عند مجيئها للعيش في هذا المكان للمرة الأولى قبل ولادة نويل، كانت تسير بين الأشجار كل يوم تقريبا دون أن تفكر في حريتها قط. وفي إحدى المرات، التقت بسونيه. كانت كلتاهما تعملان في مكتبة فانكوفر العامة قبل ذلك الحين بفترة، لكنهما لم تعملا في القسم نفسه، ولم تتحدثا معا قط. وكانت كاث قد استقالت من العمل في الشهر السادس من الحمل وفق الإجراءات المتبعة في هذه الأحوال؛ خشية أن يزعج مظهرها العملاء، بينما استقالت سونيه بسبب فضيحة.
كانت فضيحة، أو على الأقل قصة تناقلتها الصحف وجاءت أحداثها على النحو التالي: ذهب زوج سونيه - واسمه كوتر وكان يعمل صحفيا في مجلة لم تسمع عنها كاث من قبل - في رحلة إلى الصين الشيوعية، فأشير إليه في المجلة بأنه كاتب يساري. وظهرت صورة سونيه بجوار صورته، بالإضافة إلى معلومات عن عملها في المكتبة. وكانت هناك مخاوف من احتمال استغلالها هذه الوظيفة للترويج للكتب الشيوعية والتأثير على الأطفال الذين يترددون على المكتبة، الأمر الذي يدفعهم ليصيروا شيوعيين. لم يقل أحد إنها فعلت ذلك، وإنما قيل فقط إن ثمة خطرا من احتمال حدوث ذلك. لم تكن، أيضا، زيارة أحد من كندا للصين بالأمر المخالف للقانون، لكن اتضح بعد ذلك أن سونيه وكوتر أمريكيان، ما جعل سلوكهما أكثر إثارة للقلق، وزاد من احتمالية وجود أهداف له.
قالت كاث لكنت زوجها عندما رأت صورة سونيه في المجلة: «أعرف هذه الفتاة. على الأقل، أعرف أنني رأيتها من قبل. يبدو عليها دائما الخجل، وستشعر بالإحراج حيال هذا الأمر.»
قال كنت: «كلا، لن تفعل؛ فهذا النوع من الناس يحب الشعور بالاضطهاد؛ فهذا ما يعيشون من أجله.»
نقل عن رئيسة أمناء المكتبة أنها قالت إن سونيه لا علاقة لها باختيار الكتب أو التأثير على رواد المكتبة من صغار السن؛ فهي تقضي معظم وقتها في كتابة القوائم على الآلة الكاتبة.
وفي إحدى المرات، بعد تعرف كاث على سونيه، وتحدثهما معا، وقضائهما نحو نصف ساعة يتحدثان في الطريق، قالت لها سونيه أمرا مضحكا؛ فهي تجهل استخدام الآلة الكاتبة.
لم تطرد سونيه من المكتبة، لكنها استقالت على أي حال؛ فقد رأت أن هذا هو التصرف الصائب؛ لأنها وكوتر كانا يترقبان بعض التغييرات في حياتهما مستقبلا.
وتساءلت كاث عما إذا كان أحد هذه التغييرات هو انتظارهما طفلا، فبدا لها أنه بعد الانتهاء من الدراسة تستمر الحياة كسلسلة من الاختبارات المتتابعة التي ينبغي للمرء اجتيازها، وأول هذه الاختبارات هو الزواج؛ فإذا بلغ المرء خمسة وعشرين عاما ولم يتزوج، فقد فشل في هذا الاختبار بكافة المعايير (كانت كاث توقع دوما باسم «السيدة كنت مايبيري» مع شعورها بالارتياح وبعض الابتهاج)، وبعد ذلك، تأتي مرحلة التفكير في أول طفل. الانتظار مدة عام قبل الحمل فكرة جيدة، والانتظار عامين قرار صائب وإن لم يكن ضروريا، أما الانتظار ثلاثة أعوام، فسيجعل الناس يبدءون في التساؤل. وبعد ذلك، يكون التفكير في الطفل الثاني، ثم تسير أمور الحياة على نحو أكثر إبهاما، ويصبح من الصعب على المرء، عندما يصل إلى أي من هذه المراحل، التيقن من أنها هي المراحل التي كان يسعى لبلوغها.
لم تكن سونيه من النوع الذي يفصح لصديقاته عما تبذله من محاولات للحمل، ومنذ متى تحاول ذلك، وما الأساليب التي تتبعها في هذه المساعي. لم تتحدث قط عن الجنس على هذا النحو، أو عن دورتها الشهرية أو أي سلوك آخر لجسدها، مع أنها سرعان ما أخبرت كاث بأمور يعتبرها أغلب الناس أكثر إثارة للاشمئزاز. تمتعت سونيه، كذلك، بجسم رشيق جميل؛ فقد أرادت أن تكون راقصة باليه، لكنها صارت أطول مما ينبغي، ولم تتوقف عن الندم على ذلك حتى التقت بكوتر الذي قال لها: «يا إلهي ! فتاة برجوازية أخرى تريد التحول إلى بجعة محتضرة.» كان وجهها عريضا، هادئا، ورديا. لم تضع قط أي مستحضرات تجميل، فقد كان كوتر ضدها. وكان شعرها أشقر كثيفا ترفعه لأعلى بالدبابيس وتشبكه حول بعضه. كانت كاث تراها جميلة المحيا، ويجمع مظهرها بين الملائكية والذكاء.
بينما كانت كاث وسونيه تتناولان البطاطس المقلية على الشاطئ ذات مرة، تناقشتا حول شخصيات القصص التي تقرآنها. كيف لم تقع امرأة قط في حب ستانلي برنل؟ ما خطبه؟ كان كالصبي في حبه المندفع، ونهمه على المائدة، واعتداده بذاته. أما جوناثان تروت ... فكم كان حريا بليندا، زوجة ستانلي، الزواج من جوناثان تروت الذي يعوم بخفة في الماء، في حين ينثر ستانلي الماء هنا وهناك من حوله ويصدر أصواتا معبرة عن سخطه. يقول جوناثان: «مرحبا يا فراشتي الملائكية» بصوته العميق الرقيق، ويتسم بشخصية ساخرة وبارعة وضجرة تتذكر دائما قصر الحياة. أما ستانلي، فسريعا ما ينهار عالمه الهش ليكشف عن شعوره بالخزي.
অজানা পৃষ্ঠা