينه الوضاح

لما نظرت لحسن نرجس كفه

هام الفؤاد بخده التفاح

وله في بياع سفرجل:

لله من سفرجلي شاقني

بغنج طرف بابلي أكحل

حيا بكاس الراس مع القرنفل

ما أحسن الراح مع السفرجل

وله في بياع الورد:

لله ورد نبا البديع سنا

وما جرى في الثغر من شهد

لما تأملت روض وجنته

تيم قلبي بخده الورد

هوامش

عداوة النساء

طاعتهن تردي العقلاء، وتذل الأعزاء

ذم بعض الحكماء من القدماء جماعة النساء، فقال: هن نار توهج، وسلم إلى كل بلاء، وهن مثل شجرة الدفلي، لها رونق وبها ثمر، إذا أكله البعير آذاه، وقد يودي به.

ومن أمثالهم: طاعة النساء تردي العقلاء، وتذل الأعزاء ...

ونظر بعض الصالحين إلى امرأة تتزين وتتعطر، فلما فرغت من زينتها ظهرت محاسنها، وزاد جمالها، فقال لمن حوله: إنما المرأة مثل النار إذا زيد في حطبها تأججت، واشتد حرها، وضاءت للناس، فهي حسنة المنظر، تحرق من دنا منها.

وقال بعض الحكماء: الكيس من لم تضطره النساء. وقال أيضا: من كانت لذته في النساء وقع في أعظم البلاء.

وقال: من أراد أن يعيش عيشة رغد، ويحيا حياة بلا نكد ، فلا يشغل فكره بشهوة النساء، ولا يومي إليهن بطرفه ولا بيده.

وقال حكيم: كل أسير يفتك إلا أسير النساء فإنه غير مفكوك، وكل مالك يملك إلا مالك النساء فإنه مملوك، وما استرعين شيئا قط إلا وضاع، ولا استؤمن على سر إلا ذاع، ولا أطقن شرا فقصرن عنه، ولا حوين خيرا فأبقين منه، فقيل له: كيف تذمهن، ولولاهن لم تكن أنت ولا أمثالك من الحكماء؟!

فقال: مثل المرأة مثل النخلة الكثيرة السلاء، لا يلامسها جسد إلا اشتكى، وحملها مع ذلك الرطب الطيب الجني. والسلاء: جمع سلاة وهي شوك النخل.

وروى فيهن: أنهن محملات الآصار، ومكلفات الأوزار، وأكثر أهل النار، ولا يصبر عليهن إلا الأخيار، وأنهن يسرعن اللعن، ويكثرن الطعن. وفي الحديث: أنهن يكفرن العشير، وينكرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط!

وقال لقمان: استعذ بالله من شرار النساء، وكن من خيارهن على حذر.

وقيل لبقراط: أي السباع أحسن صورة؟ فقال: النساء.

ورأى امرأة ذهبت إحدى عينيها، فقال: قد ذهب نصف الشر.

ورأى البحر قد حمل امرأة، فقال: شر يجني شرا. ورأى رأس امرأة على شجرة فقال: ليت كل الشجر يثمر مثل هذا الثمر.

ونظرت عجوز من الفلاسفة إلى رجل يريد أن يعرس، وقد زين داره وزوقها، وكتب على الباب: «لا يدخل علي من هذا الباب شيء من الشر».

فقالت له: «فامرأتك من أين تدخل؟».

وتكلم نسوة عند عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقال لهن: اسكتن، فإنما أنتن لعب، إذا فرغ لكن، لعب بكن.

وقيل: إن الإسكندر خرج إليه في بعض حروبه نساء يحاربنه، فقال لأصحابه: كفوا عنهن، فإن ذلك جيش إن غلبناه لم يكن لنا بذلك ذكر ولا فخر، وإن غلبنا فهي الفضيحة الباقي مع الدهر.

ورأيت في بعض الكتب أن بعض النسوة لا يسكن مع الرجال، وأن أزواجهن يسكن ناحية منهن، فمتى احتاج الرجل إلى امرأته أتاها فقضى مدة عندها وانصرف، فإذا ولدت ولدا ربته حتى يكبر وأرسلته إلى أبيه، وإن كانت جارية طمست ثديها الأيمن حتى ييبس لئلا يمنعها الطعن بالرمح، وتركت الآخر الأيسر لترضع به ولدها، ومع هذا فلا تؤمن صحبتهن، ولكن لا بد من الأدب في ذلك.

