سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين إعداد
د . عبد الله بن إبراهيم اللحيدان
أستاذ مشارك بقسم الدعوة والاحتساب
পৃষ্ঠা ১
كلية الدعوة والإعلام - جامعة الإمام بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ، فإن الله تبارك وتعالى شرع لعباده دينا قويما وهداهم صراطا مستقيما من اتبعه رشد واهتدى ، ومن ضل عنه فقد خسر خسرانا مبينا ، وهذا الدين الذي بعث الله به سيد المرسلين دين خاتم مهيمن على جميع الأديان قبله ، وهو رسالة الله الخاتمة إلى جميع الثقلين إلى قيام الساعة ، واقتضى ذلك أن يكون في هذه الرسالة من الخصائص والسمات ما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان إلى جميع أمم الأرض ، وأعظم هذه الخصائص وأجلها السماحة واليسر في كل شأن من شئون الحياة في العبادات والمعاملات والأخلاق والآداب مع المسلمين وغير المسلمين ، وسماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين أحد الموضوعات الثرية بالمادة العلمية وقد حظيت باهتمام العلماء قديما وحديثا ومن ينظر في كتاب أحكام أهل الملل للخلال وأحكام أهل الذمة لابن القيم مثلا يجد ذلك جليا ظاهرا ويجد رصيدا حضاريا هائلا تزخر به كتب الفقه الإسلامي في أحكام غير المسلمين كما أن هناك العديد من البحوث والدراسات الحديثة في هذا الشأن . وهذه أحد صور عظمة الإسلام في واقعيته وعالميته ، فقد قضى الله سبحانه وتعالى وقدر أن لا يؤمن أهل الأرض كلهم وله الحكمة التامة في ذلك والحجة البالغة ، قال تعالى: { وربك يخلق ما يشاء ويختار } (1) ، وقال تعالى: { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } (2) ، وقال تعالى : { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } (3) . ولا يتصور مع بقاء الكفر على الأرض ، ومع وجوب تبليغ الدعوة إلى الناس كلهم لا يتصور مع ذلك أن ينعزل المجتمع المسلم عن غيره من المجتمعات ، ولذلك فإن التشريع الإسلامي نظم علاقة المسلم مع غيره من بني جنسه أفرادا ومجتمعات ووضع الضوابط الكاملة في ذلك داخل المجتمع الإسلامي وخارجه . وهذا البحث يسعى إلى بيان سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين بمختلف أصنافهم ودياناتهم من أهل الكتاب وغيرهم وذلك من خلال الوقوف على هدي القرآن والسنة في ذلك والتطبيق العملي في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان ، وهذه السماحة أخضعت أعناق الباحثين من غير المسلمين ليسجلوا شهاداتهم بأن لا مثيل لحضارة الإسلام في
_________
(1) سورة القصص : 68 .
(2) سورة يوسف : 103 .
পৃষ্ঠা ৩
(3) سورة يونس : 99 . معاملة مخالفيه ، كما يسعى البحث إلى بيان التطبيق الحضاري لهذه السماحة في المملكة العربية السعودية .
وقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وخمسة مطالب على النحو التالي :
المطلب الأول : المدلول والأهمية .
المطلب الثاني : سماحة النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة غير المسلمين .
المطلب الثالث : سماحة الصحابة والتابعين في معاملة غير المسلمين .
المطلب الرابع : سماحة الإسلام في المعاملة في كتابات غير المسلمين .
المطلب الخامس : التطبيق الحضاري لمعاملة غير المسلمين في المملكة العربية السعودية .
الخاتمة .
