قال، وهو يريح رأسه على الحائط: «لن أفتدي نفسي بالآخرين، وهم يواجهونهم الآن في الشوارع، لن أستطيع العيش مع نفسي إذا كنت سببا في القبض عليهم وإجهاض الثورة.»
قلت بنفس العصبية: «هذه الثورة لن تستمر على أية حال، سيذبحونهم كالخراف، وسيشعر الآخرون بالخوف وينتهي كل شيء، ليست ثورة تستند على أي وعي بل مجرد رد فعل للجياع، وثورات الجياع لا تدوم، التاريخ يقول إن ثورات الجياع لا تدوم. إن من لا يثور من أجل موت مواطنيه في الجنوب وفي دارفور، ومن لا يثور من أجل حريته لن يثور من أجل الخبز. من يقايض كرامته بخبزه لا يحصل على أي منهما في نهاية المطاف.» - «ربما. لكننا سنكون على الأقل فعلنا ما بوسعنا، لا أن تنتهي بسبب أنانية بعضهم وتمسكهم بالحياة، لسنا أفضل ممن ماتوا ويموتون الآن في الشوارع.»
كنت أعرف في قرارة نفسي أنه سيقول ما قال، فهو من أولئك الأشخاص الحالمين المثاليين الذين يسعون للاستشهاد، وتسجيل المواقف البطولية بحماس محموم، يؤمن بنفسه إلى درجة التعصب، والغباء أحيانا .
أسندت رأسي للحائط بجواره وأغمضت عيني، سألته: «لماذا كنت تتجنبني، وتتجنب هبة مؤخرا؟»
شعرت بيده تتحسس يدي بجواره، ثم ترتفع حتى وضع راحته على كتفي، وقال: «لم أكن أتجنبكما، كنت أحاول حمايتكما. لقد كان أفراد الأمن يراقبون الجامعة والسكن مؤخرا، فلم أرد أن أقترب منكما؛ حتى لا تتورطا فيما يحدث، لم أشأ أن يربطوا بينكم وبيني؛ حتى لا يحاولوا أذية أحدكما؛ لإجباري على الظهور.»
وددت أن أتخفف من هذا الحمل الثقيل، وأقول له إنهم استطاعوا اكتشاف العلاقة بيننا مبكرا، وإنهم قاموا باعتقالي والضغط علي لتسليمه لهم.
تمنيت أن أقول له إنني السبب في وجوده في هذا المعتقل الآن. ليثور، أو يضربني، أو يبصق علي، أو ينعتني بالجبان. يفعل أي شيء يخفف من وخزات الضمير، واحتقاري لنفسي في تلك اللحظة.
لكنني لذت بالصمت.
وظللنا جالسين في مكاننا طيلة اليوم، نتحدث عن كل شيء، حتى غلبنا النعاس ونمنا حيث نحن، حتى صباح اليوم التالي عندما تم استدعائي لمكتب «سعادتك»، أخبرته أنني لم أحصل منه على شيء، ولك أن تتخيل غضبته الجارفة علي وقتها.
شتمني بأشنع الألفاظ، ثم أمر بإعادتي للزنزانة الأولى. قضيت فيها ثلاثة أيام تعرضنا فيها لكافة صنوف التعذيب، ابتداء من الضرب بالسياط والركل والصفع حتى الصعق بالكهرباء، والحرمان من النوم، ومن دخول دورات المياه، وحتى العبادة.
অজানা পৃষ্ঠা