قال عمر (رضي الله عنه): عودوا نساءكم - لا، فإن - نعم - تجريهن على الألسنة. وفي الحديث عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم : «شاوروهن وخالفوهن»

وقال علي (رضي الله عنه) لابنه محمد بن الحنفية: إياك يا بني ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى الأفن، وعزمهن إلى الواهن، واكفف عليهن من أنصارهن بحجبك إياهن، وإن استطعت ألا يعرفن غيرك فافعل، ولا تطل الجلوس معهن فيهلكنك وتملهن، واستبق من نفسك بقية.

وقال النبي عليه الصلاة والسلام: «كمل من الرجال كثير، ولم تكمل من النساء إلا امرأتان: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران».

وخاطب النبي عليه صلوات الله وسلامه نسوة فقال لهن: «إنكن إذا جعتن دقعتن، وإذا شبعتن أشرتن». وفي بعض الروايات ورد بدلا من لفظ (أشرتن: حجلتن).

ومعنى (دقعتن: خضعتن ولصقتن بالدقعاء، وهي غبرة التراب، ويقال: فقر مدقع، أي ملصق بالدقعاء. وقالوا: رماه الله بالدوقعة، وهي الفقر والذل، وجوع ديقوع: أي شديد.

وقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام في النساء: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء». وفي الشهاب: النساء حبائل الشيطان. وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء. وقال وهو ابن أربع وثمانين سنة، وقد ذهب بصره: ما شيء أخوف عندي من النساء. وقال بعضهم في هذا المعنى:

أضر شيء على الإنسان شهوته

تلك التي أوردته لجة النكد

إن الفضول لعمر الله أدخله

في أن يكابد هم الأهل والولد

يحتاج دارا وأهل الدار يطلبه

كل بشهوته، فليعط، أو ... يعد

فاضطره الحال أن يسعى ليرضيهم

فظل من بلد يسري إلى بلد

كأنه حجر يرمي به نزق

من ها هنا لهنا، أو من يد ليد

ما همه الدهر إلا ما يؤلفه

وما يجمعه من جيد وردي

وما يبالي حراما منه ذاك أتى

فعل امرئ ليس في الأخرى بمعتقد

حتى إذا اجتمعت تلك المكاسب من

تلك النهاويش بعد الأين والجهد

أمسى يفرقها فيهم ونيته

في كسب أخرى كذا، دأبا بلا أمد

وربما أسخط المسكين خالقه

إذ ليس في فعله هذا بمقتصد

الفرض ضيعه، والدين أتلفه

بالمكر والغش، ثم الغل والحسد

وكل ذلك من أجل النساء، فلا

أهلا بهن، ولا قربن من خلد

يسلبن لب ذوي العقل الرصين، كما

يصرعن من كان ذا أيد وذا جلد

يا رب شهوة وقت أورثت غصصا

وأعقبت حسرات آخر الأمد

قد كان في شغل عنهن قاطبة

بهم عيشته لو كان ذا رشد

لكنه عميت عن ذاك مقلته

حتى هوى مكرها في هوة الأسد

ومن شعر أبي العمران الميرتلي رحمه الله:

وقالوا: تزوج فنعم الفتاة

عرضنا عليك تنل خيرها

ولو أستطيع لطلقت نفسي

فكيف أضيف لها غيرها

أأشقى بها دون ما ضرة

وآمن من ضرة ضيرها

وما تقنع العرس مني بشيء

سوى أن تصيرني عيرها

فنفسي أولى بنفسي، ودع

سواها تسر وتصل سيرها

بنات الأربعين من الرزايا

أنشدني أبو عبد الله اليزيدي، قال: أنشدني عمي لمحمد بن عبد الله بن طاهر:

