History of Islam
تاريخ الإسلام - ت بشار
তদারক
د بشار عوّاد معروف
প্রকাশক
دار الغرب الإسلامي
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
প্রকাশনার বছর
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
প্রকাশনার স্থান
بيروت
জনগুলি
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الباقي بعد فناء خلقه، الكافي من توكل عليه، القيّوم الذي ملكوت كلّ شيء بيديه، حمدا كثيرا طيّبا مباركا فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه. وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله؛ أرسله رحمة للعالمين، وخاتما للنّبيّين، وحرزا للأميّين، وإماما للمتّقين بأوضح دليل، وأفصح تنزيل، وأفسح سبيل، وأفسر تبيان، وأبهر برهان. اللهمّ آته الوسيلة، وابعثه مقاما محمودا، يغبطه به الأوّلون والآخرون، وصلّ عليه وعلى آله الطّيبين، وصحابته المجاهدين، وأزواجه أمّهات المؤمنين.
أما بعد: فهذا كتاب نافع إن شاء الله - ونعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع - جمعته وتعبت عليه، واستخرجته من عدّة تصانيف. يعرف به الإنسان مهمّ ما مضى من التّاريخ، من أوّل تاريخ الإسلام إلى عصرنا هذا؛ من وفيات الكبار من الخلفاء، والقرّاء والزّهاد والفقهاء، والمحدّثين والعلماء، والسّلاطين والوزراء، والنّحاة والشّعراء. ومعرفة طبقاتهم وأوقاتهم وشيوخهم وبعض أخبارهم، بأخصر عبارة وألخص لفظ. وما تمّ من الفتوحات المشهورة والملاحم المذكورة، والعجائب المسطورة، من غير تطويل ولا إكثار ولا استيعاب. ولكن أذكر المشهورين ومن يشبههم، وأترك المجهولين ومن يشبههم. وأشير إلى الوقائع الكبار، إذ لو استوعبت التراجم والوقائع لبلغ الكتاب مائة مجلّدة بل أكثر، لأنّ فيه مائة نفس يمكنني أن أذكر أحوالهم في خمسين مجلّدا.
وقد طالعت على هذا التأليف من الكتب مصنّفات كثيرة، ومادّته من:
دلائل النّبوّة للبيهقي.
وسيرة النّبيّ ﷺ لابن إسحاق.
1 / 5
ومغازيه لابن عائذ الكاتب.
والطّبقات الكبرى لمحمد بن سعد كاتب الواقديّ.
وتاريخ أبي عبد الله البخاري.
وبعض تاريخ أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة.
وبعض تاريخ يعقوب الفسوي.
وتاريخ محمد بن المثنّى العنزي، وهو صغير.
وتاريخ أبي حفص الفلاّس.
وتاريخ أبي بكر بن أبي شيبة.
وتاريخ الواقدّي.
وتاريخ الهيثم بن عديّ.
1 / 6
وتاريخ خليفة بن خيّاط، والطبقات له.
وتاريخ أبي زرعة الدمشقي.
والفتوح لسيف بن عمر.
وكتاب النّسب للزّبير بن بكّار.
والمسند للإمام أحمد.
وتاريخ المفضّل بن غسّان الغلابي.
والجرح والتعديل عن يحيى بن معين.
والجرح والتعديل لعبد الرحمن بن أبي حاتم.
ومن عليه رمز فهو في الكتب السّتّة أو بعضها، لأنّني طالعت مسودّة تهذيب الكمال لشيخنا الحافظ أبي الحجّاج يوسف المزّي، ثم طالعت المبيضّة كلّها. فمن على اسمه (ع) فحديثه في الكتب الستّة، ومن عليه (٤) فهو في السّنن الأربعة، ومن عليه (خ) فهو في البخاري، ومن عليه (م) ففي
1 / 7
مسلم، ومن عليه (د) ففي سنن أبي داود، ومن عليه (ت) ففي جامع الترمذي، ومن عليه (ن) ففي سنن النّسائي، ومن عليه (ق) ففي سنن ابن ماجه. وإن كان الرجل في الكتب إلاّ فرد كتاب فعليه (سوى ت) مثلا، أو (سوى د).
