সবুজ ঘোড়া অ্যাসফল্টের রাস্তায় মারা যায়
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
জনগুলি
اتجهت إليه أول الأمر مدفوعة بنفس الشعور الهادئ الذي عرفناه فيها منذ قليل، وسحبت ذراعها برفق من ذراع زوجها؛ لتتمكن من فتح حقيبتها وإعطاء الشحاذ المجهول ما فيه النصيب. كان من الممكن أن تمد يدها إلى يده المتصلبة المفتوحة أمامها بالقرش أو القرشين، وتمضي في هدوء دون أن تنظر في وجهه أو تنتبه إلى دعوته للمحسنين، وكان من الممكن أيضا أن تمر عليه مر الكرام دون أن يحرك منظره في نفسها نزعة الإشفاق التي تميتها في العادة كثرة الشحاذين، أو تتأمله في صمت وتمضي في طريقها في عدم اكتراث؛ لولا أنه كان يقف هناك كالقدر، أو المفاجأة الحية التي تطل برأسها من بئر الذكريات. هذا الوجه الشاحب المجدور المستطيل، الذي يبدو أن الشيخوخة قبعت فيه منذ الطفولة، وحولته إلى وجه مومياء مصفرة؛ لم يستطع العفن أو الزمن أن يصل إليها.
أين رأته من قبل؟ هاتان العينان المغمضتان كعيني أعمى تحت جبهة عريضة ناصعة، لا تتناسب هي والوجه المغضن الصغير، برموشهما السوداء الطويلة المنسدلة كمظلة مقفلة الأطراف؛ هل تكونان هما نفس العينين الجائعتين الصامتتين اللتين حيرتاها منذ أكثر من عشر سنوات؟ وهذه اليد الممدودة المتخشبة كيد ميت صفراء نافرة العروق، دقيقة الأصابع، قذرة الأظفار، ملتهبة ومحمرة من أثر التدخين؛ هل هي نفس اليد التي كانت تتعجب من صغرها وهزالها ودقة تعبيرها عن بؤس مزمن وعميق؟ ولماذا تمتد الآن بين زحام الأجسام والأصوات وضجيج الشارع كسؤال أخرس، بعد أن كانت تضم أصابعها النحيلة على الكتب والصحف والمحلات، وتتشبث ببقايا سيجارة رخيصة مريضة الدخان؟ يا إلهي! كم تتغير الأيام!
تاهت يدها في حقيبتها لحظات، يبدو أنها طالت أكثر مما ينبغي، واستغرقها التأمل المشدوه في الوجه المصفر، والعينين المغلقتين، والكف المتصلبة، والقميص المتسخ الذي صار أشبه بكفن صغير، والبذلة الحقيرة المملوءة بالرقع والثقوب في أكثر من موضع، والحذاء المتهرئ من الأمام والخلف حتى صار يكشف عن بقايا جورب ممزق وملطخ بالطين. ووقف زوجها لحظة يرمقها في هدوء وابتسام، فلما طال مكثها أمام الشحاذ أخذ يتسلى بالنظر إلى التمثال القميء المنصوب على قاعدة منخفضة وسط الشارع، ويبحث في نفسه عن مبرر واحد لوجوده في هذا المكان. إن القاعدة قد امتلأت بالكتابات والتعليقات بخط قبيح وألوان مختلفة، والتمثال نفسه قد نقش الحمام على ظهره آثار فضلاته، وليس هناك عابر سبيل يتعطف عليه بنظرة واحدة، كما أنه لا يستطيع أن يجذب انتباه إنسان واحد. استدار الأستاذ سعيد، وتقدم من زوجته، ووضع ذراعه في ذراعها وهو يضحك قائلا: هذا التمثال يكفي للحجر على كل مهندسي التنظيم.
هزت ألطاف هانم رأسها كمن يفيق من كابوس، وسألت: ماذا تقول يا حبيبي؟
أشار إلى التمثال وقد ازداد ضحكه، وقال: من المؤسف أن يكون هذا مصير كل الزعماء.
التفتت إلى حيث يشير بإصبعه، وقالت: يجب عليكم أن تنظفوه.
قال بسرعة: بل قولي: يجب أن تزيلوه!
التفتت إلى الشحاذ المتسمر في مكانه، وتذكرت أنها لم تعطه شيئا، وسألت زوجها عن فكة، فبحث في جيوبه، ولم يجد سوى قرش واحد. قال لها وهو ما يزال ينظر للتمثال: الزعيم أولى به!
لم تضحك كما كان ينتظر فكتم ضحكته، خلص ذراعه من ذراعها، وأمسكت يده بيدها، وشدها كي تجري ليلحقا بالأوتوبيس. كانت لا تزال تنظر إلى الشحاذ، وتتلفت في كل لحظة لتقارن بين تمثاله الحي وبين صورته التي تقفز نحوها من الماضي البعيد. توقفت وقالت يائسة: سعيد، الدنيا زحمة. تعال نأخذ «تاكسي».
أسرع سعيد يقول: على كيفك يا حبيبتي.
অজানা পৃষ্ঠা