مطيات السرور بنات عشر

إلى عشرين، ثم قف المطايا

فإن جاوزتهن فسر قليلا

بنات الأربعين من الرزايا

مقاساة النساء مع الليالي

إذا أولدتهن من البلايا

طرائف عن الحب

حيلة عاشق

كان لأبي العتاهية الشاعر العباسي نوادر لطيفه مع «عتبة» جارية المهدي، تدل على كمال ظرفه؛ ومن ذلك ما ذكره الخطيب في «تاريخ بغداد» قال: إن أبا العتاهية لما ألح في أمر «عتبة» لأول دخوله بغداد، ولم ينل منها شيئا، وجدها يوما قد جلست في أصحاب الجوهر، فمضى فلبس ثياب راهب، ودفع ثيابه إلى إنسان كان معه، وسأل عن رجل كبير في السوق، فدل على شيخ صائغ، فجاء إليه فقال: إني قد رغبت في الإسلام على يدي هذه المرأة ... يعني «عتبة».

فقام الشيخ الصائغ وجمع جماعة من أهل السوق، وجاء إلى «عتبة » فقال لها: إن الله قد ساق إليك أجرا، هذا هو راهب قد رغب في الإسلام على يديك. فقالت: هاتوه. فدنا أبو العتاهية منها - وهو في زي الراهب - فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ثم قطع الزنار، ومال على يدها فقبلها.

فلما فعل ذلك، رفعت البرنس عن وجهه، فعرفته وقالت: نحوه، لعنه الله! فقالوا لها: لا تلعنيه فقد أسلم. فقالت: إنما فعلت ذلك لقذره. فعرضوا عليه كسوة، فقال: ليس لي حاجة إلى هذه، وإنما أردت أن أشرف بولائها، فالحمد لله الذي من علي بحضوركم.

وجلس أبو العتاهية، فجعلوا يعلمونه (الحمد) وصلى معهم العصر، وهو في ذاك ينظر إليها، لا تقدر له على حيلة!

وحدث المبرد: أن «ريطة» بنت أبي العباس السفاح، وجهت إلى عبد الله بن مالك الخزاعي في شراء رقيق للعتق، وأمرت جاريتها (عتبة) - وكانت لها ثم صحبت «الخيزران» بعدها - أن تحضر ذلك. فإنها لجالسة إذ جاء «أبو العتاهية» في زي متنسك فقال لها: جعلني الله فداك، شيخ ضعيف لا يقوى على الخدمة، فإن رأيت - أعزك الله - شرائي وعتقي، فعلت مأجورة، فأقبلت على عبد الله فقالت: إني لأرى هيئة جميلة، وضعفا ظاهرا، ولسانا فصيحا، ورجلا بليغا، فاشتره وأعتقه. فقال: نعم أفعل، ثم قال لها أبو العتاهية: أتأذنين لي - أصلحك الله - في تقبيل يدك؟ فأذنت له، فقبل يدها وانصرف؛ فضحك عبد الله بن مالك وقال لها: أتدرين من هذا؟ فقالت: لا. قال: هذا أبو العتاهية، وإنما احتال عليك حتى قبل يدك!

بين الحب والمال

وكان أبو العتاهية قد قصد بغداد من الكوفة، مع زميلين له، ليستفيد بشعره عند أمرائها، ولم يكن لهم في بغداد من يقصدونه، فنزلوا غرفة بالقرب من الجسر، وكانوا يبكرون فيجلسون بالمسجد الذي بباب الجسر في كل غداة، فمرت بهم يوما امرأة راكبة، معها خدم سودان، فقالوا: من هذه؟ قالوا: خالصة. فقال أحدهم: قد عشقت خالصة. وعمل فيها شعرا أعانوه عليه.

ثم مرت بهم أخرى، راكبة أيضا، ومعها خدم بيضان. فقالوا: من هذه ؟ قالوا: هذه (عتبة)، فقال أبو العتاهية: قد عشقت عتبة، وعمل فيها شعرا.

ولم يزالوا كذلك، حتى شاع الشعر المصنوع إلى الجاريتين، وتحدث الناس بعشق أبي العتاهية وزميله لهما، فقال صاحبا الجاريتين: نمتحن العاشقين بمال على أن يدعا التعرض للجاريتين، فإن قبلا المال كانا مستأكلين، وإن لم يقبلاه كانا عاشقين.