পৃষ্ঠা ৪
أسأل الله تعالى أن يلهمنا الصواب في القول والعمل وأن يتجاوز عن الخطأ والزلل إنه جواد كريم . المطلب الأول المدلول والأهمية أولا : مدلول السماحة
1-مدلولها : يتحدد مفهوم السماحة من خلال معرفة مدلولها اللغوي حيث ذكر ابن فارس في معجم مقاييس اللغة أن السين والميم والحاء أصل صحيح يدل على سلاسة وسهولة (1) . والمسامحة : المساهلة (2) . وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم : « أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة » (3) . قال ابن حجر : السمحة : السهلة ، أي أنها مبنية على السهولة (4) . والسماحة تشمل أصول الدين وفروعه وصورها لا تحصر ، فعقيدة الإسلام سمحة وشريعته سمحة ، وتمتد صور السماحة إلى المعاملة ، قال صلى الله عليه وسلم : « رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى » (5) ، وبوب البخاري رحمه الله للسماحة في هذا الحديث بالسهولة فقال: باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ، قال ابن حجر : "وفي الحديث : الحث على السماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاحة والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم " (6) .
_________
(1) معجم مقاييس اللغة ، ابن فارس ، مكتبة الخانجي ، مصر ، ط3 ، 1402 ه ج3 ص99 .
(2) انظر : النهاية في غريب الحديث ، مجد الدين ابن الأثير ، دار أنصار السنة ، لاهور ، د ت ، ج 2 ص 398 .
(3) رواه البخاري معلقا في كتاب الإيمان ، باب الدين يسر قال ابن حجر هذا الحديث لم يسنده المؤلف لأنه ليس على شرطه ووصله في كتاب الأدب المفرد وهو في المسند عن ابن عباس رضى الله عنه بإسناد حسن انظر فتح الباري ، ابن حجر ، دار المعرفة ، بيروت ، د ت ، ج 2 ص 94وقال عنه الألباني : حسن لغيره انظر: صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري ، الألباني ، دار الصديق ، الجبيل ، ط 2 1415ه ص 122 .
(4) فتح الباري ، بشرح صحيح البخاري ، ابن حجر ، ج1 ص 94 .
(5) رواه البخاري ، كتاب البيوع ، باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ، رقم الحديث: 2076 .
পৃষ্ঠা ৫
(6) فتح الباري ، ابن حجر ، ج 4 ص 207 . 2 - ضابطها الشرعي : السماحة لا تعني التساهل دون ضابط شرعي يحكمها فهي مرتبطة بالنص وعندما يخلط بعضهم بينها وبين التساهل المذموم فقد يعيب بعض على الآخر ظنا منهم أن في السماحة تفريطا بأصل الدين ، إن فهم مدلول السماحة وأنها تعني السهولة والمسامحة والمساهلة لا يعني بحال التفريط في شيء من أصول الدين أو فروعه ، كما أن التفريط في فهم سماحة الإسلام وتطبيقها قد يفضي إلى التشديد والتنفير من هذا الدين وقد قال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } (1) ، وقال تعالى : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } (2) ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : « هلك المتنطعون » (3) ، قالها ثلاثا ، والمتنطعون : المتشددون في غير موضع التشديد (4) . فهذا الدين جاء ليضع الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالتيسير وينهى عن التعسير .
_________
(1) سورة الحج ، الآية :78 .
(2) سورة البقرة ، الآية: 185 .
(3) رواه مسلم ، كتاب العلم ، باب هلك المتنطعون ، رقم الحديث : 2670 .
পৃষ্ঠা ৬
(4) رياض الصالحين ، النووي ، مكتبة الوراق ، الرياض ، ط 1 ، 1416ه ، ص 128 . والسماحة لا تعني الضعف والإسلام يأبى الضيم ويرفض لأتباعه الذل والهوان والمؤمن عزيز بإيمانه وإسلامه قوي بهما ، ومن يظنون السماحة والصفح والحلم والعفو ضعفا لا يدركون عظمة هذا الدين . والسماحة كبقية المعاني العظيمة التي جاء بها الإسلام كالوسطية والتيسير والعدل والعفو والصفح وغير ذلك لها ضابطها الشرعي الذي إن حادت عنه كانت عقبة كئودا في فهم طبيعة الإسلام . ثانيا: أهمية السماحة في الإسلام
পৃষ্ঠা ৭
كان بناء دين الإسلام منذ ظهوره على اليسر قال صلى الله عليه وسلم : « إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه » (1) . وفي هذا الدين من السماحة والسهولة ومن اليسر والرحمة ما يتوافق مع عالميته وخلوده وهو ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان لسائر الأمم والشعوب ، فالسماحة تتواءم مع عالمية الإسلام ، وخطاب الدعوة في القرآن والسنة يؤكد ذلك حيث جاءت النصوص تدعو الناس أن ينضموا تحت لواء واحد وأن يتنافسوا على معيار الإسلام الخالد وهو التقوى قال تعالى: { ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } (2) . لقد جاء الإسلام في فترة جاهلية أهدرت كرامة الإنسان وحريته فأعاد الإسلام بناء الإنسان من جديد ونظم علاقته بربه وعلاقته بالآخرين .
