হায়াত শর্ক
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
জনগুলি
الخليج الفارسي وكيف ضاع؟
ويمكن القول بأن عهد الاحتلال الإنجليزي والدسائس الاستعمارية الحديثة بدأ في عهد هذا الأمير وعهد أخيه سلطان الذي نازعه، فإنه في سنة 1798 عقدت معاهدة بين شركة الهند الإنجليزية وبين سلطان على بعض مسائل تجارية، كما هي عادة الإنجليز تمسكنوا فتمكنوا، وتبعتها معاهدة أخرى بينه وبين الإنجليز أمضاها جون مالكولم سنة 1800 يحق للإنجليز بموجبها أن تعين مقيما في مسقط. وفي بحر هذه المائة سنة من 1800-1900 استولت إنجلترا على البلاد بالحيلة أولا ثم بالتجارة ثم بالفتنة ثم بالقوة القاهرة.
فلما جاءت الحرب العظمى كان الخليج الفارسي حبيبها ونور عينها ومفتاح الهند في يدها من شماله إلى جنوبه، وكانت جميع مدنه وجزائره سواحله وأمرائه وشيوخه خاضعين لها، وقد امتد نفوذها إلى شرق أفريقيا وسواحلها، وذلك كله بعد أن استتب لها الأمر في الهند كلها، فهي ورثت البرتغال ولكنها لم تحارب البرتغال، بل تسلمت التركة الشرقية من الدولة الإسلامية التي تعينت وصيا على التركة وقامت بأعباء تصفية التركة خير قيام، فطردت البرتغال وطردت العجم، ونظفت الخليج الفارسي من الأجانب واستولت على زنجبار وشرق أفريقيا، وسلمت هذا كله لقمة سائغة إلى إنجلترا. ولم يكن بقاء هذا المقيم الإنجليزي في مسقط عبثا، فإنه قنصل ووكيل سياسي وخبير بالأمور، يدرس الأحوال ويمتزج بالأمراء والزعماء ويبث العيون والأرصاد ويوزع الأموال السرية، وبالجملة يمهد السبيل في رفق وهوادة إلى أن تسنح فرصة الاستيلاء التام، فإن سير برسي كوكس الذي عرف منذ عشر سنين بأنه مندوب سام في العراق لم يكن كما يظن بعض الناس غريبا عن العراق والعرب، بل إنه كان في سنة 1902 وكيلا لبلاده في الخليج الفارسي، وهؤلاء الوكلاء يقبضون على زمام الأمور بطريقة تشبه طريقة السلطان عبد الحميد، فقد روى ثقة عن أحد الموظفين في الوكالة السياسية بالبحرين أنه كان يجيء إلى الوكالة ويخرج منها كثيرا من الرسائل والبلاغات السرية، وفي الدار منها ما يملأ بضعة صناديق ويدهش فحواها كثيرين حتى رجال السياسة في لندن.
وكان من بوادر وجود الوكيل السياسي الإنجليزي في مسقط أن شركة الهند الإنجليزية تمكنت من إرسال أسطول في 1809 حارب بعض العرب بتهمة القرصنة، وفي سنة 1811 استعان السيد سعيد بأصدقائه الإنجليز فأعانوه على قلعة شيناس فأخذها. وعاد الإنجليز بقيادة الجنرال كير إلى محاربة الذين وصفوهم بالقرصان وأعانهم السيد سعيد، لأنهم صاروا حلفاءه.
وسار السيد سعيد والسادة الإنجليز لقتال عرب جعلان الذين تركوا الإباضية وصاروا وهابية فقهرهم عرب جعلان، وتوفي السيد سعيد عقيب هذه الهزيمة حوالي سنة 1820.
وما زال الإنجليزية يجاملون حلفاءهم إلى سنة 1854 حيث احتل الإنجليز بندر عباس وأراد السيد سعيد (أخو المتوفى في سنة 1820) أن يحارب العجم فمنعه الإنجليز من إمرار جنوده في البحر من ساحل العرب إلى ساحل العجم، لأنهم لا يسمحون بحركات حربية في الخليج الفارسي، وصارت إنجلترا من ذلك التاريخ تصارح بحقيقة مقاصدها، وهي أنها لا تطيق أن ترى على ثبج ذلك البحر مقاتلا واحدا إن لم يكن تحت رايتها.
