وقد أهمل اليابان في ذلك العهد كل شيء، واكتفوا بإعداد آلات الحرب، فاقتنوا الدروع والزرد والسيوف والأقواس والسهام، وأعرضوا عن الكتب والأوراق والمحابر والأقلام، وكان الياباني إذا ولدت له زوجته بنتا ضيق عليها، وعاد باللائمة على سواد حظها؛ لأنه كان يرجو في الآلهة أن ترزقه غلاما زكيا يكون في مستقبل الأيام بطلا منازلا، وشهما مناجزا.
وما زالت هذه الأفكار تنشر حتى أهملت المرأة تمام الإهمال، وأمست مخلوقا لا قيمة له ولا قدر، يعيش كسائر الحيوانات بلا عقل ولا إرادة ولا فكر، ولم تكن للمرأة في ذلك الحين وظيفة سوى تدبير المنزل وحمل الجنين، وكان من نكد الدنيا على الياباني أن يعلم عنه أنه استشار زوجته، أو سألها رأيها في أمر من الأمور، وكان من يعشق زوجته أو يحب ابنته يرمى بالجبن والضعف. وحجة اللائمين في ذلك أن من كان يخدم الإمبراطور فلا حاجة له بحب النساء، أو الاهتمام لشأن أسرته، فكان حب النساء في ذلك العهد رأس كل خطيئة، ومصدر كل سيئة.
وكان أحدهم إذا رأى امرأة ضعيفة وأوعزت له نفسه أن يعضدها أو يفرج كربها راعى في ذلك الشدة والقسوة؛ لئلا يرمى بلين العريكة وسهولة القياد. ولا ريب في أن حب المرأة إذا ذهب من قلب الرجل أصبحت تلك المخلوقة ضعيفة الحول والطول لا تملك لنفسها خيرا ولا شرا.
قال الكاتب: فلما أشرق علينا نور العلم والمدنية، وعادت المياه إلى مجاريها، وأصلحنا ما فسد من شئوننا، وسرنا في طريق التقدم؛ لحظنا أننا نسير سيرا حثيثا؛ فبحثنا عن سبب ذلك فلم نجده؛ لأننا كنا حاصلين على سائر الصفات الطيبة التي امتازت بها أوروبا عن غيرها، وقد أوشك أن يتسرب الشك إلى قلوبنا، فرمينا أمتنا كلها بالخمول والقصور عن الوصول إلى ما وصلت إليه أوروبا في عدة قرون، وقام بيننا من كانوا يريدون تثبيط هممنا، وادعوا أننا أمة شرقية، وهيهات أن يصل الشرق إلى ما وصل إليه الغرب.
وكدنا نصدق هذه الادعاءات الباطلة، ونؤمن بتلك الأقاويل الضئيلة، وإذا بالأستاذ شمبرلين نبهنا إلى علة العلل، ومسألة المسائل؛ قام الأستاذ شمبرلين وبين لنا بكل جلاء ووضوح أن سبب سيرنا الهوينى ليس راجعا إلى ضعف في أخلاقنا، أو تقصير في عملنا، أو نقص في شمائلنا، إنما هذا التأخر راجع في الحقيقة إلى جهل المرأة اليابانية؛ فأدهشنا ذلك الرأي، ونهضنا في الحال للعمل بما أشار به علينا ذلك الحكيم العظيم. إن تاريخ نهضتنا لتعليم نشأتنا يحتاج إلى مجلد ضخم، ولكن علي أن أوجز في القول على قدر الاستطاعة.
أول ما هممنا به أننا اكتتبنا بمالغ طائلة، ولا أبالغ إذا قلت إنها زادت في ظرف سنتين عن ثلاثة ملايين من الجنيهات، وبهذه المبالغ الطائلة أنشأنا في وقت واحد في سائر جهات اليابان مدارس الإناث، واستجلبنا لها معلمات أخصائيات لتهذيب الإناث من أوروبا وأمريكا.
وكان التعليم في تلك المدارس في أول الأمر مجانيا، ثم جعلنا أجوره بالتدريج ملائمة لحال الأهالي، ولم يكن اهتمامنا مقصورا على إنشاء المدارس في المدن الكبرى، بل أنشأناها في أصغر القرى؛ فكنا نؤسس المدرسة بجانب المعبد؛ ليدرب العقل في المكان الذي تهذب فيه النفس. وقد اضطررنا في العهد الأخير إلى جعل تعليم الإناث كتعليم الذكور إجباريا، فلا تبلغ الطفلة السادسة من عمرها حتى يرغم أهلها على إرسالها إلى المدرسة؛ حيث تبقى أربع سنين في أثنائها تتعلم القراءة والكتابة والحساب، وآداب النفس والشعر، وبعض الأعمال اليدوية. وكان عدد البنات بباريس اللواتي تعلمن في المدارس في سنة 1898 نحو 2081209، مع أن عدد أطفال اليابان كلهم في تلك السنة كان 7125966؛ أي بمعدل 34,9 في المائة، وقد ازدادت الرغبة في التعليم منذ 1898 إلى الآن؛ أي منذ تسع سنين، فأصبح معدل الذكور الملتحقين بالمدارس 82,42، ومعدل البنات الملتحقات بها 53,73.
قال الكاتب: وليس هذا كل ما قمنا به نحو نسائنا؛ فإننا فوق ذلك جعلنا للفائزات منهن في كل عام جوائز سنية، وتحفا ثمينة، فلا يأتي آخر السنة الدراسية حتى تكتتب جلالة الإمبراطورة وصواحبها وسائر الأسر الشريفة بالمال والهدايا؛ لتقدم للفتيات المجدات المجتهدات، وقد أرسلن كثيرا من نسائنا منذ عشر سنين لتلقي فنون التعليم والتهذيب في مدارس إنكلترا وأمريكا وألمانيا، حضرن إلينا وقمن بتهذيب بناتنا خير قيام.
ثم إن الأمة نفسها تناصر الحكومة على هذا العمل؛ فإن الياباني المتعلم - وعدد المتعلمين عندنا كما رأيت لا يقل عن 84 في المائة - يأنف أن يتزوج فتاة غير متعلمة، وانتشار هذا الرأي وحده جعل البنات تقبلن على التعليم أكثر من إقبال الصبيان؛ لرغبة كل منهن في الزواج. ا.ه. كلام العلامة شنجورو تاكايشي الياباني.
أقول: ولا ريب في أن المنازل اليابانية أصبحت تفوق في تربيتها ونظافتها أغلب المنازل الأوروبية، بعد أن عرف قدرة المرأة وعني بتربيتها.
অজানা পৃষ্ঠা