أنهض من مجلسي، وأقف أمام النافذة الزجاجية التي تحتل كل الحائط الغربي من مكتبي بشقتي الواقعة في الطابق الحادي والعشرين من البناية (في الواقع احتجت للعديد من الأشهر، حتى اعتدت النظر عبر النافذة بدون أن تتجمد قدماي رعبا، أو أشعر بالدوار المميز لفوبيا المرتفعات)، أرمق مدينة تورنتو المضيئة، وهي تستعد لاحتفالات العام الجديد.
الكرات الثلجية الهشة تتساقط من السماء بطريقتها الهادئة الساحرة التي تغريني بالخروج والتجول في الشوارع بلا هدى، لكنني لست مولعا بشكل خاص بالسكتات الدماغية المفاجئة أو الذبحات الصدرية، أو أن أصاب - في أفضل الحالات - بالغنغرينا وأفقد أحد أطرافي، ثم أتجمد وأموت.
ربما في ليلة أخرى.
أحدق من ارتفاعي الشاهق في طبقات الجليد ناصعة البياض التي تغطي الشوارع ورءوس الأشجار، بينما المارة يرتدون الملابس الشتوية الثقيلة، ويمشون على الطرقات الزلقة. قالوا في نشرة الطقس الليلة إن الحرارة ستسقط ما دون الصفر في هذه الأيام. بحيرة أونتاريو الفاتنة تتلألأ من بعيد في ظلام الليل، تحت تأثير أضواء تورنتو التي لا تنام، وتترك ذلك التأثير الذي أعشقه.
رائحة البخور السوداني الذي أشعلته زوجتي آمال في الشقة، قبل أن تخرج لعملها في العيادة القريبة تفعم رئتي، وتحرك في دواخلي شبقا جنسيا خافتا يدغدغ مشاعري، ويستجلب من ذاكرتي كل روائح الدلكة والدخان، وطقوس ليالي الخميس الماجنة في السودان.
لقد أنجبنا طفلا جميلا منذ عامين. ألم أخبركم بعد؟
منذ عامين بدأت الحياة تدب في زوجتي أخيرا. ولأول مرة منذ سنوات أرى ابتسامتها الساحرة تعود من جديد، وتضيء المكان.
تضحك، تقهقه، يتورد وجهها فرحا وخجلا، تغازلني في دلال، تقف على أطراف أصابع قدميها، وتقبلني في نهم.
تتقافز في المكان فرحا كالأطفال.
تقول لي إن «عمار» الصغير يشبهني - لسوء حظه - فأقول لها إنه يشبهها أكثر. تلك الابتسامة الجميلة تقول إنه يشبهها أكثر.
অজানা পৃষ্ঠা