কবিতাময় গল্প: আধুনিক জার্মান সাহিত্য থেকে ছোট গল্প শৈলীর কবিতা
حكايات شاعرية: قصائد قصصية من الأدب الألماني الحديث
জনগুলি
هناك ثلاثة أشكال طبيعية وأصيلة فقط للشعر: الشكل السردي الواضح، والشكل الحماسي المنفعل، والشكل الفعال من خلال الأشخاص، وهي تتمثل على الترتيب في الملحمة والشعر الغنائي والدراما. هذه الأساليب المختلفة للإنشاء الأدبي يمكنها أن تؤثر مجتمعة أو بطريقة مستقلة؛ فنحن كثيرا ما نجدها مجتمعة في أصغر قصيدة، وكأنما هي مجتمعة في بيضة أصلية حية، بحيث تبرز من خلال هذا التجميع في أضيق حيز ممكن أروع بنية أدبية على نحو ما نلمسها في «البالادات» الجديرة بأعظم التقدير عند الشعوب كافة. (2) تمتد جذور «البالاد» إلى أغاني وأناشيد البطولة الجرمانية المتأخرة، كما تتمثل في آخر نماذجها وهو أغنية أو أنشودة هيلد براند الأحدث (من القرن الثالث عشر الميلادي)، وربما امتد تاريخها إلى زمن الأدب الشفاهي.
1
ولم يقدر لهذا النوع من الأدب الغنائي والقصصي أن يستمر في أدب العصر المسيحي الوسيط، وذلك إذا صرفنا النظر عن بعض أغنيات الفرسان وأغنيات الحياة اليومية التي تحمل بعض سمات البالاد. كذلك لا يمكننا أن نؤكد وجود البالاد بمعناها الدقيق في الشعر القصصي والغنائي الذي وصلنا من أدب عصر الإصلاح الديني (القرن السادس عشر)، ولا من أدب القرن السابع عشر؛ فالأغاني القصصية المقفاة التي كانت ترتل في الأسواق والاحتفالات الدينية، وتعتمد على سرد قصص الجرائم المثيرة والكوارث الطبيعية الفظيعة وأخبار الحروب المرعبة (وهي التي توصف أحيانا بأغاني البنك و«الموريثات»)
2
لم يكن فيها سوى أثر ضعيف للبالاد بسبب طابعها البدائي الفج (لا الشعبي الحقيقي) القائم على الإثارة والتهويل.
والواقع أن الدافع الحقيقي وراء ازدهار البالاد - في الأدب الألماني بوجه خاص - قد جاءت «صدمته» من خارج الحدود الألمانية. ففي سنة 1765م نشر الشاعر الإنجليزي توماس بيرسي مجموعة من ثلاثة مجلدات تضم عددا كبيرا من قصائد الشعر الإنجليزي والاسكتلندي القديم تحت عنوان: «الآثار المتبقية من الشعر الإنجليزي القديم». وقد تحمس لهذه القصائد الشعبية الأصيلة (بجانب التحمس لمجموعة مكفرسون التي ورد الحديث عنها في الهامش السابق) - بما تضمنته من تصوير حي للقوى الطبيعية الثائرة، وللشخصيات القدرية والبطولية الكبيرة - تحمس لها عدد كبير من الشعراء الشبان الذين أرادوا لقصائدهم أن تكون الضد المقابل لشعر البلاط المتكلف الذي بسط ظلاله الفقيرة المجدبة على أدب الطبقة الوسطى. وقد تأثرت «البالادات» الألمانية بالطابع المأساوي الفاجع الذي اتسمت به تلك القصائد القصصية الإنجليزية والاسكتلندية (راجع في هذه المجموعة قصيدة إدوارد التي ترجمها ونظمها الأديب وفيلسوف التاريخ هيردر (1744-1803م) الذي سبق أن تحدثنا عن مدى اهتمامه بالأدب الشعبي عامة، وبتلك القصائد خاصة، وكان من أوائل الذين سارعوا إلى إعادة نظم عدد منها لتكون نماذج للتعبير الصادق عن الطاقة الإبداعية الفطرية للشعوب، وللإنسان العادي البسيط)، ثم اتجه هؤلاء الشعراء بعد ذلك إلى اقتباس مادة قصائدهم القصصية من تراثهم القومي الزاخر بالأحداث والشخصيات والغرائب والعجائب والخرافات، مع تطعيمها في الوقت نفسه بالروح النقدية والثورية التي توشك أن تكون سمة ملازمة «للبالاد» الألمانية بدءا من نماذجها الأولى الناضجة - عند «بيرجر» على سبيل المثال - إلى نماذجها الواقعية والنقدية الساخرة سخرية مريرة عند «هيني»، وعند بعض الشعراء «المحتجين» في النصف الثاني من القرن العشرين، والمعروفين بتوجههم الثوري والنقدي الحاد (مثل: بريشت وبيشر وبيرمان وفيمان وفيرتيل وفاينرت وتسيميرنج وإنستر برجر ... وغيرهم).