_________
(1) رواه البخاري ، كتاب الإيمان ، باب الدين يسر ، رقم الحديث : 39 .
পৃষ্ঠা ৮
(2) سورة الحجرات ، الآية : 13 . ولقد وضع الإسلام الضوابط الكاملة لجميع ميادين الحياة في علاقة المرء بربه وفي علاقته ببني جنسه وفي علاقته بسائر المخلوقات ، وجاءت جميع هذه الضوابط متوافقة مع فطرة الإنسان وعقله ، فيها من التيسير والسماحة والمرونة ، وهذه من خصائص الإسلام العظيمة التي ترتبط بأصل هذا الدين ولا يعيق تطبيقها عائق ففي أوج قوة المسلمين كانت السماحة شعارا لهذا الدين وصور ذلك لا تحصر وسيأتي بيانها . وجاءت نصوص القرآن الكريم تقرر أن الخلاف باق بقاء الإنسان على هذه الأرض ، وأن التعدد والتنوع في أخلاق وسمات البشر مما مضى به القدر الإلهي فسنة الله تعالى في خلقه أن تنوعت أجناسهم وألسنتهم وألوانهم كما تنوعت دياناتهم ، ولذلك فإن عيش المسلم ينبغي أن يكون في ضوء هذه الحقيقة التي تزخر بها آيات عديدة كقوله تعالى: { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا } (1) ، وقوله: { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين }{ إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين } (2) .
_________
(1) سورة يونس ، الآية 99 .
পৃষ্ঠা ১০
(2) سورة هود: الآيتان 118 ، 119 . سماحة في العقيدة : إن دين الإسلام دين سماحة ويسر في عقيدته وعباداته ومعاملاته وآدابه وسائر تشريعاته فعقيدته لا تقوم على فلسفة معقدة أو تسليم مطلق أو مخالفة للفطرة والعقل ، فأطلق القرآن الكريم الحرية للمرء للتدبر والتفكر في نفسه ، وفي ملكوت السماوات والأرض ، ودعا الناس إلى الإيمان بالله وحده وفي القرآن الكريم ما لا يحصى من الآيات الداعية إلى الإيمان يستوي في فهمها العامة والخاصة حيث دعت كل أحد إلى التجرد من الهوى والتقليد وخاطبت عقولهم وفطرهم ، وهي مع ذلك لا تكرههم على الإيمان ، { وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها } (1) . وفي القرآن العظيم من الآيات الدالة على أن أصحاب العقول السليمة والألباب المستقيمة إذا حكموا عقولهم واستجابوا لفطرتهم وتخلصوا من ربقة التقليد فإنهم ينقادون إلى هذا الدين عن طواعية ورغبة .
إن من يقرأ القرآن الكريم يعلم حقيقة السماحة في الإسلام في أعظم قضية جاء بها الإسلام وهي قضية التوحيد فيعرض لها القرآن بأسلوب سمح سهل يدركه كل عاقل ويستدل على حقائق الإيمان بما يحسه الناس ويدركونه بأيسر طريق .
_________
পৃষ্ঠা ১১
(1) سورة الكهف ، الآية :29 . وعبر تاريخ دولة الإسلام كان يعيش في داخلها غير المسلمين في مراحل قوتها وضعفها ، فلم يجبروا على ترك معتقداتهم أو يكرهوا على الدخول في الإسلام ، والقاعدة العظمى في الإسلام أن لا إكراه في الدين ، ولذا فقد عاش الذميون وغيرهم في كنف دولة الإسلام دون أن يتعرض أحد لعقائدهم ودياناتهم (1) .