فلما كان الغد، مرت (عتبة) فعرض لها صاحبها، فقال له الخدم: اتبعنا، فتبعهم، فمضت به إلى منزل خليط لها يزار، فلما جلست دعت به، فقالت له: يا هذا، إنك شاب، وأرى لك أدبا، وأنا حرمة خليفة، وقد تأنيتك، فإن أنت كففت وإلا أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين، ثم لم آمن عليك.

فقال لها أبو العتاهية: فافعلي، بأبي أنت وأمي، فإنك إن سفكت دمي أرحتني، فأسألك بالله إلا فعلت ذلك إذا لم يكن لي فيك نصيب!

فقالت له: أبق على نفسك، وخذ هذه الخمس مئة دينار، واخرج عن هذا البلد، فلما سمع ذكر المال ولى هاربا، فقالت: ردوه، وألحت عليه فيها. فقال لها: جعلت فداك، ما أصنع بعرض زائل من الدنيا وأنا لا أراك؟ ... والله إنك لتبطئين يوما واحدا عن الركوب، فتضيق علي الدنيا بما رحبت، فزادت له في الدنانير، وما زالت تلح عليه فلا يزداد إلا رفضا.

قليل منك يكفيني

ومن ألطف ما قاله أبو العتاهية في (عتبة) قوله:

بالله يا حلوة العينين زوريني

قبل الممات، وإلا ... فاستزيريني!

هذان أمران، فاختاري أحبهما

إليك، أو ... لا. فداعي الموت يدعوني

إن شئت موتا، فأنت الدهر مالكة

روحي، وإن شئت أن أحيا، فأحييني

يا (عتب) ما أنت إلا بدعة خلقت

من غير طين، وخلق الناس من طين

إني لأعجب من حب يقربني

مما يباعدني عنه، ويقصيني

لو كان ينصفني مما كلفت به

إذن ... رضيت، وكان النصف يرضيني

يا أهل ودي ... إني قد لطفت بكم

في الحب - جهدي - ولكن ... لا تبالوني

الحمد لله، قد كنا نظنكمو

من أرحم الناس - طرا - بالمساكين

أما الكثير، فلا أرجوه منك، ولو

أطمعتني في قليل كان يكفيني

وله فيها قصائد كثيرة أخرى، يقول في إحداها :

ألا يا (عتب) يا قمر الرصافه

يا ذات الملاحة والنظافه

رزقت مودتي، ورزقت عطفي

ولم أرزق - فديتك - منك رافه

وصرت من الهوى دنفا سقيما

صريعا كالصريع من السلافه

أظل إذا رأيتك مستكينا

كأنك قد بعثت علي آفه

ومن قوله فيها أيضا:

قال لي أحمد، ولم يدر ما بي

أتحب الغداة (عتبة) حقا؟

فتنفست، ثم قلت: نعم، حبا

جرى في العروق، عرقا فعرقا

لو تجسين يا (عتيبة) قلبي

لوجدت الفؤاد قرحا ... تفقا

قد لعمري مل الطبيب ومل

الأهل مني، مما أقاسي وألقى

ليتني مت فاسترحت، فإني

أبدا - ما حييت - منه ملقى

وفيها يقول: (عتب) ما للخيال

خبريني ومالي؟

لا أراه ... أتاني

زائرا ... مذ ليال

لو ... رآني صديقي

رق لي، أو رثى لي

أو ... يراني عدوي

لان من سوء حالي

من الحب إلى الزهد

وحدث أبو العباس: أحمد بن يحيى ثعلب قال: كان أبو العتاهية قد أكثر مسألة الرشيد في (عتبة)، فوعده بتزويجها، وأنه سيسألها في ذلك، فإن أجابت جهزها له، وأعطاه مالا عظيما، ثم إن الرشيد سنح له شغل استمر به، فحجب أبو العتاهية عن الوصول إليه، فدفع إلى (مسرور) الكبير ثلاث مراوح، فدخل بها على الرشيد وهو يبتسم، وكانت مجتمعة، فقرأ على واحدة منها مكتوبا:

ولقد تنسمت الرياح لحاجتي

فإذا لها من راحتيك شميم

فقال الرشيد: أحسن الخبيث. إذن ... علي بالثانية، وكان مكتوبا عليها:

أغلقت نفسي من رجائك ما له

عنق يحث إليك بي، ورسيم

فقال الرشيد: علي بالثالثة، وكان مكتوبا عليها:

ولربما استيأست، ثم أقول: لا

إن الذي ضمن النجاح كريم

فقال الرشيد: قاتله الله، ما أحسن ما قال، ثم دعا به، وقال له: قد ضمنت لك يا أبا العتاهية، وفي غد نقضي حاجتك إن شاء الله، وبعث إلى (عتبة)، وقال لها: إن لي إليك حاجة، فانتظريني الليلة في منزلك.

