وكم من محام كاد يقتله اليأس ويهلكه الاكتئاب، قد سبق الأمراء في المنصب محمولا إلى الأمام على نسيم حب الحبيبة المشجع، ومسترشدا بنور ابتسامتها الحلوة الدالة على النبوة.
إن صديقة محبة ذكية مخلصة، لمقتنى أكثر قيمة من أجمل الحدائق وأعظم القصور.
ومن ثم فإذا قلنا «الحب» يجب أن يتبادر إلى الذهن معنى «الحب الحقيقي» ومعناه «الحق والقوة والجمال» ذلك هو الحب.
فحبنا الحق تقديس لله، وفي غرامنا بالقوة عبادة للخالق، وفي هيامنا بالجمال تسبيح للرب.
ولعل هذا سبب قول أوسكار وايلد: «في مقدوري أن أقاوم كل شيء إلا الحب.»
قلما يتسلط الحب على الجبان؛ لأن الجبان دائما يتردد والحب جريء.
ويقول ميخائيل نعيمة في هذا الصدد قولين صريحين، آية في الروعة والجمال، وغاية في الدقة والإتقان.
أما كلمته الأولى فهي: «الحب سيد مطلق، لا يطيق فوق سيادته سيادة؛ فهو يقود ولا يقاد، ويسوق ولا يساق، ويأمر ولا يأتمر. ولأنه سيد الزمان والمكان نراه إذا احتل قلبا ولو لحظة أو لحظات قصيرات جعله أفسح من الأرض والسماء، وأعتق من الأزل، وأفتى من الأبد. هو الطريق والدليل. وهو الغاية والواسطة، والبداية والنهاية.»
وهاك كلمته الثانية: «لو جندنا كل ما في الإنسان من ذكاء وعبقرية ودهاء، لما استطعنا أن نخلق من القرد غزالا، أما الحب إذا ما تربع في القلب وبث أنفاسه في نياطه وشغافه، استطاع في أقل من طرفة عين أن يعبث بالناس وتقاليدهم، وبالطبيعة وسننها على هواه؛ فالعليل يبرأ، والقبيح يجمل، والضعيف يقوى، والقصي يدنو، والخشن ينعم، والقاسي يلين، والمحدود يغدو بغير حدود. وإذا الأبدية لمحة واللمحة أبدية، وإذا الفضاء بكل ما فيه سرير دافئ وثير. فالزمان والمكان كلاهما عبد طيع للحب ومطية ذلول.»
هذا هو الحب في نظر ميخائيل نعيمة. إنه قوة مطلقة مجردة من كل ضعف .. تسود ولا تساد .. وتفني ولا تفنى .. بل وتجعل الأسود أبيض، والأبيض أسود.
অজানা পৃষ্ঠা