وقد طالعت أيضا عليه من التواريخ التي اختصرتها:
تاريخ أبي عبد الله الحاكم.
وتاريخ أبي سعيد بن يونس.
وتاريخ أبي بكر الخطيب.
وتاريخ دمشق لأبي القاسم الحافظ.
وتاريخ أبي سعد بن السّمعاني، والأنساب له.
وتاريخ القاضي شمس الدين بن خلّكان.
1 / 8
وتاريخ العلاّمة شهاب الدين أبي شامة.
وتاريخ الشيخ قطب الدين بن اليونيني، وتاريخه على تاريخ مرآة الزمان للواعظ شمس الدين يوسف بن الجوزي، وهما على الحوادث والسّنين.
وطالعت أيضا كثيرا من:
تاريخ الطبري.
وتاريخ ابن الأثير.
وتاريخ ابن الفرضيّ.
وصلته لابن بشكوال.
وتكملتها للأبّار.
والكامل لابن عديّ.
وكتبا كثيرة وأجزاء عديدة، وكثيرا من: مرآة الزمان.
1 / 9
ولم يعتن القدماء بضبط الوفيات كما ينبغي، بل اتّكلوا على حفظهم، فذهبت وفيات خلق من الأعيان من الصّحابة، ومن تبعهم إلى قريب زمان أبي عبد الله الشافعيّ ﵀ فكتبنا أسماءهم على الطّبقات تقريبا، ثم اعتنى المتأخّرون بضبط وفيات العلماء وغيرهم، حتى ضبطوا جماعة فيهم جهالة بالنّسبة إلى معرفتنا لهم، فلهذا حفظت وفيات خلق من المجهولين وجهلت وفيات أئمة من المعروفين. وأيضا فإن عدّة بلدان لم يقع إلينا تواريخها؛ إمّا لكونها لم يؤرّخ علماءها أحد من الحفّاظ، أو جمع لها تاريخ ولم يقع إلينا.
وأنا أرغب إلى الله - تعالى - وأبتهل إليه أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يغفر لجامعه وسامعه ومطالعه وللمسلمين آمين.
1 / 10
السنة الأولى من الهجرة
روى البخاري في صحيحه من حديث الزهري، عن عروة، عن عائشة أن المسلمين بالمدينة سمعوا مخرج رسول الله ﷺ. فكانوا يغدون إلى الحرةينتظرونه، حتى يردهم حر الشمس، فانقلبوا يوما، فأوفى يهودي على أطم فبصر برسول الله ﷺ وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فأخبرني عروة أن رسول الله ﷺ لقي الزبير في ركب من المسلمين كانوا تجارا قافلين من الشام، فكسا الزبير ﵁ رسول الله ﷺ وأبا بكر ثياب بياض. قال: فلم يملك اليهودي أن صاح: يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون. فثار المسلمون إلى السلاح. فتلقوه بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين من ربيع الأول. فقام أبو بكر للناس، فطفق من لم يعرف رسول الله ﷺ يسلم على أبي بكر حتى أصابت الشمس رسول الله ﷺ، فأقبل أبو بكر يظله بردائه، فعرف الناس عند ذلك رسول الله ﷺ. فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة، وأسس مسجدهم. ثم ركب راحلته وسار حوله الناس يمشون، حتى بركت به مكان المسجد، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين - وكان مربدا لسهل وسهيل - فدعاهما فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله. ثم بناه مسجدا، وكان ينقل اللبن معهم ويقول:
هذا الحمال، لا حمال خيبر … هذا أبر - ربنا - وأطهر
1 / 11
ويقول:
اللهم إن الأجر أجر الآخره … فارحم الأنصار والمهاجره
وخرج البخاري من حديث أبي إسحاق عن البراء حديث الهجرة بطوله.
