وجاء في الحديث: «ابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا» (١).
فمن أَحَبّ أهل الخير وتشبه بهم جهده؛ فإنه يلحق بهم كما في الحديث المشهور: "مَنْ حَفِظَ أَرْبَعِينَ حَدِيثا حشر يَوْم الْقِيَامَة فِي زمرة الْعُلَمَاء" (٢) ومن أَحَبّ أهل الطاعة والذكر -عَلَى وجه السنة- وجالسهم فإنه يغفر له معهم وإن لم يكن منهم «فإِنَّهُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ».
فأما التشبه بأهل الخير في الظاهر، والباطن لا يشبههم فهو بعيد منهم، وإنما القصد بالتشبه أن يقال عن المتشبه بهم أنه منهم وليس منهم، فهذه خصال النفاق، كما قال بعض السلف: استعيذوا بالله من خشوع النفاق أن يرى الجسد خاشعًا، والقلب ليس بخاشع.
كان السلف يجتهدون في أعمال الخير ويعدون أنفسهم من المقصرين المفرطين المذنبين، ونحن مع إساءتنا نعد أنفسنا من المحسنين!
كان مالك بن دينار يقول: إذا ذكر الصالحون: "أف لي وتف" وقال أيوب: "إذا ذكر الصالحون كنت عنهم بمعزل".
وقال يونس بن عبيد: "أعد مائة خصلة من خصال الخير ليس فيَّ منها واحدة".
وقال محمد بن واسع: "لو أن للذنوب رائحة لم يستطع أحد أن يجلس إليَّ".
يا من إذا تشبه بالصالحين فهو عنهم متباعد، وإذا تشبه بالمذنبين فحاله وحالهم واحد، يا من يسمع ما تلين به الجوامد وطرفه جامد، وقلبه أقسى من الجلامد، يا من برد قلبه عن التقوى، كيف ينفع الضرب في حديد بارد؟
_________
(١) أخرجه ابن ماجه (٤١٩٦) من حديث سعد بن أبي وقاص.
(٢) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (٥/ ١٥٠)، (٦/ ٢٢٢)، (٧/ ٦٦) من حديث أبي هريرة.
1 / 254