وإذا كنت تثبت في حين لا يبقى لك شيء سوى الإرادة التي تهتف بك: اثبت.
وإذا كنت تقدر أن تخاطب الجماهير، وأن تحافظ على فضائلك، وأن تتردد على الملوك بدون أن تخسر بساطتك، ثم لا يقدر أحد سواء أكان عدوا أم صديقا أن يحرج موقفك.
وإذا كنت تقدر أن تثق بكل الرجال، ثم لا تثق بأحد منهم ثقة مطلقة عمياء.
وإذا كنت تقدر أن تملأ الدقيقة المارة من حياتك.
فإن العالم، وكل ما فيه الآن، وما هو آت بعد، سيكون لك. وستكون رجلا يا ابني.
كثيرون منا يخالون أن ما يتحدث عنه الشاعر هو فوق طاقة البشر، ولكننا إذا نظرنا إلى ما حولنا، وجدنا هذه النماذج من المثل العليا التي رسمها الشاعر لابنه قائمة حولنا، وإن لم تجتمع كلها في واحد، كما يريد الشاعر لابنه، فهي موجودة في كثيرين. إنها كلها تتجه نحو هدف واحد هو الثبات. وقد قال نابليون: إن النصر حليف الأشد ثباتا. كما قال مونتسكيو: النجاح في الحياة حليف من يعرف أن يصبر. وهذا ما يعنيه كبلنغ في مطلع قصيدته لابنه: إذا كنت تقدر أن (تنتظر) فكثيرون من شبابنا لا يقدرون على الانتظار، فهم يريدون أن يجمعوا المال فور نزولهم إلى السوق إذا كانوا تجارا، وإلا أقفلوا أبواب مخازنهم ثاني يوم وباعوا أثاثها وراحوا يفتشون عن عمل آخر. وإذا كانوا علماء يريدون أن يظفروا بالاكتشافات والحلول فور تفكيرهم بها، وإذا كانوا أدباء يريدون أن يطيروا إلى القمة طيرانا.
كثيرة هي الشواهد على الثبات الذي عبر عنه كبلنغ بالانتظار. كتب أحد أصحاب المكاتب إلى شاب عهد إليه بإدارة فرع جديد: إذا بذلت كل جهدك وصبرت مدة نصف شهر لم تبع فيها كتابا واحدا فإنك ناجح في المستقبل.
ويقول الشاعر لابنه: إذا رأيت الأشياء التي خصصت لها حياتك تندثر، لا تيأس بل استأنف عملها من جديد. وهذه أيضا نجد لها أمثلة في التاريخ، فكارليل صاحب تاريخ الثورة الفرنسية أعار جارا له مسودة المجلد الأول منه فتركها ذلك الجار على أرض غرفته، فلمتها خادمته على أنها من المهملات وأشعلت بها النار. فانقضت هذه النكبة كالصاعقة على رأس كارليل؛ ولكنه بدلا من أن ينثني عزمه أكب على مراجعة المئات من المؤلفات الخطيرة وكثيرا من مخطوطاته وأعاد في شهور ما أحرق في بضع دقائق.
وإديسون العالم الطبيعي قضى سنتين طائفا في غابات أميركا يصور الطيور التي فيها، ولما عاد وضع تلك الرسوم في صندوق ثم غاب عنه مدة، ولما فتحه وجد الجرذان قد أتلفت تلك الرسوم، فتشدد بدلا من أن يقنط وييأس وراح يطوف ثانية في تلك الغابات مستأنفا عمل رسومه فجاءت خيرا من الأولى.
أما الذين جمعوا كل ما ربحوه وخاطروا به فخسروه، ثم بدءوا من جديد بلا تذمر ولا شكوى، فهؤلاء نجدهم في أسواق العالم الكبرى، وإنهم ليستحقون التمجيد.
অজানা পৃষ্ঠা