ثم إن الفقه أكثره من باب الظن، لابتنائه غالبا على ما هو ظني الدلالة أو السند. فكيف أطلق عليه العلم.
والجواب: أما عن سؤال الأحكام، فبأنا نختار أولا: أن المراد البعض. قولكم: " لا يطرد لدخول المقلد فيه "، قلنا: ممنوع، أما على القول بعدم تجزي الاجتهاد، فظاهر، إذ لا يتصور على هذا التقدير، انفكاك العلم ببعض الأحكام كذلك عن الاجتهاد، فلا يحصل للمقلد، وإن بلغ من العلم ما بلغ. وأما على القول بالتجزي، فالعلم المذكور داخل في الفقه، ولا ضير فيه، لصدقه عليه حقيقة وكون العالم بذلك فقيها بالنسبة إلى ذلك المعلوم اصطلاحا وإن صدق عليه عنوان التقليد بالإضافة إلى ما عداه.
ثم نختار ثانيا: أن المراد بها الكل - كما هو الظاهر، لكونها جمعا محلى باللام، ولا ريب أنه حقيقة في العموم - قولكم: " لا ينعكس لخروج أكثر الفقهاء عنه "، قلنا: ممنوع، إذ المراد بالعلم بالجميع التهيؤ له، وهو أن يكون عنده ما يكفيه في استعلامه من المآخذ والشرائط، بأن يرجع إليه، فيحكم. وإطلاق " العلم " على مثل هذا التهيؤ شايع في العرف، فإنه يقال في العرف: " فلان يعلم النحو " مثلا، ولا يراد أن مسائله حاضرة عنده على التفصيل. وحينئذ فعدم العلم بالحكم في الحال الحاضر لا ينافيه.
واما عن سؤال الظن، فبحمل " العلم " على معناه الأعم، أعني ترجيح أحد الطرفين، وإن لم يمنع من النقيض، وحينئذ فيتناول الظن.
وهذا المعنى شايع في الاستعمال، سيما في الأحكام الشرعية.
وما يقال في الجواب أيضا - من أن الظن في طريق الحكم، لا فيه نفسه، وظنية الطريق لا تنافى علمية الحكم - فضعفه ظاهر عندنا. وأما عند المصوبة القائلين بأن كل مجتهد مصيب - كما سيأتي الكلام فيه، إن شاء الله تعالى، في بحث الاجتهاد - فله وجه. وكأنه لهم. وتبعهم فيه من لا يوافقهم على هذا الأصل، غفلة عن حقيقة الحال.
পৃষ্ঠা ৫০