ومن ناحية أخرى لا يمكننا أن نغفل تأثير «الرومانسة» (القصة الخيالية والشاعرية العاطفية) التي ازدهرت في إسبانيا منذ أواخر العصور الوسطى، وساعدت الشعراء الألمان على اكتشاف المنابع الحية لشعرهم الملحمي والدرامي، ووجدت عددا كبيرا من المترجمين والمقلدين الذين تأثروا بها في بداية الأمر إلى الحد الذي استحال معه التفرقة الدقيقة بين «الرومانسة» و«البالاد»، وذلك قبل أن تختفي الحواجز والحدود التي كانت تميز البالادة «الشمالية» - المكونة من مقطوعات ذات بيتين ينتهيان بقافية ولازمة متكررة - وبين الرومانسة «الجنوبية» ذات المقطوعات المكونة من أربعة أبيات غير مقفاة، وذلك بعد أن ظهرت أشكال وبنى جديدة للمقطوعات والأبيات والقوافي، بحيث تداخلت البالاد مع الرومانسة وأصبحا حتى القرن التاسع عشر يمثلان نوعا أدبيا واحدا هو القصيدة القصصية ذات الأحداث الدرامية الواضحة التي يمكن أن تعد المقابل الشعري والغنائي للأقصوصة أو القصة القصيرة في الأدب السردي. (3) ذكرنا فيما سبق أن «البالاد» أو القصيدة القصصية قد نشأت بداياتها الزاهرة على أيدي شعراء وأدباء مثل هيردر، وبيرجر، وأولاند، وجوته في شبابه، لكن يمكننا القول أيضا بأنها بلغت ذروتها الناضجة في عام 1797م، وهو الذي يصفه مؤرخو الأدب الألماني بأنه العام الكلاسيكي لبالادة جوته وشيللر. في هذا العام العجيب - أو قبله وبعده بقليل - ظهرت أعمال، أو بالأحرى كنوز خالدة، يعتز بها منجم البالادة الثري، وذلك مثل قصائد جوته القصصية «عروس كورنثه» والإله - الهندي - والراقصة، وصبي الساحر، والباحث عن كنز، وملك العفاريت (التي تجد ثلاثتها الأخيرة في هذه المجموعة واعتمدت الأخيرة - التي كتبها جوته سنة 1782م - على بالادة شعبية دنماركية كان هيردر قد سبق أن ترجمها تحت عنوان: «ابنة ملك العفاريت»، ومثل بعض قصائد شيللر كالغواص، وفارس توجنبرج، والقفاز، والضمان أو العهد، وإبيكوس، وأسراب الكركي التي تجد ثلاثتها الأخيرة في هذه المجموعة، وكلها بالادات فكرية ومثالية تؤكد استقلال الإنسان وحريته وكرامته وقدرته على مواجهة القدر الباطش بإنسانيته وإرادته وكبريائه وموقفه المثالي المتعالي والمتصارع مع عالم المادة والغرائز الوحشية من خلال «التربية الجمالية للإنسان» كما سمى إحدى رسائله الفلسفية المهمة).
