جلست والدته على الكرسي بالقرب من النافذة، في حين انتهى هو من إعداد البيض. أخذت تراقب الطريق من النافذة؛ فلم يفت الأوان بعد على وصول والده للمنزل لتناول الطعام. وربما لم يسكر بعد، لكن سلوكه لم يعتمد دوما على مدى سكره؛ فإن دخل إلى المطبخ الآن، فسيطلب من سيسي على الأرجح إعداد بعض البيض له أيضا، ثم سيسأله عن مئزر المطبخ الخاص به، ويقول له إنه سيصير زوجة بارعة في المستقبل. هكذا يكون سلوكه عندما يكون في حالة مزاجية جيدة، أما إذا كان في حالة مزاجية أخرى، فسيحدق في سيسي على نحو معين يعكس تعبيرا تهديديا عبثيا ومبالغا فيه، ويقول له إنه يجدر به الاحتراس. «تظن نفسك غلاما ذكيا، أليس كذلك؟ حسنا، لن أقول لك سوى أنه يجدر بك الاحتراس.»
وإذا نظر إليه سيسي - أو ربما أيضا إذا لم يفعل - أو إذا أسقط ملعقة البيض أو وضعها على نحو جعلها تصدر صوتا - أو حتى إذا توخى الحذر الشديد لعدم إسقاط أي شيء وإصدار أي ضوضاء - كان والده يكشر عن أنيابه ويزمجر كالكلب. قد يرى البعض مظهره مضحكا - بل إنه كذلك بالفعل - لكنه يكون جادا حين يفعل ذلك؛ فبعد دقيقة، يكون الطعام والأطباق على الأرض، والكراسي أو المائدة مقلوبة، وقد يطارد سيسي أيضا في أرجاء الغرفة وهو يصيح موضحا كيف سينال منه هذه المرة، ويسوي وجهه على الموقد الساخن، ويسأله عن رأيه فيما سيحدث له. وأي شخص يراه سيظن أنه مجنون. بيد أنه إذا طرق الباب في تلك اللحظات - ليعلن مثلا عن حضور أحد أصدقائه لاصطحابه إلى الخارج - كان وجهه يعود إلى طبيعته في الحال، ويفتح الباب، وينادي صديقه باسمه بصوت مازح. «سأكون معك في لحظات. كنت سأدعوك للدخول، لكن زوجتي ترمي الأطباق في أرجاء المنزل كعادتها.»
لم يكن يعتقد أن أحدا سيصدق ذلك، لكنه كان يقول مثل هذه الأشياء ليحول ما كان يحدث في منزله إلى مزحة.
سألت الأم سيسي عما إذا كان الطقس يزداد دفئا وأين ذهب ذلك الصباح.
فأجابها: «نعم، إنه يزداد دفئا، وقد ذهبت إلى الأراضي المسطحة بجوار النهر.»
فقالت له إنها بإمكانها شم رائحة الريح به.
واستطردت: «أتعلم ماذا سأفعل بعد تناولنا الطعام مباشرة؟ سآخذ زجاجة مياه ساخنة وأعود إلى السرير؛ لعلي أستعيد بعضا من عافيتي، وأشعر بأنني أفعل شيئا ذا قيمة.»
كان هذا ما تقوله عادة، لكنها كانت تصرح به دوما كما لو كان فكرة طرأت لها فجأة، مجرد قرار مفعم بالأمل. •••
كان لباد سولتر أختان أكبر منه لا تفعلان شيئا نافعا في الحياة إلا إذا أجبرتهما والدتهما على ذلك؛ فلم تقصرا ما تفعلانه من تصفيف الشعر، وطلاء الأظافر، وتنظيف الأحذية، ووضع مساحيق الزينة، بل وكل ما يتعلق بملابسهما أيضا، على غرف نومهما أو دورة المياه، وإنما كانتا تلقيان بالأمشاط وأدوات عقص الشعر وبودرة الوجه وطلاء الأظافر وملمع الأحذية بجميع أرجاء المنزل، وتملآن كذلك كل مساند الكراسي بالفساتين والبلوزات المكوية، هذا إلى جانب تجفيف السترات على المناشف على كل بقعة فارغة على الأرض (ثم تصرخان في وجه من يخطو بالقرب منها). اعتادتا، أيضا، تأمل نفسيهما في العديد من المرايا - مرآة حامل المعاطف، ومرآة بوفيه غرفة الطعام، والمرآة المعلقة بجوار باب المطبخ التي يمتلئ الرف الموجود أسفلها دوما بالدبابيس المشبكية، ودبابيس الشعر، والعملات المعدنية، والأزرار، وما تبقى من أقلام الرصاص. وأحيانا، كانت تقف إحداهما أمام إحدى هذه المرايا عشرين دقيقة كاملة أو نحو ذلك لتتأمل نفسها من عدة زوايا، وتفحص أسنانها، وتجذب شعرها للخلف ثم تنفضه للأمام، ثم تسير مبتعدة عن المرآة وقد بدا عليها الرضا بمظهرها، أو على الأقل الانتهاء مما كانت تفعله، لكنها ما إن تصل إلى الغرفة المجاورة وتمر بمرآة أخرى حتى تبدأ في تكرار كل ما فعلته مجددا كما لو كانت قد بدلت رأسها برأس جديد.
وفي اللحظة التي دخل فيها باد إلى المنزل، كانت أخته الكبرى - المفترض أنها جميلة - تنزع الدبابيس من شعرها أمام مرآة المطبخ، وقد لفته على شكل تموجات لامعة كالحلازين. أما أخته الأخرى، فكانت تهرس البطاطس؛ بأمر من والدتها، وكان أخوه، الذي يبلغ من العمر خمسة أعوام، يجلس في مكانه على المائدة، ويقرع بالشوكة والسكين بقوة لأعلى وأسفل، وهو يصيح: «أرغب في بعض الخدمة ... أرغب في بعض الخدمة.»
অজানা পৃষ্ঠা