فرق قلب تلك السيدة وعادت فركعت بجانب الوسيط أمام علي بابا ترجو منه العفو عن ذلك المسكين، وقد كادت دموعها تنهمل من مآقيها.
كل هذا وصاحبنا علي بابا يرغي ويزبد، ويتطلع إلى ترجمانه تطلعا وحشيا، كأنه يريد افتراسه.
ولما رأت السيدة أنها كانت السبب لكل هذا الجاري مدت يدها إلى جيبها فأخرجت من كيسها ثلاث ورقات مالية، كل واحدة بعشرة ريالات، وقدمتها إلى المنجم مسترحمة إياه بقبولها ليعفو عن ذلك المسكين.
فالتفت الوسيط إليها، يقبل أذيالها شاكرا جميلها وشيعها إلى الباب، وهو يزيدها أحمالا من الحمد والثناء.
وعاد الترجمان إلى داخل، ولما وقعت عينه على عين علي بابا انفجر الاثنان بالضحك، أما أنا فوقفت على قدمي هاما بالانصراف، وإذا بصاحبي علي بابا قد وقف ماسكا بي وقائلا: مهلا يا صديق! - أخاف أن أرى حادثة ثالثة تذهب بصبري، ولكني أشكر الصدف؛ فقد دلتني على مورد كسبك، وقد كنت أجهله وأعجب لحياتك. - أرأيت مثل متجرنا؛ أرباح بأرباح دون رأس مال؟ - لا، لم أر متجرا كمتجرك كل رأس ماله لحية طويلة.
ابن العصر
هكذا يدعوه الناس الذين حواليه؛ لأنه شاب يشتغل لا لمطمح له في حياته ولا ليعيل أهله في الوطن، بل ليكسب قليلا من المال ينفقه على اللباس والزينة والتخطر في الشوارع كالعروس في حجلتها.
فؤاد برزق - وإن شئت سمه بما سمى نفسه بين الأميركان فرنك براين - غريب بأطواره، وأغرب وأعجب ما فيه مظهره بين الناس؛ فإنه يصرف أوقاته كلها بالاعتناء بلبسه؛ ولهذا دعاه السوريون ب «أب تو ديت»، أي برجل آخر ساعة، لا بعمله ولا بنفعه بل بلبسه.
والناس كانوا يحسبونه آية من الآيات في الهندام، وهم يخطئون بهذا الحسبان غالبا؛ لأن مراعاة الهندام لا تتطلب صرف الوقت الثمين ولا تستنزف دراهمه، أما فؤاد برزق فشاب كل همه في هذه الحياة أن يشتري ويلبس، وأن يحافظ جيدا على طيات سترته وكيات بنطلونه ، وأن يعقد الربطة أمام المرآة، ويصرف على هذا العمل نحو ساعة حتى يعقدها بالضبط الكلي، وتجيء كأنها مسكوبة سكبا بقالب.
ومن كان همه كفؤاد برزق على نفسه ومظهره الخارجي بين الناس لا يهمه العمل كثيرا، وهو في حقيقة الحال لولا حاجته إلى المال للمحافظة على كسمه لما عملت يداه عملا؛ ولهذا كان دائما كثير الثياب قليل المال.
অজানা পৃষ্ঠা