فأكبرت (عتبة) ذلك وأعظمته، وصارت إليه تستعفيه، فحلف ألا يذكر لها حاجته إلا في منزلها.

فلما كان الليل سار إليها، ومعه جماعة من خواص خدمه، فقال لها: لست أذكر حاجتي أو تضمنين قضاءها؟ قالت: أنا أمتك، وأمرك نافذ في ... فيما خلا أمر أبي العتاهية، فإني حلفت لأبيك (رضي الله عنه) بكل يمين يحلف بها بر وفاجر، وبالمشي إلى بيت الله الحرام حافية، كلما انقضت عني حجة وجبت علي أخرى، لا أقتصر على الكفارة، وكلما أفدت شيئا تصدقت به، إلا ما أصلي فيه.

وبكت بين يديه، فرق لها ورحمها، وانصرف عنها.

وغدا عليه أبو العتاهية، فقال له الرشيد: والله ما قصرت في أمرك، ومسرور وحسين ورشيد وغيرهم شهود لي بذلك، وشرح له الخبر.

قال أبو العتاهية: فلما أخبرني الرشيد بذلك، مكثت مليا لا أدري أين أنا قائم أو قاعد؟ قلت: الآن يئست منها إذ ردتك، وعلمت أنها لا تجيب أحدا بعدك.

ثم لبس أبو العتاهية الصوف، وتزهد، وقال في ذلك شعرا كثيرا، منه قوله:

قطعت منك حبائل الآمال

وحططت عن ظهر المطي رحالي

ووجدت برد اليأس بين جوانحي

فغنيت عن حل وعن ترحال

وروى أبو سلمة الغنوي أنه قال لأبي العتاهية: ما الذي صرفك عن قول الغزل إلى قول الزهد؟ فقال أبو العتاهية: إذن والله أخبرك، إني لما قلت:

الله بيني وبين مولاتي

أبدت لي الصد والملالات

منحتها مهجتي وخالصتي

فكان هجرانها ... مكافاتي!

هيمني حبها، وصيرني

أحدوثة في جميع جاراتي

رأيت في المنام تلك الليلة، كأن آتيا أتاني فقال: ما أصبت أحدا تدخله بينك وبين عتبة، يحكم لك عليها بالمعصية إلا الله تعالى؟! ... فانتبهت مذعورا، وتبت إلى الله تعالى من ساعتي من قول الغزل.

معي بين أضلعي

المحبة هي بذلك المجهود فيما يرضي الحبيب.

1

وقيل: هي سكون بلا اضطراب، واضطراب بلا سكون، يضطرب القلب فلا يسكن إلا إلى محبوبه، ولا يزال يضطرب شوقا إليه حتى يسكن عنده، وهذا معنى قولهم: هي حركة القلب على الدوام إلى المحبوب، وسكونه عنده، وقيل: هي مصاحبة المحبوب على الدوام، كما قيل:

ومن عجب أني أحن إليهم

وأسأل عنهم من لقيت وهم معي

وتطلبهم عيني وهم في سوادها

ويشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

يرى الفؤاد الروحين يمتزجان

وقال ابن الرومي:

أعانقها والنفس بعد مشوقة

إليها، وهل بعد العناق تدان؟

وألثم فاها كي تزول صبابتي

فيشتد ما عندي من الخفقان

ولم يك مقدار الذي بي من الجوى

ليشفيه ما ترشف الشفتان

كأن فؤادي ليس يشفي غليله

سوى أن يرى الروحين يمتزجان

لئن ساءني لقد سرني

وقال عبد الله بن الدمينة:

