হেরোডোট: একটি খুব ছোট ভূমিকা
هيرودوت: مقدمة قصيرة جدا
জনগুলি
الفصل الثاني
الأصول والمؤرخ
ثمة حكاية شهيرة تتحدث عن محاضر بارز وامرأة صعبة المراس كانت بين جمهوره، حيث تحدته هذه العجوز - بعد أن نبذت تفسيره للنظام القائل بمركزية الشمس معتبرة إياه هراء - مؤكدة أن الأرض ما هي إلا لوحة مستوية مرتكزة على ظهر سلحفاة. وحتما، وعلى نحو لا يخلو من الاعتداد بالنفس، سأل المحاضر متحديته علام تقف هذه السلحفاة في اعتقادها، فأجابت محاورته بأسلوب مشاكس: «إنك لذكي أيها الشاب، ذكي جدا، لكنها سلاحف فوق سلاحف وصولا إلى البداية». يقول بعضهم إن المحاضر هو برتراند راسل، ويقول آخرون إنه ويليام جيمس، ويقول فريق ثالث إن شيئا من هذا القبيل لم يحدث البتة. ويقال إن مفكرا هندوسيا أعطى صورة بديلة يستند فيها العالم على فيل، ويستند هذا الفيل على سلحفاة، وعندما سئل عما تستند إليه هذه السلحفاة، اقترح ... تغيير الموضوع. كان هذا الموضوع ليفتن هيرودوت وهو المولع بجمع مختلف الروايات التي تصور أمرا ما.
لا تشهد شهرة هذه الحكايات (الملفقة؟) وتنوعها على صعوبة الوصول إلى الأصول فحسب، بل أيضا على الدافع الإنساني الملح للتوصل إلى بدايات الأشياء، وهو ملح بالنسبة لكل الأشخاص المتأملين، لكنه مثار اهتمام خاص بالنسبة للمؤرخين؛ ذلك أنه من دون فهم الأصول، لا يمكن أن يكون هناك فهم للسببية، ومن دون السببية ... حسنا، من دون الدافع إلى فهم السببية، سيظل هيرودوت جغرافيا مثل هيكاتايوس، الذي كتب عن العادات التي صادفها في أسفاره الواسعة، أو شاعرا مثل سيمونيدس، الذي مجد أبطال الحرب الفارسية بأسلوب هوميري، أو بندار الذي تضمنت قصائده الغنائية الاحتفالية حكايات أسطورية، أو قاصا مثل عيسوب، الذي سحر الألباب بحكاياته الهادفة المتضمنة الحيوانات. ودون سببية، يصبح مفهوم التاريخ عديم المعنى. لكن على الرغم من كل اهتمامه بالسببية، أدرك هيرودوت أيضا مدى سهولة أن يضل المرء طريقه وينتهي به الحال مع نموذج بسيط إلى حد السخف. والحقيقة أنه يبدأ برواية أساطير مسلية عن الأصول البعيدة للحرب الكونية بين الشرق والغرب، لينحيها جانبا في النهاية وينتقل بشكل هادف إلى مجال التاريخ الأكثر جدارة بالثقة بكثير.
وهو يقول إن الفرس المثقفين ينحون باللائمة في العداوة بين الإغريق والفرس على التجار الفينيقيين، الذين أقدموا - أثناء بيعهم بضائعهم في آرجوس في البر الرئيس اليوناني - على اختطاف أيو ابنة الملك، مما دفع بعض الإغريق إلى اختطاف يوروبا من مدينة صور في فينيقيا، وميديا من كولخيس المطلة على البحر الأسود (وهناك رواية أخرى تقول إن أيو فرت بملء إرادتها بعد أن حبلت من قبطان السفينة الفينيقية). واختطف الأمير الطروادي باريس بدوره هيلين من إسبرطة، وبالتالي تسبب في غزو الإغريق طروادة. ويقول هيرودوت إن الاستيلاء على طروادة هو - من وجهة نظر الفرس - الذي أثار عداوتهم للإغريق؛ لأن «الفرس يعتبرون آسيا والشعوب البرابرة التي تسكنها منطقة نفوذ لهم، على اعتبار أن أوروبا واليونان منفصلتان.» ويواصل هيرودوت قائلا: حسنا، بعد أن تسلينا بهذه الحكايات الشهوانية، لا سبيل لدي إلى معرفة ما إذا كان أي من هذا صحيحا:
بدلا من ذلك، أفضل أن أتمسك بما أعرفه، وأن أبين بالضبط من سبق إلى إيذاء الإغريق، ثم سأمضي في قصتي، مقدما أوصافا مفصلة لمدن صغيرة ومدن كبيرة على السواء. ولا ننس أن كثيرا من المدن التي كانت عظيمة فيما مضى صارت صغيرة، وكثيرا مما كانت عظيمة في زماني كانت صغيرة في أزمنة سابقة؛ ومن ثم فسأناقش كليهما على السواء، مدركا أن الازدهار البشري لا يدوم طويلا في المكان ذاته أبدا. (تعليقا على هذا السطر، ينوه أولماشي - شخصية الروائي أونداتجي الخيالية - إلى أنه وزملاءه الجغرافيين، كانوا - وهم يجتازون الصحراء حاملين نسخة من «تاريخ هيرودوت» - يعرفون أن «السلطان العظيم والمال الوفير إلى زوال. لقد عشنا جميعا مع هيرودوت».) فتبرز من هذا النص القصير حدود المعرفة الإنسانية، والانشغال بالأوائل، وتمييز نفسه كمؤلف كتاب، وتقلب المصائر؛ وكل هذه العناصر أساسية في «تاريخ هيرودوت».