وخرج من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: أقبل النبي ﷺ إلى المدينة وهو مردف أبا بكر. وأبو بكر شيخ يعرف، والنبي ﷺ شاب لا يعرف، فيلقى الرجل أبا بكر فيقول: من هذا بين يديك؟ فيقول: رجل يهديني الطريق، وإنما يعني طريق الخير.
إلى أن قال: فنزل رسول الله ﷺ جانب الحرة، ثم بعث إلى الأنصار، فجاؤوا إلى النبي ﷺ، فسلموا عليهما، وقالوا: اركبا آمنين مطاعين. فركبا، وحفوا دونهما بالسلاح. فقيل في المدينة: جاء نبي الله، جاء نبي الله، فأقبل يسير حتى نزل إلى جانب دار أبي أيوب، وذكر الحديث.
وروينا بإسناد حسن، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، عن أبيه قال: قدم رسول الله ﷺ المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فأقام بالمدينة عشر سنين.
وقال محمد بن إسحاق: فقدم ضحى يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، فأقام في بني عمرو بن عوف - فيما قيل - يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم ظعن يوم الجمعة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلاها بمن معه. وكان مكان المسجد مربدا لغلامين يتيمين، وهما سهل وسهيل ابنا رافع بن عمرو من بني النجار - فيما قال موسى بن عقبة - وكانا في حجر أسعد بن زرارة.
وقال ابن إسحاق: كان المربد لسهل وسهيل ابني عمرو، وكانا في
1 / 12
حجر معاذ بن عفراء.
وغلط ابن منده فقال: كان لسهل وسهيل ابني بيضاء، وإنما ابنا بيضاء من المهاجرين.
وأسس رسول الله ﷺ في إقامته ببني عمرو بن عوف مسجد قباء. وصلى الجمعة في بني سالم في بطن الوادي، فخرج معه رجال منهم: وهم العباس بن عبادة، وعتبان بن مالك، فسألوه أن ينزل عندهم ويقيم فيهم، فقال: خلوا الناقة فإنها مأمورة. وسار والأنصار حوله حتى أتى بني بياضة، فتلقاه زياد بن لبيد، وفروة بن عمرو، فدعوه إلى النزول فيهم، فقال: دعوها فإنها مأمورة. فأتى دور بني عدي بن النجار، وهم أخوال عبد المطلب، فتلقاه سليط بن قيس، ورجال من بني عدي، فدعوه إلى النزول والبقاء عندهم، فقال: دعوها فإنها مأمورة. ومشى حتى أتى دور بني مالك بن النجار، فبركت الناقة في موضع المسجد، وهو مربد تمر لغلامين يتيمين. وكان فيه نخل وخرب، وقبور للمشركين. فلم ينزل عن ظهرها، فقامت ومشت قليلا، وهو ﷺ لا يهيجها، ثم التفت فكرت إلى مكانها وبركت فيه، فنزل عنها. فأخذ أبو أيوب الأنصاري رحلها فحمله إلى داره. ونزل النبي ﷺ في بيت من دار أبي أيوب. فلم يزل ساكنا عند أبي أيوب حتى بنى مسجده وحجره في المربد. وكان قد طلب شراءه فأبت بنو النجار من بيعه، وبذلوه لله وعوضوا اليتيمين. فأمر بالقبور فنبشت، وبالخرب فسويت. وبنى عضادتيه بالحجارة، وجعل سواريه من جذوع النخل، وسقفه بالجريد. وعمل فيه المسلمون حسبة.
فمات أبو أمامة أسعد بن زرارة الأنصاري تلك الأيام بالذبحة. وكان من سادة الأنصار ومن نقبائهم الأبرار. ووجد النبي ﷺ وجدا لموته، وكان قد كواه. ولم يجعل على بني النجار بعده نقيبا وقال: أنا نقيبكم. فكانوا يفخرون بذلك.