ولو قلت: طأ في النار، أعلم أنه

رضا لك أو مدن لنا من وصالك

لقدمت رجلي نحوها ... فوطئتها

هدى منك لي، أو ... ضلة من ضلالك

لئن ساءني أن نلتني بمساءة

لقد سرنى أني خطرت ببالك

العشق عفة ونزاهة

قال الشاعر:

إذا كان حظ المرء ممن يحبه

حراما، فحظى ما يجل ويجمل

حديث كماء المزن بين فصوله

عتاب به حسن الحديث يفصل

ولثم فم عذب اللثات، كأنما

جناهن شهد فت فيه القرنفل

وما العشق إلا عفة ونزاهة

وأنس قلوب أنسهن التغزل

وإني لأستحي الحبيب من التي

تريب، وأدعى للجميل فأجمل

الطرف رسول رائد للقلب

قال الأصمعي: رأيت جارية في الطواف كأنها مهاة، فجعلت أنظر إليها وأملأ عيني من محاسنها، فقالت لي: يا هذا ما شأنك؟ قلت: وما عليك من النظر؟ فأنشأت تقول:

وكنت متى أرسلت طرفك رائدا

لقلبك يوما، أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر

عليه، ولا عن بعضه أنت صابر

وقال الفرزدق:

تزود منها نظرة لم تدع له

فؤادا ولم يشعر بما قد تزودا

فلم أر مقتولا، ولم أر قاتلا

بغير سلاح مثلها حين أقصدا

وقال آخر:

ومن كان يؤتى من عدو وحاسد

فإني من عيني أتيت ومن قلبي

هما اعتوراني: نظرة ثم فكرة

فما أبقيا لي من رقاد ولا لب

وفال ابن المعتز:

متيم يرعى النجوم الدجى

يبكي عليه رحمة عاذله

عيني أشاطت بدمي في الهوى

فابكوا قتيلا بعضه قاتله

وقال الأرجاني:

تمتعتما يا مقلتي بنظرة

وأوردتما قلبي أمر الموارد

أعيني كفا عن فؤادي فإنه

من الظلم سعي اثنين في قتل واحد

وقال آخر:

عاتبت قلبي لما

رأيت جسمي نحيلا

فألزم القلب طرفي

وقال: كنت الرسولا

فقال طرفي لقلبي

بل كنت أنت السؤولا

فقلت: كفا جميعا

تركتماني قتيلا!

لذة الحب كلها

قال الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية:

ليس للقلب والروح ألذ ولا أطيب، ولا أحلى ولا أنعم من محبة الله، والإقبال عليه، وعبادته وحده، وقرة العين به، والأنس بقربه، والشوق إلى لقائه ورؤيته، وإن مثقال ذرة من هذه اللذة لا يعدل بأمثال الجبال من لذات الدنيا.

وقال بعض العارفين: «من قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ويكفي في فضل هذه اللذة وشرفها أنها تخرج من القلب ألم الحسرة على ما يفوت من هذه الدنيا، حتى إنه ليتألم بأعظم ما يلتذ بها أهلها، ويفر منه فرارهم من المؤلم، وهذا موضع الحاكم فيه الذوق لا مجرد لسان العلم».

وكان بعض العارفين يقول: مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا طيب نعيمها، فيقال له: وما هو؟ فيقول: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، ومعرفة أسمائه وصفاته.

وقال آخر: والله إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذه الحال، إنهم لفي عيش طيب. وأنت ترى محبة من محبته عذاب القلب والروح كيف توجب لصاحبها لذة يتمنى معها أنه لا يفارق من أحبه، كما قال شاعر الحماسة:

تشكى المحبون الصبابة ليتني

تحملت ما يلقون من بينهم وحدي

فكانت لقلبي لذة الحب كلها

فلم يلقها قبلي محب ولا بعدي!