إذن فمن ذا الذي ألحق الأذى أول مرة بالإغريق؟ وماذا كانت الدرجة الأولى في سلم السببية الذي أدى إلى الحروب الفارسية؟ يقول هيرودوت إن كرويسوس، حاكم ليديا، كان أول أجنبي على ما بلغنا اتصل بالإغريق، حيث كان يجبي الجزية من بعضهم ويعقد تحالفات مع آخرين. وسرعان ما ستتبين أهمية هذا الأمر؛ لأنه عندما يغلب قوروش وأتباعه الميديون كرويسوس والليديين، ستجد المدن الإغريقية الدافعة للجزية نفسها ترزح تحت نير سيد أشد قسوة.
تتكرر عبارة «الأول على ما بلغنا» تكرارا ملحوظا في «تاريخ هيرودوت»، مما يشير إلى انبهار هيرودوت بالأوائل، وكذلك إدراكه لمحدودية نطاق المعرفة البشرية. فيروي هيرودوت أن بوليقراط الساموسي:
كان أول إغريقي على ما بلغنا خطط مناطق السيادة البحرية، إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار مينوس الكنوسوسي أو أي شخص آخر ربما حكم البحر في أي تاريخ سابق. أما في التاريخ البشري العادي، فقد كان بوليقراط هو الأول.
كان جيجس على ما بلغنا أول أجنبي، بعد ميداس ملك فريجيا، يقدم قرابين في دلفي. وكان الليديون على ما بلغنا أول من ضرب العملة الذهبية والفضية واستخدمها. وكان أريون على ما بلغنا أول من ألف الشعر المعروف باسم الأناشيد الحماسية وأطلق عليه هذا الاسم. ويمتلئ القسم الذي يتناول مصر - ويشكل الكتاب الثاني - بالأوائل؛ لأن قدم مصر ذاته هو الذي أسر خيال هيرودوت إلى حد كبير. يقول هيرودوت إن المصريين أول من استخدم أسماء الآلهة الاثني عشر الذين اتخذهم الإغريق فيما بعد، وأول من تنبأ بطالع المرء من يوم ميلاده، وأول من استحدث لقاءات ومسيرات احتفالية وعلم الإغريق إياها. بل إن الفرعون بسماتيك أجرى تجربة هيرودوتية لتقرير ما إذا كان المصريون هم فعلا - كما كانوا يظنون من قبل - أقدم سلالة بشرية في العالم، فعزل وليدين لا يرافقهما أحد غير راع وقطعانه، وانتظر الراعي كي يخبره بالكلمة الأولى التي نطق بها الطفلان، وعندما بدآ يهتفان «بيكوس» وهما يركضان نحوه مادين أيديهما، أبلغ الراعي بسماتيك بهذا، وبالاستقصاء علم الفرعون أن هذه الكلمة كلمة فريجية تعني خبزا. وبذلك فإن المصريين - في غفلتهم عن احتمال كون الطفلين يحاكيان ثغاء رفاقهما الحملان فحسب - سلموا بأن الفريجيين هم أقدم سلالة بشرية في العالم، وأنهم هم ثاني أقدم عرق (ولم يصلهم قطعا نبأ التجربة التي أجراها فيما بعد الملك جيمس الخامس، ملك اسكتلندا، وأثبتت أن الأطفال الصغار إذا تركوا وشأنهم سيتحدثون العبرية).
অজানা পৃষ্ঠা