হিকমত ঘর্ব
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
জনগুলি
وهناك عامل كانت له أهمية أعظم بكثير في تفكير رجال الحركة الإنسانية الإيطاليين، هو تجدد الاهتمام بالتراث الرياضي، للفيثاغوريين وأفلاطون؛ إذ بدأ التأكيد ينصب مرة أخرى على التركيب العددي للعالم، وبذلك حل محل التراث الأرسطي الذي كان قد بني عليه. وكان ذلك واحدا من التطورات الرئيسية التي أدت إلى ذلك الإحياء الرائع للبحث العلمي في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ولم يظهر ذلك بوضوح في أي مكان بقدر ما ظهر في عمارة عصر النهضة الإيطالية نظريا وتطبيقيا؛ إذ كانت هذه العمارة ترتبط مباشرة بالتراث الكلاسيكي القديم، وخاصة كما حددت معالمه أعمال فتروفيوس
Vitruvius ، المعماري الروماني المنتمي إلى القرن الأول بعد الميلاد. وهكذا أصبح المعماريون يولون أهمية كبرى للنسب بين مختلف أجزاء المبنى، وترافق ذلك مع نظرية رياضية في الجمال. ذلك لأن الجمال، كما قال فتروفيوس، مرتكزا على مصادر يونانية، إنما هو انسجام النسب الصحيحة، وهذا الرأي يرتد مباشرة إلى مصادر فيثاغورية. وهو بهذه المناسبة يكشف عن طريقة أخرى يمكن بواسطتها أن تثبت دعائم نظرية المثل؛ إذ إن من الواضح أن العين المجردة لا تستطيع أن تحكم بدقة على العلاقات العددية بين مختلف أجزاء مبنى ما، ومع ذلك فعندما يتم تطبيق نسب دقيقة معنية، يترتب على ذلك نوع من المتعة الجمالية، ومن ثم فإن وجود مثل هذه النسب، بوصفها مثلا أعلى، يضمن الكمال.
ولقد كان ألبرتي
Alberti (1404-1472م) واحدا من أهم مفكري الحركة الإنسانية الإيطاليين، وكان هذا المفكر الذي ينتمي إلى مدينة البندقية يجيد أداء عدة حرف في ميادين متعددة، كما جرت العادة في عصره، وربما كان أكثر التأثيرات التي مارسها دواما هو تأثيره في ميدان العمارة، غير أنه كان في الوقت ذاته فيلسوفا وشاعرا ورساما وموسيقيا. وكما أن الإلمام بمعرفة أولية عن التوافق (الهارموني) كان أساسا لفهم التأثير الفيثاغوري في الفلسفة اليونانية، فكذلك كانت هذه المعرفة نفسها، في حالة العمارة في عصر النهضة، لازمة لإدراك النسب المطلوبة في تصميم المبنى. ويمكن التعبير عن جوهر هذه النظرية بالقول إن التوافق السمعي القائم بين المسافات الفيثاغورية هو معيار التوافق البصري في التصميم المعماري. والواقع أن «جوته» عندما وصف العمارة فيما بعد بأنها موسيقى مجمدة، كان بعبارته هذه يقول شيئا يمكن أن ينطبق حرفيا على العمل الذي كان يقوم به معماريو عصر النهضة. وهكذا فإن نظرية التوافق المبنية على الأوتار المنغمة كانت تقدم معيارا عاما للفن الرفيع. وعلى هذا النحو كان يفسرها فنانون مثل جورجوني
Giorgione
وليوناردو. كذلك وجد هؤلاء أن مبدأ التناسب موجود في تركيب الجسم البشري، وفي الممارسة الصحية لحياة الإنسان الأخلاقية، وهذا كله لا يعدو أن يكون فيثاغورية مباشرة ومقصودة. غير أن الرياضة هنا يصبح لها دور آخر كان له تأثيره الهائل في حركة الإحياء العلمي خلال القرون التالية. ذلك لأن أي فن، بقدر ما يمكنه أن يستخدم العدد، يرتفع تلقائيا إلى مستوى أسمى، ويظهر ذلك أوضح ما يكون في حالة الموسيقى، وإن كان ينطبق أيضا على الفنون الأخرى. وهذا يفسر أيضا، إلى حد ما، تنوع اهتمامات المفكرين الإنسانيين في ذلك العصر، ويفسر بوجه خاص جمع الكثيرين منهم بين الاشتغال بالفن والعمارة. ذلك لأن رياضيات النسب كانت تقدم مفتاحا شاملا للتصميم الذي يقوم عليه الكون. أما مسالة إمكان جعل هذه النظرية أساسا سليما وشاملا لعلم الجمال، فهو أمر يظل بالطبع موضوعا للخلاف. غير أن ميزتها الكبرى، على أية حال، هي أنها وضعت للجمال معايير موضوعية لا شك فيها، لا تتقيد بالمشاعر أو المقاصد.
