فقال الوزير: أبحفنة ملح تؤخذ بلا ثمن تخرب القرية؟
فقال كسرى: هكذا بدأ الظلم في الدنيا، بدأ قليلا جدا، ثم تمادى الحاكم فيه حتى بلغ الحد الذي نراه.
وحكي عن مار أفرام السرياني أنه كان سميك الذهن يقرأ ليل نهار ولا يعلق بذاكرته شيء. فيئس من نفسه وقنط. وفي ذات يوم مر ببئر فرأى أثر الحبل في (خرزة) البئر، وقد حزها حزا عميقا حتى كاد يبريها، فسأل امرأة كانت تملأ جرتها عما فعل بالخرزة هكذا، فأجابته: الحبل يا أفرام.
فعاد أفرام أدراجه وحمل كتابه إلى البرية حيث اتخذ له مقعدا على صخرة قائمة على كتف واد. وهناك ظل يدرس سنوات، ولكن بقرة لجاره كان يسرحها فتأتي وتعكر عليه وحدته بخوارها، وبينا هي على شفير إذا بأفرام يصيح بها صيحة ردد الوادي صداها فاضطربت البقرة واختل التوازن فتدهورت إلى الوادي وفكت رقبتها.
وجاء صاحبها يندب حظه وبقرته التي كانت كل رزقه. وراح أفرام يساعده على سلخها وتقصيبها محاولا بذلك طمس معالم جريمته.
وخلا لأفرام الجو زمنا وكان له الهدوء الذي أراد بعدما قضى على البقرة. وتفتقت براعم مواهبه فصار ذلك الشاعر المسكوني. ولكن جناية ارتكبت وكان أفرام واحدا من المتهمين فزج في السجن. وطال الحبس فأخذ أفرام يناجي ربه متذمرا من الظلم؛ لأنه بريء مما اتهم به.
وطالت الصلاة والنجوى، والسجن لم تنفتح أبوابه، وأفرام يتألم ويصرخ إلى ربه يسأله الفرج. وفي هدأة الليل بينما كان المسجونون يغطون في نومهم ركع أفرام يتضرع إلى ربه بحرارة ويبكي وينتحب ويقول: أنت تعلم يا رب أنني بريء، فكيف تتركني في ضيقي. أنا مظلوم يا رب، أنا لم أسفك دما كما اتهموني، فمد يدك يا الله وافتح باب حبسي. انتشلني من جب العذاب كما انتشلت يوسف، وأنقذني كما أنقذت دانيال.
أنت وحدك تعلم أني بريء من هذه التهمة فنجني إذن. أين قدرتك يا الله؟ أيقتل الناس بعضهم بعضا ويجازى عبدك.
وبينا كان أفرام في معمعة هذه الابتهالات إذا به يسمع هاتفا يقول له: والبقرة يا أفرام!! فأصغى أفرام إلى الهاتف وهو متعجب كأنه يتساءل، فإذا به يسمع من يقول ثانية: نعم، البقرة التي قتلتها يا أفرام، وشاركت صاحبها في سلخها كأنك لم تقترف إثما.
فتذكر أفرام جريمته وخر إلى ذقنه يبكي. استيقظ ضميره وعرف أنه يكفر عن ذنب قديم كان نسيه، ولكن الله لا ينسى.
অজানা পৃষ্ঠা