إن الإسلام لم يقم على اضطهاد مخالفيه أو مصادرة حقوقهم أو تحويلهم بالكره عن عقائدهم أو المساس الجائر لأموالهم وأعراضهم ودمائهم وتاريخ الإسلام في هذا المجال أنصع تاريخ على وجه الأرض (2) .
ومن المقرر عند الفقهاء أنه لو أكره أحد على الإسلام فإنه لا يصح إسلامه . قال في المغني : "وإذا أكره على الإسلام من لا يجوز إكراهه كالذمي والمستأمن فأسلم لم يثبت له حكم الإسلام حتى يوجد منه ما يدل على إسلامه طوعا" (3) . ولذلك فإنه إذا عاد إلى دينه بعد زوال الإكراه لم يحكم بردته ، ولا يجوز قتله ولا إكراهه على الإسلام ، ونقل ابن قدامة إجماع أهل العلم على أن الذمي إذا أقام على ما عوهد عليه والمستأمن ، لا يجوز نقض عهده ولا إكراهه على ما لم يلتزمه (4) .
_________
(1) انظر : تلبيس مردود في قضايا حية ، صالح بن حميد ، مكتبة المنارة ، مكة ، ط1 ، 1412ه ص 30 .
(2) التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام ، محمد الغزالي ، دار التوزيع ، القاهرة ، ط 1 ، 1409ه ، ص 6 .
(3) المغني ، ابن قدامة ، دار هجر ، القاهرة ، تحقيق : د عبد الله التركي ، د عبد الفتاح الحلو ط 2 ، 1412ه ج 12 ص 291 .
পৃষ্ঠা ১২
(4) انظر : المرجع السابق ، ج 12 ص291 ، 292 . سماحة في العبادة : وإذا ما انتقل المرء إلى العبادات فإنه سيرى فيه صورا من سماحة الإسلام ويسره في سائر العبادات ففي الطهارة جاء التيسير والسماحة في المسح على الخفين وفي التيمم قال صلى الله عليه وسلم : « وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا » (1) ، ودعا الله تعالى عباده إلى شكر هذه النعمة قال تعالى في ختام آية الوضوء ومشروعية التيمم عند فقد الماء أو تعذر استعماله : { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } (2) ، قال ابن كثير رحمه الله :" أي لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة " (3) .
وفي الصلاة يصليها المرء بحسب قدرته قائما أو قاعدا وفي أي مكان وشرع فيها الجمع والقصر عند السفر والجمع عند الحاجة ، وفي الصوم كالتيسير على المريض والمسافر وكذا بقية أركان الإسلام فالزكاة على من ملك نصابا وحال عليه الحول ، والحج مرة في العمر لمن استطاع .
_________
(1) رواه البخاري ، كتاب الصلاة ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا رقم الحديث : 438 .
(2) سورة المائدة ، الآية : 6 .
পৃষ্ঠা ১৩
(3) تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ، مكتبة طيبة ، المدينة المنورة ، ط1 ، 1410ه ج2 ص 33 . وشريعة التعبد في الإسلام لا تقتصر على عمل دون آخر بل كل عمل يقوم به العبد عبادة فهو يميط الأذى عن الطريق عبادة واللقمة يضعها في فم زوجته عبادة ويمسك لسانه عن قول الغيبة والكذب عبادة ويكرم ضيفه عبادة ويعود المريض عبادة ويقوم بكل فعل جميل مما هو مشروع لنفسه أو لغيره ويكون له عبادة وكل عمل أريد به وجه الله فهو عبادة (1) .