ولم يتوقف كبار الشعراء الألمان، وصغارهم أيضا، منذ عهد هذين الشاعرين الكبيرين، عن محاولة كتابة القصائد القصصية والدرامية التي تعالج شتى المضامين والمشكلات في نظم شعري ملتزم بالوزن والقافية في معظم الأحوال، أو في أشكال شعرية حرة ومتحررة منهما؛ كما نرى عند بعض الشعراء المتأخرين والمعاصرين، بحيث اتسعت هذه البالادات لموضوعات شديدة التنوع والخصوبة؛ كالحب والألم، والسحر والخرافة، والمرح والسخرية، والنقد الاجتماعي الجريء للظلم الاجتماعي والطبقي على اختلاف صوره عبر العصور، والدفاع عن حرية الإنسان وكرامته وحقه في الحياة الطيبة السعيدة. (4) لقد أثبتت «البالاد» من موقعها الوسط بين الأقصوصة أو القصة الشعرية والدراما، قدرتها على التعبير العاطفي الصادق عن هذه الموضوعات بالأسلوب الغنائي والشعبي الذي تميزت به، لا سيما في فترات الثورة والتمرد على القهر والظلم الاجتماعي وسحق حرية الإنسان واستقلاله وأبسط حقوقه المشروعة في الحياة بغير خوف ولا ذل، بحيث بلغت قمما رفيعة من الجمال وشدة التأثير في عصور الثورات المختلفة، وحروب التحرير الوطني - كما حدث أيام حرب التحرير من قبضة نابليون - والاحتجاج على النظام النازي الأسود وحكمه اللاإنساني والشمولي المرعب. ولو تتبعت بعض النماذج التي تقدمها هذه المجموعة - وسبقت الإشارة إلى بعضها - لأخذك العجب من التنوع الشديد الذي يمتد قوسه ليشمل الموضوعات السابق ذكرها، وتتعدد صوره وانعكاساته بأكثر من تعدد ألوان الطيف. ويمكنك أن تتأمل - على سبيل المثال لا الحصر - قصائد للشاعر الرومانسي كليمنس برنتانو
3 (1778-1842م) لتلمس فيها شدة القرب من الروح الشعبية والأغنية الشعبية (كما في قصيدته عن «حكاية لورا لاي» الأسطورية التي ما يزال الملاحون والفلاحون على شواطئ نهر الراين يرددونها على ألسنتهم)، وتستطيع بسهولة أن تتبين سمات الاحتجاج والنقد السياسي والاجتماعي في بعض قصائد الشاعر والقصاص الفرنسي الأصل أدالبير فون شاميسو (1781-1838م) مثل: لعبة العمالقة والحلاق المناسب، وملك من الشمال، ونساء فينسبرج، وكذلك في بعض قصائد الشاعر هينريش هيني (1797-1856م) الذي اشتهر بعذوبته وسخريته القاسية، وشدة إحكامه للبناء الشعري (راجع قصائده القصصية عن بني عذرة وأنثى، ووادي الآلام، وشارل الأول، والنساجون) بالإضافة إلى قصائد الشاعر لودفيج أولاند برؤيته التاريخية الواضحة، وإلمامه الواسع بالتراث والقدر الألماني وأساطيره الجهمة المظلمة (انظر في هذه المجموعة قصائده القصصية: ابنة صاحبة الفندق، ولعنة المغني، وقصر على البحر)، وقد استطاع أمثال هؤلاء الشعراء - الذين عاشوا وكتبوا في القرن التاسع عشر - أن يضعوا الأسس الراسخة لجل الشعراء الذين جاءوا بعدهم، سواء من الواقعيين والطبيعيين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (مع العلم بأن البالادة قد جربت أقسى فترات تدهورها وجفافها في عصري الواقعية والطبيعية)، أو في أوائل القرن العشرين من التأثيريين والتعبيريين، أو من الشعراء الثوريين الذين عاش شبابهم وكهولتهم بالمحنة النازية القاسية، ولا يزال بعضهم أحياء يعملون ويبدعون. ونذكر من أسماء الشعراء الكبار في القرن التاسع عشر: نيكولاوس ليناو (1802-1850م)، وجوتفريد كيللر (1819-1890)، وفريدريش هيبيل (1813-1863م)، وفردنياند فرايليجرات (1810-1876م)، وديتليف فون ليلينكرون (1844-1900م)، وتيودور فونتانه (1819-1898م)، وفريدرش ريكرت (1788-1866م)، وذلك حتى الشعراء الثوريين من أكثر من جيل في القرن العشرين الذين تحولت بعض قصائدهم القصصية إلى نداءات، أو دعوات تحريضية للنهوض والانتفاض على الظلم والحرب وسحق الحرية وإذلال الإنسان مثل: برتولت بريشت (1898-1956م)، ويوهانيس بيشر (1899-1958م)، وريشارد ديميل (1863-1920م)، وبرتولد فيرتيل (1885-1953م)، وإريش فينرت (1890-1953م)، وإميل جينكيل (1893-1959م)، حتى الأصغر منهم سنا مثل: فرانز