أحسنت زيدي

قال عبد الله بن المبارك: عشق هارون الرشيد جارية من جواريه، فأرادها، فقالت: إن أباك مسني؛ فشغف بها، وقال فيها:

أرى ماء وبي عطش شديد

ولكن لا سبيل إلى الورود

أما يكفيك أنك تملكيني

وأن الناس كلهم عبيدي

وأنك لو جهدت على تلافي

لقلت من الرضا: أحسنت زيدي

لذة اللقاء شفاء

وذكر العتبي أن شابا من ولد عثمان، وشابا من ولد الحسين خرجا يريدان موضعا لهما، فنزلا تحت سرحة، فأخذ أحدهما ورقة فكتب عليها:

خبرينا - خصصت بالغيث يا سر

ح - بصدق، والصدق فيه شفاء

وكتب الآخر:

هل يموت المحب من ألم الح

ب ويشفي من الحبيب اللقاء

ثم مضيا، فلما رجعا وجدا مكتوبا تحت ذلك:

إن جهلا سؤالك السرح عما

ليس يوما عليك فيه خفاء

ليس للعاشق المحب من الحب

سوى لذة اللقاء شفاء

دعاء في الطواف

وقال أبو المنجاب: رأيت في الطواف فتى، نحيف الجسم، بين الضعف، يلوذ ويتعوذ ويقول:

وددت بأن الحب يجمع كله

فيقذف في قلبي، وينفلق الصدر

فلا ينقضي ما في فؤادي من الهوى

ومن فرحي بالحب أو ينقضي العمر

فقلت: يا فتى، ما لهذه البنية حرمة تمنعك عن هذا الكلام؟ فقال: بلى والله، ولكن الحب ملأ قلبي بفرح التذكر، ففاضت الفكرة في سرعة الأوبة إلى من لا يشذ عن معرفة ما بي، فتمنيت المنى، والله ما يسرني بما في قلبي منه ما فيه أمير المؤمنين من الملك، وإني أدعو الله أن يثبته في قلبي عمري، ويجعله ضجيعي في قلبي، دريت به أو لم أدر، هذا دعائي، أو أنصرف من حجتي، ثم بكى. فقلت: ما يبكيك؟ قال: خوف ألا يستجاب دعائي، وله قصدت، وفيه رغبت!

محبة الأعداء

من الكلمات المأثورة عن السيد المسيح عليه السلام قوله: «أحبوا أعداءكم».

وقال دعبل الخزاعي:

أشبهت أعدائي فصرت أحبهم

إذ كان حظي منك حظي منهم

أجد الملامة في هواك لذيذة

حبا لذكرك فليلمني اللوم

وقال آخر:

من كان يشكر للصديق فإنني

أحبو بصالح شكري الأعداء

هم صيروا طلب المعالي ديدني

حتى وطئت بنعلي الجوزاء

ولربما انتفع الفتى بعدوه

والسم - أحيانا - يكون شفاء

وقال آخر:

عداي لهم فضل علي ومنة

فلا قطع الرحمن عني الأعاديا

همو بحثوا عن زلتي فاجتنبتها

وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا

وقال أحد الشعراء:

سررت بهجرك لما علمت

أن لقلبك فيه سرورا

ولولا سرورك ما سرني

ولا كنت يوما عليه صبورا

هوامش

المصادر والمراجع

(1)

العقد الفريد. (2)

خلاصة الأثر. (3)

أمالي أبي القاسم الزجاجي. (4)

الإسعاف شرح شواهد الكشاف. (5)

المضاف والمنسوب. (6)

الحيوان للجاحظ . (7)

نفح الطيب. (8)

وفيات الأعيان لابن خلكان. (9)

خزانة الأدب للبغدادي. (10)

لوعة الشاكي، ودمعة الباكي للصفدي. (11)

طوق الحمامة في الألفة والألاف. (12)

سبحة المرجان. (13)

شرح شواهد التحفة الوردية. (14)

عيون التورايخ. (15)

خاص الخاص للثعالبي. (16)

مخطوط رقم 648 شعر تيمور. (17)

أمالي أبي علي القالي. (18)

التبريزي على الحماسة. (19)

سحر العيون. (20)

فوات الوفيات. (21)

اليتيمة للثعالبي. (22)

بغية الوعاة. (23)

كتاب الترقيص ضمن كتاب اتفاق المباني وافتراق المعاني. (24)

إرشاد الأديب. (25)

الأغاني. (26)

العزيز المحلى. (27)

علم الدين، لعلي باشا مبارك. (28)

الروض الأنف. (29)

الكامل لابن الأثير. (30)

بدائع الفوائد. (31)

روضة الأعيان للتراجم. (32)

روضة المحبين ونزهة المشتاقين.

অজানা পৃষ্ঠা