سماحة في المعاملة : أما في مجال المعاملات والآداب فتتجلى صور عظيمة من السماحة ، فلقد بنى الإسلام شريعة التسامح في علاقاته على أساس متين فلم يضق ذرعا بالأديان السابقة ، وشرع للمسلم أن يكون حسن المعاملة رقيق الجانب لين القول مع المسلمين وغير المسلمين فيحسن جوارهم ويقبل ضيافتهم ويصاهرهم حتى تختلط الأسرة وتمتزج الدماء (2) .
وشرع الإسلام مواساة غير المسلمين بالمال عند الحاجة فشرع للمسلم أن يعطيهم من الصدقة ويهدى إليهم ويقبل هديتهم ويواسيهم عند المصيبة ويعود مريضهم ويهنئهم بما تشرع فيه التهنئة كالتهنئة بالمولود والزواج ويناديهم بأسمائهم المحببة إليهم تأليفا لهم (3) .
_________
(1) انظر : الموسوعة في سماحة الإسلام ، محمد الصادق عرجون ، الدار السعودية ، جدة ، ط 2 ، 1404ه ج 2 ص 682 . .
(2) انظر : من روائع حضارتنا ، مصطفى السباعي ، المكتب الإسلامي بيروت ط1 1420 ، ص133 .
পৃষ্ঠা ১৪
(3) انظر تفصيل ذلك في : دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ، عبد الله اللحيدان ، مطابع الحميضي ، الرياض ط 1 ، 1420 ه ص 148 - 178 . ومن سماحة الإسلام في المعاملة أن شرع العدل مع المخالف وجعل ذلك دليلا على التقوى التي رتب عليها أعظم الجزاء قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } (1) .
ولذا فإن من يتأمل أحكام الإسلام وتاريخ المسلمين يجد أنه لا يمكن أن يقوم مجتمع تحترم فيه الحقوق والواجبات كما في دولة الإسلام ، وفي أوج عزة دولة الإسلام وقوتها كان يوجد من غير المسلمين العلماء والأدباء والأطباء والنابغون في مختلف الفنون والأعمال ، وهل يمكن أن يكون لهؤلاء ظهور ونبوغ في أعمالهم لولا سماحة الإسلام ونبذه للتعصب الديني .
_________
পৃষ্ঠা ১৫
(1) سورة المائدة ، الآية : 8 . إن المعاهد في بلد الإسلام لا يعيش على هامش المجتمع بل يشارك ويخالط أفراد المجتمع ، وقد يسند إليه بعض الأعمال التي هي من صميم عمل أهل الإسلام ، فقد جوز الخرقي أن يكون الكافر من العاملين على الزكاة ، وذكر في المغني أنها إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ؛ لأن الله تعالى قال : { والعاملين عليها } (1) وهذا لفظ عام يدخل فيه أي عامل على أي صفة كانت ولأن ما يأخذ على العمالة أجرة لعمله فلم يمنع من أخذه كسائر الإجارات (2) . بل صرح الإمام الماوردي بجواز أن يتولى الذمي وزارة التنفيذ دون وزارة التفويض (3) .
لقد أطلق الإسلام على غير المسلمين الذين لهم ذمة أهل الذمة وعاملهم بها وهي تعني: العهد والأمان والضمان ، والحرمة والحق (4) وهو عهد منسوب إلى الله عز وجل وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن الأثير : "وسمي أهل الذمة لدخولهم في عهد المسلمين وأمانهم" (5) .
_________
(1) سورة التوبة ، الآية :60 .
(2) انظر : المغني ، ابن قدامة ، ج 4 ص 107 .
(3) انظر : الأحكام السلطانية ، الماوردي ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط1 ، 1410ه ص 68 وانظر تفصيل أقوال العلماء في مسالة تولي الذمي وزارة التنفيذ في كتاب : أهل الذمة والولايات العامة في الفقه الإسلامي ، نمر النمر ، المكتبة الإسلامية ، عمان ، ط1 ، 1409ه ص 197-214 وانتهى المؤلف إلى القول بعدم جواز ذلك . .
(4) انظر : النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير ، ج2 ص 168 .