1 / 13
وكانت يثرب لم تمصر، وإنما كانت قرى مفرقة: بنو مالك بن النجار في قرية، وهي مثل المحلة، وهي دار بني فلان. كما في الحديث: خير دور الأنصار دار بني النجار.
وكان بنو عدي بن النجار لهم دار، وبنو مازن بن النجار كذلك، وبنو سالم كذلك، وبنو ساعدة كذلك، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك، وبنو عمرو بن عوف كذلك، وبنو عبد الأشهل كذلك، وسائر بطون الأنصار كذلك. قال النبي ﷺ: وفي كل دور الأنصار خير.
وأمر ﵇ بأن تبنى المساجد في الدور. فالدار - كما قلنا - هي القرية. ودار بني عوف هي قباء. فوقع بناء مسجده ﷺ في بني مالك بن النجار، وكانت قرية صغيرة.
وخرج البخاري من حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه ولم - نزل في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة. ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا.
وآخى في هذه المدة بين المهاجرين والأنصار. ثم فرضت الزكاة. وأسلم الحبر عبد الله بن سلام، وأناس من اليهود، وكفر سائر اليهود.
قصة إسلام ابن سلام
قال عبد العزيز بن صهيب، عن أنس قال: جاء عبد الله بن سلام فقال: أشهد أنك رسول الله حقا. ولقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادعهم فسلهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت. فأرسل إليهم فأتوا، فقال لهم: يا معشر يهود، ويلكم اتقوا الله، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله فأسلموا. قالوا: ما نعلمه، فأعاد ذلك عليهم ثلاثا. ثم قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: ذاك سيدنا وابن سيدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا:
1 / 14
حاش لله، ما كان ليسلم. قال: يا ابن سلام اخرج عليهم. فخرج عليهم، فقال: ويلكم اتقوا الله، فوالذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقا، قالوا: كذبت. فأخرجهم رسول الله ﷺ. أخرجه البخاري بأطول منه.
وأخرج من حديث حميد عن أنس، قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله ﷺ، وهو في أرض، فأتى النبي ﷺ فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفا. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة. قال: ثم قرأ قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك. أما أول أشراط الساعة، فنار تخرج على الناس من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت. وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه، وإذا سبق ماء المرأة نزع إلى أمه. فتشهد وقال: إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني. فجاؤوا، فقال: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. قال: أرأيتم إن أسلم؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك. فخرج فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله. فقالوا: شرنا وابن شرنا، وتنقصوه. قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.
وقال عوف الأعرابي، عن زرارة بن أوفى، عن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله ﷺ المدينة انجفل الناس قبله، وقالوا: قدم رسول الله ﷺ. فجئت لأنظر، فلما رأيته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب. فكان أول شيء سمعته منه أن قال: أيها الناس، أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام. صحيح.
1 / 15
وروى أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي مالك، وأبي صالح، عن ابن عباس؛ وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي ﷺ في قوله تعالى: ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به؛ قال: كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم. وكانوا يجدون محمدا في التوراة، فيسألون الله أن يبعثه فيقاتلون معه العرب. فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل.
قصة بناء المسجد
قال أبو التياح، عن أنس: فأرسل رسول الله ﷺ إلى ملأ بني النجار، فجاؤوا فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا. قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا إلى الله. فكان فيه ما أقول لكم: كان فيه قبور المشركين، وكان فيه خرب ونخل. فأمر رسول الله ﷺ بقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت، وبالنخل فقطع. فصفوا النخل قبلة، وجعلوا عضادتيه حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر، وهم يرتجزون، ورسول الله ﷺ معهم، ويقولون:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة.
متفق عليه. وفي رواية: فاغفر للأنصار.
وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، في قصة بناء المسجد: فطفق هو وأصحابه ينقلون اللبن، ويقول وهو ينقل اللبن معهم:
هذا الحمال، لا حمال خيبر هذا أبر - ربنا - وأطهر:.
