لزم صحة إطلاق " الفقيه " على صاحب الملكة المفروضة وإن لم يعلم شيئا من الأحكام الشرعية فعلا، وهو فاسد قطعا. وحصول الملكة المفروضة من دون تحصيل شئ من الأحكام أو قدر يعد معه فقيها عرفا لا مانع منه أصلا، بل الظاهر حصولها في العادات كثيرا.
فالأظهر في الجواب أن يقال: إن المراد بالأحكام هنا وبالمسائل أو القواعد ونحوها المذكورة في حدود سائر الفنون هي جملة معتد بها من الأحكام والمسائل والقواعد كافية في ترتب الثمرة المطلوبة من وضع الفن المفروض بحسب العرف بحيث يصدق على العالم بها أنه عالم بمسائل ذلك الفن، وهذا المعنى قدر جامع بين العلم بجميع المسائل على فرض إمكانه وما دونه إلى أقل ما يصدق معه اسم كونه عارفا بالمسائل.
والظاهر أن العلم بالأحكام والمسائل والقواعد المفروضة لا ينفك عن الملكة المذكورة إلا أن الفقه وغيره من أسامي العلوم اسم لتلك المسائل أو العلم بها على اختلاف الوجهين دون الملكة المذكورة، فعدم إطلاق الفقيه والنحوي والصرفي ونحوها على غير أرباب الملكات في تلك العلوم لا يدل على أن تلك العلوم موضوعة بإزاء الملكات حسب ما مر. وكان المرجع في ما ذكرنا إلى حمل " الأحكام " على الاستغراق العرفي، فليس فيه مخالفة لظاهر العبارة، سيما بملاحظة ما هو معلوم من عدم إمكان الإحاطة التامة بجميع مسائل شئ من الفنون بحيث لا يشذ عنها شاذ، إذ فيه دلالة ظاهرة على عدم إرادة الاستغراق الحقيقي لو سلمنا كون الاستغراق أظهر فيه، فتأمل.
وقد يقال بحمل " الأحكام " على الاستغراق الحقيقي، ويجعل الفقه اسما لمجموع المسائل أو العلم بها، لكن يراد بذلك نفس المسائل المعروفة دون الفروع المتجددة المتفرعة على تلك المسائل مما لا يقف على حد وإن اندرجت تلك أيضا في الفقه، لكونها في الحقيقة تفصيلا لذلك الاجمال المعلوم، ويجري ذلك في أسماء سائر العلوم، وكأن هذا هو المراد مما احتملوه من كون أسامي العلوم
পৃষ্ঠা ৭৯