পৃষ্ঠা ১৬
(5) المرجع السابق ج 2 ص 168 . إن قوة هذا الدين وسلامة قواعده وتنوع أساليبه أوجدت مجالا خصبا للحوار والحرية والإبداع في المجتمع المسلم . (1) وإن من يأخذون ببعض النصوص من الكتاب أو السنة ويريدون تطبيقها في معاملة غير المسلمين يخطئون في فهم منهج الإسلام وطبيعته ، فالواجب أن تؤخذ نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة كاملة وتقرر معاملة المسلم مع غيره في ضوئها وعلى هديها وفي القرآن العظيم آيات لا تحصر في الأمر بالبر والصلة والإحسان والعدل والقسط والوفاء بالعهد ، والنصوص في ذلك مطلقة تستوعب كل أحد ، بل إن نصوص الإحسان تشمل حتى الحيوان وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال : « إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته » (2) ، وقال تعالى : { وأحسنوا إن الله يحب المحسنين } (3) ، وقال : { وقولوا للناس حسنا } (4) ، وفي ظل هذا المفهوم العام للإحسان كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة غير المسلمين وهو ما سأشير إليه في المبحث التالي .
_________
(1) انظر : أهل الكتاب في المجتمع الإسلامي ، حسن الزين ، بيروت ، ط1 1402 ه ص 53 .
(2) رواه مسلم ، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان ، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة ، رقم الحديث : 1955 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 195 .
পৃষ্ঠা ১৭
(4) سورة البقرة الآية : 83 . المطلب الثاني سماحة النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة غير المسلمين بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، وهو صلى الله عليه وسلم مثال للكمال البشري في حياته كلها ، مثال للكمال في علاقته بربه وفي علاقته بالناس كلهم بمختلف أجناسهم وأعمارهم وألوانهم ، مسلمين وغير مسلمين ، قال جابر بن عبد الله رضى الله عنه « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا » (1) ، قال النووي : " أي سهل الخلق كريم الشمائل لطيفا ميسرا في الخلق " (2) .
وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : « ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها » (3) . بمثل هذه القيم كانت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، يسر في كل شيء ، وذود عن حرمات الله لا عن عرض الدنيا أو أهواء النفوس .
وتعدد صور السماحة في هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين وشواهد ذلك من سيرته لا تحصر وأذكر منها ما يلي :
_________
(1) صحيح مسلم ، كتاب الحج ، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران ، رقم الحديث : 1213 .
(2) شرح صحيح مسلم ، النووي ، مكتبة المعارف ، الرياض ، ط 1 ، 1407ه ، ج 4 ص 410 .
পৃষ্ঠা ১৮
(3) رواه البخاري ، كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم الحديث : 3560 . 1- رحمته صلى الله عليه وسلم بالخلق عامة وهو الذي قال الله عز وجل عنه : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } (1) ، فكان صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة إلى الخلق كلهم ، وحث على العطف على الناس ورحمتهم فقد قال صلى الله عليه وسلم : « لا يرحم الله من لا يرحم الناس » (2) ، وكلمة الناس هنا تشمل كل أحد من الناس ، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم وجاءت النصوص في باب الرحمة مطلقة ، وقد ساق البخاري في باب رحمة الناس والبهائم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : « ما من مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة » (3) ، فدين الإسلام دين السماحة والرحمة يسع الناس كلهم ويغمرهم بالرحمة والإحسان .
2- تجاوزه عن مخالفيه ممن ناصبوا له العداء فقد كانت سماحته يوم الفتح غاية ما يمكن أن يصل إليه صفح البشر وعفوهم فكان موقفه ممن كانوا حربا على الدعوة ولم يضعوا سيوفهم بعد عن حربها أن قال لهم : « اذهبوا فأنتم الطلقاء » (4) .
_________
(1) سورة الأنبياء ، الآية : 107 .
(2) رواه البخاري ، كتاب التوحيد ، باب قول الله تعالى : قل ادعو الله أو ادعو الرحمن أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى ، رقم الحديث : 7376 .
(3) رواه البخاري ، كتاب الأدب ، باب رحمة الناس والبهائم ، رقم الحديث : 6012 .