ويقول:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة
1 / 16
قال ابن شهاب: فتمثل رسول الله ﷺ بشعر رجل من المسلمين لم يسم في الحديث. ولم يبلغني في الحديث أن رسول الله ﷺ تمثل ببيت شعر غير هذه الأبيات.
ذكره البخاري في صحيحه.
وقال صالح بن كيسان: حدثنا نافع أن عبد الله أخبره أن المسجد كان على عهد رسول الله ﷺ مبنيا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل. فلم يزد فيه أبو بكر شيئا. وزاد فيه عمر، وبناه على بنيانه في عهد رسول الله ﷺ باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا. وغيره عثمان، فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج. أخرجه البخاري.
وقال حماد بن سلمة، عن أبي سنان، عن يعلى بن شداد، عن عبادة، أن الأنصار جمعوا مالا، فأتوا به النبي ﷺ فقالوا: ابن بهذا المسجد وزينه، إلى متى نصلي تحت هذا الجريد؟ فقال: ما بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى.
وروي عن الحسن البصري في قوله: كعريش موسى؛ قال: إذا رفع يده بلغ العريش، يعني السقف.
وقال عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق بن علي، عن أبيه قال: بنيت مع النبي ﷺ مسجد المدينة، فكان يقول: قربوا اليمامي من الطين، فإنه من أحسنكم له بناء.
وقال أبو سعيد الخدري: قال رسول الله ﷺ: المسجد الذي أسس على
1 / 17
التقوى مسجدي هذا. أخرجه مسلم بأطول منه.
وقال ﷺ: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة. صحيح.
وقال أبو سعيد: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين - يعني في بناء المسجد - فرآه النبي ﷺ، فجعل ينفض عنه التراب ويقول: ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار. أخرجه البخاري دون قوله تقتله الفئة الباغية، وهي زيادة ثابتة الإسناد.
ونافق طائفة من الأوس والخزرج، فأظهروا الإسلام مداراة لقومهم. فممن ذكر منهم: من أهل قباء: الحارث بن سويد بن الصامت، وكان أخوه خلاد رجلا صالحا، وأخوه الجلاس دون خلاد في الصلاح.
ومن المنافقين: نبتل بن الحارث. وبجاد بن عثمان. وأبو حبيبة ابن الأزعر أحد من بنى مسجد الضرار، وجارية بن عامر، وابناه: زيد ومجمع - وقيل: لم يصح عن مجمع النفاق، وإنما ذكر فيهم لأن قومه جعلوه إمام مسجد الضرار - وعباد بن حنيف، وأخواه سهل وعثمان من فضلاء الصحابة.
ومنهم: بشر، ورافع ابنا زيد، ومربع، وأوس ابنا قيظي، وحاطب
1 / 18
ابن أمية، ورافع بن وديعة، وزيد بن عمرو، وعمرو بن قيس؛ ثلاثتهم من بني النجار، والجد بن قيس الخزرجي؛ من بني جشم، وعبد الله بن أبي ابن سلول، من بني عوف بن الخزرج، وكان رئيس القوم.
وممن أظهر الإيمان من اليهود ونافق بعد: سعد بن حنيف، وزيد بن اللصيت، ورافع بن حرملة، ورفاعة بن زيد بن التابوت، وكنانة بن صوريا.
ومات فيها: البراء بن معرور السلمي أحد نقباء العقبة ﵁. وهو أول من بايع النبي ﷺ ليلة العقبة، وكان كبير الشأن.
وتلاحق المهاجرون الذين تأخروا بمكة بالنبي ﷺ. فلم يبق إلا محبوس أو مفتون. ولم يبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها، إلا أوس الله، وهم حي من الأوس؛ فإنهم أقاموا على شركهم.
ومات فيها: الوليد بن المغيرة المخزومي والد خالد، والعاص بن وائل السهمي والد عمرو بمكة على الكفر.
وكذلك: أبو أحيحة سعيد بن العاص الأموي توفي بماله بالطائف.