ولما تولى السيد تويني حارب الوهابيين وجرد أسطولا عظيما لفتح زنجبار فتحفز الإنجليز له وحكموا بينه وبين حاكم زنجبار لورد كاننج حاكم الهند فقضى برجوع الأسطول. وقتل تويني في فرشه واتهم ابنه سالم بقتله، ولكن الإنجليز عضدوا سالما وسلموه الملك، وهو بطبيعة الحال أطوع وأضعف لأنه مدين بنجاته من عقوبة القتل ثم بالعرش للإنجليز فلا يمكن أن يخالفهم. وكان الإنجليز قد ادخروا لوقت الشدة عم تويني هذا واسمه تركي واحتفظوا به أسيرا في الهند، فلما لم ينالوا كل بغيتهم من سالم وامتصوه لحما ولفظوه عظما، طردوه من الملك وولوا عمه الذي أحضروه من الهند فجاء من بمباي إلى مسقط وتسلم زمام الأمور، وحصلت في 1874 فتنة فتغلب عليها تركي بتعضيد الإنجليز. وصارت إنجلترا صاحبة الحول والطول في الخليج الفارسي وعمان والبحرين، تولي وتعزل وتنصر وتخذل من تشاء بغير حساب.
كل ذلك في مدى أربع وسبعين سنة من 1800 إلى 1874، وفي سنة 1888 توفي تركي وخلفه ولده فيصل بن تركي وذلك بموافقة إنجلترا التي أصبح أمير مسقط لا يصدر إلا عن رأيها، وكانت قد دخلت مصر منذ أربع سنوات وحصرت الشرق العربي بما فيه العراق وبين النهرين والبصرة بين مصر غربا والهند شرقا، ومن ذلك التاريخ بل قبله بعشرات السنين كانت قد رسمت خطة الاستيلاء على الجناحين، فلم يبق إلا الاستيلاء على القلب وهو جزيرة العرب.
وإنني لا أشك مطلقا بل أثبت بأدلة تاريخية لا تقبل الشك أن إنجلترا كانت من أكثر من مائتي سنة تريد وضع يدها على مصر ثم طمعت في بلاد العرب كلها، ووضعت لذلك منهاجا دقيقا أول بند فيه تجريد العرب وأهل الشرق الأوسط من السلاح، وكانت تريد دخول الجزيرة من الجنوب الشرقي فاستولت على عدن وبوغاز باب المندب، ولكن أئمة اليمن الصالحين الأتقياء الشجعان وقفوا لها ومنعوا دخول الأجانب بلادهم ورضوا بتوحشهم وتأخرهم ورفضوا المدنية الخلابة البراقة التي وراءها السيف والمدفع وسلاسل الأسر الدائم. فلما خابت في الجنوب ورأت أئمة اليمن يكونون جيشا ويدخلون مع دول أخرى لشراء الأسلحة هاجمت العرب من الخليج الفارسي كما شرحنا. وقد استعمل الإنجليز في تنفيذ سياستهم كل وسيلة، وأنا أشيد بفضلهم على وطنهم لأنهم لا يدخرون رجالا ولا مالا ولا عقلا في سبيل عظمتهم الاستعمارية والضحايا نائمون يغطون غطيطا أو يتمتعون بالمال والنساء، وقد استفادوا بنص القرآن في تعدد الزوجات وهو مخالف لما يقصدون، فصار الملك أو الأمير يعدد الزوجات بحجة ربط أواصر النسب والمصاهرة فساعدوا الإنجليز بالفتن الشائعة في بيوتهم، فتعددت الزوجات ونشأ عن ذلك ضغائن بين الإخوة ومنافسة بين الأمهات أساسها تباغض الضرائر الذي أراح الله منهن أمم أوروبا حتى إن مؤرخا إنجليزيا قال لهم الحقيقة في كتابه «التاريخ القديم» وهو رولنيسون حيث يقول في ص27:
إن تعدد زوجات الملك يزيد في عدد السباهلة في البلاط ويقتضي بناء القصور المتعددة التي توجب نفقات طائلة، ويقتل شعور الولاء والمحبة في الأسرة الواحدة، شعور الأبوة والبنوة والإخاء، ويفسد الأخلاق ويعلم النفاق ويضعف قوة البدن والروح، ويبعث على الخناثة والترف ويمكن من النفوذ والسيادة في الأحكام طبقة من أحط الطبقات.
অজানা পৃষ্ঠা