পৃষ্ঠা ১৯
(4) السيرة النبوية ، ابن هشام ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط1 ، 1415ه ، ج 4 ص 61 . 3- دعاؤه صلى الله عليه وسلم لمخالفيه من غير المسلمين فقد قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه فقالوا: « يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت فادع الله عليها ، فقيل : هلكت دوس - ظنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رفع يديه للدعاء عليها - فقال صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اهد دوسا وائت بهم ) » (1) . ودعا صلى الله عليه وسلم لأم أبي هريرة قبل إسلامها فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضى الله عنه قال : « كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قلت : يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اهد أم أبي هريرة ) ، فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف فسمعت أمي خشف قدمي فقالت : مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء قال فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت : يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده
_________
পৃষ্ঠা ২০
(1) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم ، باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة وتميم ودوس وطئ ، رقم الحديث : 2524 . ورسوله قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح » . . الحديث (1) .
وجاء الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : « يا رسول الله ادع الله على ثقيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم اهد ثقيفا ) ، قالوا يا رسول الله ادع عليهم فقال : ( اللهم اهد ثقيفا ) ، فعادوا فعاد فأسلموا » فوجدوا من صالحي الناس إسلاما ووجد منهم أئمة وقادة (2) .
ومن صور الدعاء ما كان من اليهود حيث كانوا يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله فلم يحرمهم من الدعوة بالهداية والصلاح ، فكان يقول : « يهديكم الله ويصلح بالكم » (3) .
4- وكان صلى الله عليه وسلم يقبل هدايا مخالفيه من غير المسلمين « فقبل هدية زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم في خيبر حيث أهدت له شاة مشوية قد وضعت فيها السم » (4) .
وقد قرر الفقهاء قبول الهدايا من الكفار بجميع أصنافهم حتى أهل الحرب قال في المغني : "ويجوز قبول هدية الكفار من أهل الحرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فبل هدية المقوقس صاحب مصر " (5) .
_________
(1) رواه مسلم ، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم ، باب من فضائل أبي هريرة رضى الله عنه رقم الحديث : 2491 .
(2) انظر : تاريخ المدينة ، ابن شبة ، دار العليان ، بريدة ، ط1 ج2 ص 98 .
(3) رواه البخاري في الأدب المفرد ، باب إذا عطس اليهودي ، وصححه الألباني ، انظر : صحيح الأدب المفرد ، الألباني ، ص 348 رقم الحديث : 719 .
(4) رواه البخاري ، كتاب الهبة ، باب قبول الهدية من المشركين ، رقم الحديث : 2617 .
পৃষ্ঠা ২১
(5) المغني ، ابن قدامة ، ج13 ص200 . 5- وكان من سماحة النبي صلى الله عليه وسلم أن يخاطب مخالفيه باللين من القول تأليفا لهم ، كما تظهر سماحة النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين في كتبه إليهم حيث تضمنت هذه الكتب دعوتهم إلى الإسلام بألطف أسلوب وأبلغ عبارة .
6- وكان صلى الله عليه وسلم يغشى مخالفيه في دورهم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : انطلقوا إلى يهود فخرجنا معه حتى جئناهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فناداهم فقال : ( يا معشر يهود أسلموا تسلموا ) فقالوا : قد يلغت يا أبا القاسم » . . الحديث (1) . وعاد صلى الله عليه وسلم يهوديا ، كما في البخاري عن أنس رضى الله عنه « أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال : ( أسلم ) فأسلم » (2) .
7- وكان صلى الله عليه وسلم يعامل مخالفيه من غير المسلمين في البيع والشراء والأخذ والعطاء ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : « توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين . يعني : صاعا من شعير » (3) .
_________
(1) رواه مسلم ، كتاب الجهاد والسير ، باب إجلاء اليهود من الحجاز ، رقم الحديث : 1765 .
(2) رواه البخاري ، كتاب المرضى ، باب عيادة المشرك ، رقم الحديث :5657 .
পৃষ্ঠা ২২