فيمان (ولد 1922م)، وهاينز كالاو (ولد 1931م)، وكارل ميكيل (ولد 1936م)، وماكس تسيمرينج (ولد 1909م)، وفولكر براون (ولد 1939م)، وراينز كيرش (ولد 1934م)، وغيرهم حتى وقتنا الحاضر. (5) حاولت تصنيف هذه القصائد القصصية وترتيبها في تسع مجموعات تنتظم موضوعات ومشكلات متقاربة وضعتها تحت عناوين توخيت فيها الشاعرية، واقتبست بعضها من ثنايا السطور، وإذا كنت ستجد عددا كبيرا من الشعراء الذين ذكرت أسماءهم ممثلين في هذه المجموعة بقصيدة أو أكثر، فسوف تفتقد بطبيعة الحال عددا آخر ربما لم ترق لي «بالاداتهم» التي أتيح لي الاطلاع عليها، أو لم تشجعني على الاستجابة لها ونقلها إلى شواطئ لغتنا ومشاعرنا واهتماماتنا. لهذا أسارع بالاعتذار؛ لأن المجموعة التي اخترتها أو اختارتني لن تقدم رؤية كاملة ووافية للقصيدة القصصية في الأدب الألماني الغني بها غنى ملحوظا، ولكن لعلها - فيما أرجو - أن تقدم نماذج دالة على «البالاد» وتطورها وتحولاتها خلال فترة زمنية تقرب من ثلاثة قرون، وذلك منذ أن بدأت أول ينابيعها السخية - كما سبق القول - في التدفق بفضل شعراء كبار يعدون اليوم أجدادها الشرعيين. ومن المألوف والمعتاد في مثل هذه المختارات المنتخبة أن يفتقد هذا الشاعر أو ذاك، وهذه القصيدة أو تلك من القصائد التي كانت تعد درة فريدة في عصرها وتزين كتب المطالعة في أجيال سابقة، لكن الكمال مستحيل، وحسب هذه المجموعة أن تقدم للقارئ العربي عددا من أشهر وأنضج «البالادات» الألمانية، وتعطيه فكرة طيبة عن تطورها وتحولاتها في أحد الآداب العالمية المهمة.
ولا بد أيضا من الاعتذار مرة أخرى والاعتراف بالحسرة التي يشعر بها كاتب هذه السطور، وهو يدعو القارئ للاطلاع - أو بالأحرى للاستماع - إلى قصائد محرومة من الوزن والقافية والإيقاعات التي تميز بها معظمها في النصوص الأصلية. وقد سبق أن قلت إن هذه القصائد القصصية لا تنفصل في أغلب الأحوال عن الغناء، وربما عن الرقص أيضا، ولكنني لست شاعرا كبيرا ولا صغيرا، لكي أعيد نظمها في لغتي، وأحافظ على الأوزان الأصلية، وأبتدع لها القوافي الملائمة، وحتى هذه المحاولة لا يضمن نجاحها ولو قيض لها شاعر كبير في لغته؛ لأنها تؤدي بالضرورة إلى التصرف الشديد في ألفاظ الأصل ومعانيه وتراكيبه، ناهيك عن اضطرارها في كثير من الأحيان للنظم الجاف المصطنع وبعدها الحتمي عن رنين الكلمات الأصلية وعذوبة الأوزان والقوافي المرتبطة بها؛ لذلك حاولت أن أنقلها إلى العربية بأسلوب يراعي روح الأصل، ويعوض عن ضياع الإيقاعات والقوافي بقدر من الموسيقى الداخلية، أو من السجع والتساوق الملائم في نهايات السطور. وإذا كنت قد تصرفت تصرفا محدودا في بعض هذه البالادات أو في إعادة صياغة القليل منها، فإنني آمل - على كل حال - أن يتعاطف القارئ مع هذه «الكنوز»، وأن يشعر - ولو من بعيد - بجمالها وقيمتها إذا تحتم أن يغيب عنها بريق ذهبها وجواهرها، وأن يحس بشاعريتها التي أتمنى أن تعوضه قليلا عن «شعريتها» الضائعة. (6) وفي النهاية لا أستطيع أن أترك القلم قبل أن أعبر عن أمل آخر كبير ، وهو أن يلتفت أدباؤنا وشعراؤنا، من الشباب بوجه خاص، إلى القصيدة القصصية، ويتابعوا بقدر الإمكان أفضل نماذجها سواء في الأدب الألماني أو في غيره من آداب الشعوب كافة، لا سيما في الأدبين الإنجليزي والفرنسي وغيرهما من الآداب الغربية، وليس عندي أدنى شك في أن أدباءنا وشعراءنا سيجدون في القصيدة القصصية منبع إلهام صاف يمكن أن يساعدهم على الاغتراف من منابعهم التراثية الخاصة، ومن أدبهم الشعبي الغني بالكنوز. وربما حفزهم أيضا على شق طرق جديدة تعطي للقصيدة القصصية والدرامية في أدبنا العربي الحديث ما تستحقه من حب وعناية واهتمام، وتضيف إلى نماذجها الرائعة والنادرة عند بعض رواد شعرنا الجديد نماذج أخرى لأدباء وشعراء أحدث منهم سنا، وربما أكثر جرأة وإقداما على المغامرة في خوض بحار المجهول الساحر الذي نسميه الإبداع.
অজানা পৃষ্ঠা