وفيها: أري الأذان عبد الله بن زيد، وعمر بن الخطاب، فشرع الأذان على ما رأيا.
وفي شهر رمضان عقد النبي ﷺ لواء لحمزة بن عبد المطلب يعترض عيرا لقريش. وهو أول لواء عقد في الإسلام.
وفيها: بعث النبي ﷺ حارثة وأبا رافع إلى مكة لينقلا بناته وسودة أم المؤمنين.
وفي ذي القعدة عقد لواء لسعد بن أبي وقاص، ليغير على حي من بني كنانة أو بني جهينة. ذكره الواقدي.
وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة قال: قدم النبي ﷺ المدينة، فكان أول راية عقدها راية عبيدة بن الحارث.
وفيها: آخي النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار، على المواساة والحق.
1 / 19
وقد روى أبو داود الطيالسي، عن سليمان بن معاذ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: آخى رسول الله ﷺ بين المهاجرين والأنصار، وورث بعضهم من بعض، حتى نزلت: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض.
والسبب في قلة من توفي في هذا العام وما بعده من السنين، أن المسلمين كانوا قليلين بالنسبة إلى من بعدهم. فإن الإسلام لم يكن إلا ببعض الحجاز، أو من هاجر إلى الحبشة. وفي خلافة عمر ﵁ بل وقبلها - انتشر الإسلام في الأقاليم. فبهذا يظهر لك سبب قلة من توفي في صدر الإسلام، وسبب كثرة من توفي في زمان التابعين فمن بعدهم.
وكان في هذا القرب أبو قيس بن الأسلت بن جشم بن وائل الأوسي الشاعر. وكان يعدل بقيس بن الخطيم في الشجاعة والشعر. وكان يحض الأوس على الإسلام. وكان قبل الهجرة يتأله ويدعي الحنيفية، ويحض قريشا على الإسلام، فقال قصيدته المشهورة التي أولها:
أيا راكبا إما عرضت فبلغن مغلغلة عني لؤي بن غالب أقيموا لنا دينا حنيفا، فأنتمو لنا قادة، قد يقتدى بالذوائب روى الواقدي عن رجاله قالوا: خرج ابن الأسلت إلى الشام، فتعرض آل جفنة فوصلوه. وسأل الرهبان فدعوه إلى دينهم فلم يرده. فقال له راهب: أنت تريد دين الحنيفية، وهذا وراءك من حيث خرجت. ثم إنه قدم مكة معتمرا، فلقي زيد بن عمرو بن نفيل، فقص عليه أمره. فكان أبو قيس بعد يقول: ليس أحد على دين إبراهيم إلا أنا وزيد. فلما قدم رسول الله ﷺ المدينة؛ وقد أسلمت الخزرج والأوس، إلا ما كان من أوس الله فإنها وقفت مع ابن الأسلت؛ وكان فارسها وخطيبها، وشهد يوم بعاث، فقيل له: يا أبا قيس، هذا صاحبك الذي كنت تصف. قال: رجل قد بعث بالحق. ثم جاء إلى النبي ﷺ فعرض عليه شرائع الإسلام، فقال: ما أحسن هذا وأجمله، أنظر في أمري. وكاد أن يسلم. فلقيه عبد الله بن أبي، فأخبره
1 / 20
بشأنه فقال: كرهت والله حرب الخزرج. فغضب وقال: والله لا أسلم سنة. فمات قبل السنة.
فروى الواقدي عن ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن أشياخه أنهم كانوا يقولون: لقد سمع يوحد عند الموت. والله أعلم
1 / 21
سنة اثنتين
غزوة الأبواء
في صفرها غزوة الأبواء، فخرج النبي ﷺ من المدينة غازيا، واستعمل على المدينة سعد بن عبادة حتى بلغ ودان يريد قريشا وبني ضمرة. فوادع بني ضمرة بن عبد مناة بن كنانة، وعقد ذلك معه سيدهم مخشي بن عمرو. ثم رجع إلى المدينة. وودان على أربع مراحل.