وهكذا فإن إدراك البناء العددي في الأشياء قد أتعب الإنسان قدرات جديدة يسيطر بها على بيئته، وجعل الإنسان، بمعنى معين، أقرب إلى الله. ولنتذكر في هذا الصدد أن الفيثاغوريين كانوا يتصورون إلههم على أنه الرياضي الأعظم. وكلما كان الإنسان على نحو ما قادرا على ممارسة مواهبه الرياضية وتحسينها، كان بذلك أقرب إلى الألوهية. وليس معنى ذلك أن الحركة الإنسانية كانت تفتقر إلى الإيمان، أو حتى أنها كانت معارضة للعقيدة السائدة. بل إنه يبين لنا أن الممارسات الدينية الشائعة كانت تقبل على سبيل الأخذ بما هو مألوف، على حين أن ما كان يلهب خيال المفكرين بحق هو الأفكار القديمة السابقة لعصر سقراط. وهكذا برز مرة أخرى في ميدان الفلسفة تيار أفلاطوني جديد، وأصبح الاهتمام الزائد الذي يبديه المفكرون بقدرات الإنسان يذكرنا بالنزعة التفاؤلية لأثينا وهي في أوج مجدها.
كان هذا هو المناخ العقلي الذي بدأ فيه نمو العلم الحديث. وإذا كان البعض يعتقد أن العلم قد بزغ فجأة إلى الحياة في مطلع القرن السابع عشر، بكامل عتاده، كما قفزت الإلهة أثينا من رأس زيوس، فإن هذا الاعتقاد في الواقع بعيد كل البعد عن الصواب. ذلك لأن إحياء العلم مبني مباشرة، وعن وعي، على التراث الفيثاغوري لعصر النهضة. وبالمثل ينبغي أن نؤكد أنه لم يكن يوجد في ذلك التراث تعارض بين عمل الفنان وعمل الباحث العلمي، فكل منهما يبحث، بطريقته الخاصة، عن الحقيقة، التي لا يدرك جوهرها إلا عن طريق الأعداد. وما على المرء إلا أن ينظر حوله لكي يرى هذه النماذج العددية في كل مكان. ولقد كانت هذه النظرة الجديدة إلى العالم ومشكلاته مختلفة جذريا عن الاتجاه الأرسطي عند المدرسيين. فقد كانت مضادة للجمود والتزمت العقلي، من حيث إنها لم تكن تعتمد على النصوص، بل على سلطة علم الأعداد وحده. ومن الجائز أنها كانت تذهب أحيانا، في هذه الناحية، أبعد مما ينبغي؛ إذ يجب أن نضع في حسباننا دائما خطر تجاوز الحدود، كما يحدث في كافة الميادين الأخرى. ولقد كان التطرف، في الحالة التي نتحدث عنها، يتمثل في ظهور نزعة صوفية رياضية تعتمد على الأعداد وكأنها رموز سحرية. وهذا أحد العوامل التي أدت إلى إساءة سمعة نظرية النسب في القرون التالية. وفضلا عن ذلك فقد ساد الإحساس بأن المسافات الفيثاغورية تفرض قيودا غير طبيعية وخانقة على العبقرية الإبداعية لواضع التصميم. ومن الجائز أن رد الفعل الرومانسي هذا ضد القواعد والمعايير قد استنفد أغراضه في عصرنا الحالي، وأصبح من الممكن أن تحدث في المستقبل القريب عودة إلى بعض المبادئ التي كانت تشيع في عصر النهضة.
أما في ميدان الفلسفة بمعناها الدقيق فإن القرنين الخامس عشر والسادس عشر لم يكونا، على وجه الإجمال، متميزين بصورة خاصة. ومن جهة أخرى بأن امتداد المعارف الجديدة، وانتشار الكتب، وقبل هذا وذاك، ذلك الإحياء القوي لتراث فيثاغورس وأفلاطون القديم، كل ذلك مهد الطريق للمذاهب الفلسفية الكبرى في القرن السابع عشر.
وفي أعقاب هذا الإحياء لأساليب التفكير القديمة ظهرت الثورة العلمية الكبرى، التي بدأت بوصفها نزعة تتمسك بالفيثاغورية بدرجات متفاوتة وأخذت تتخلى بالتدريج عن الأفكار الأرسطية السائدة في ميداني الفيزياء والفلك، وانتهى بها الأمر إلى تجاوز المظاهر واكتشاف فرض مثمر شديد العمومية. وفي هذا كله كان العلماء الذين يقومون بتلك الأبحاث يعلمون أنهم ينتمون مباشرة إلى التراث الأفلاطوني.
অজানা পৃষ্ঠা