بعث حمزة
ثم في أحد الربيعين: بعث عمه حمزة في ثلاثين راكبا من المهاجرين إلى سيف البحر من ناحية العيص. فلقي أبا جهل في ثلاثمائة، وقال الزهري: في مائة وثلاثين راكبا. وكان مجدي بن عمرو الجهني وقومه حلفاء الفريقين جميعا، فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني.
بعث عبيدة
وبعث في هذه المدة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، في ستين راكبا أو نحوهم من المهاجرين. فنهض حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة. فلقي بها جمعا من قريش، عليهم عكرمة بن أبي جهل، وقيل: مكرز بن حفص. فلم يكن بينهم قتال. إلا أن سعد بن أبي وقاص كان في ذلك البعث، فرمى بسهم، فكان أول سهم رمي به في سبيل الله.
وفر من الكفار يومئذ إلى المسلمين: المقداد بن عمرو البهراني حليف
1 / 22
بني زهرة، وعتبة بن غزوان المازني حليف بني عبد مناف. وكانا مسلمين، ولكنهما خرجا ليتوصلا بالمشركين.
غزوة بواط
وخرج النبي ﷺ في ربيع الأول غازيا. فاستعمل على المدينة السائب أخا عثمان بن مظعون. حتى بلغ بواط من ناحية رضوى ثم رجع ولم يلق حربا.
غزوة العشيرة
وخرج غازيا في جمادى الأولى، واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، حتى بلغ العشيرة، فأقام هناك أياما، ووادع بني مدلج. ثم رجع فأقام بالمدينة أياما. والعشيرة من بطن ينبع.
وقال يونس عن ابن إسحاق: حدثني يزيد بن محمد بن خثيم عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثني أبوك محمد بن خثيم المحاربي، عن عمار بن ياسر قال: كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع. فلما نزلها رسول الله ﷺ أقام بها شهرا، فصالح بها بني مدلج. فقال لي علي: هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء؛ نفرا من بني مدلج يعملون في عين لهم؛ ننظر كيف يعملون؟ فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة، ثم غشينا النوم فنمنا. فوالله ما أهبنا إلا رسول الله ﷺ بقدمه، فجلسنا. فيومئذ قال لعلي: يا أبا تراب، لما عليه من التراب.
1 / 23
بدر الأولى
وخرج في جمادى الآخرة في طلب كرز بن جابر الفهري، وكان قد أغار على سرح المدينة، فبلغ ﷺ وادي سفوان من ناحية بدر، فلم يلق حربا. وسميت بدرا الأولى. ولم يدرك كرزا.
سرية سعد بن أبي وقاص
وبعث سعد بن أبي وقاص في ثمانية من المهاجرين، فبلغ الخوار. ثم رجع إلى المدينة.
بعث عبد الله بن جحش
قال عروة: ثم بعث النبي ﷺ في رجب عبد الله بن جحش الأسدي، ومعه ثمانية. وكتب معه كتابا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين. فلما قرأ الكتاب وجده: إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل بين نخلة والطائف، فترصد لنا قريشا، وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر عبد الله في الكتاب قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله ﷺ أن أمضي إلى نخلة، ونهاني أن أستكره أحدا منكم. فمن كان يريد الشهادة فلينطلق، ومن كره الموت فليرجع. فأما أنا فماض لأمر رسول الله. فمضى ومضى معه الثمانية، وهم: أبو حذيفة بن عتبة، وعكاشة بن محصن، وعتبة بن غزوان، وسعد بن أبي وقاص، وعامر بن ربيعة، وواقد بن عبد الله التميمي، وسهيل ابن بيضاء الفهري، وخالد بن البكير.
فسلك بهم على الحجاز، حتى إذا كان بمعدن فوق الفرع يقال له بحران، أضل سعد بن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما، فتخلفا في
1 / 24